هل تجلب مصائب الروس والأتراك فوائد لمصر وقطر؟
بون، ألمانيا (دويتشه فيله)
روسيا تقرر عقوبات اقتصادية ضد تركيا بعد إسقاط طائرة السوخوي الروسية وأنقرة تهدد بالمثل، السؤال هل يمكن لدول عربية كمصر وقطر والجزائر وتونس الاستفادة من تأزم العلاقات التركية الروسية على مبدأ مصائب قوم عند قوم فوائد؟
تتسارع وتيرة التبعات السياسية والاقتصادية لإسقاط طائرة السوخوي الروسية من قبل المقاتلات التركية فوق الأراضي السورية.
على الصعيد الاقتصادي صادقت الحكومة الروسية بداية الشهر الجاري على قائمة عقوبات ضد تركيا تشمل منع دخول الحمضيات والطماطم والفراولة والملح ومنتجات تركية أخرى إلى روسيا.
قبل ذلك تمت المصادقة على مرسوم رئاسي يتضمن إعادة تطبيق نظام تأشيرات الدخول مع تركيا ومنع استخدام الأيدي العاملة التركية في الشركات الروسية إضافة إلى وقف الرحلات السياحية التجارية بين البلدين اعتبارا من مطلع العام القادم 2016.
وفي الثالث من ديسمبر الجاري أعلن وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك تعليق المباحثات مع تركيا حول تنفيذ مشروع نقل الغاز الروسي "السيل التركي" عبر الأراضي التركية إلى أوروبا.
وفي في هذه الأثناء نقلت وسائل إعلام معلومات عن تطبيق بعض العقوبات قبل سريان مفعولها.
ويبرز من بينها توقيف طوابير سيارات محملة بالبضائع التركية على الحدود الروسية مع روسيا البيضاء إلى أجل غير مسمى.
كما نقلت معلومات عن توقيف رجال أعمال أتراك بحجة مخالفة نظام الإقامة في روسيا.
من الصعب تعويض الأضرار لكلا الطرفين
خلال العام الماضي 2014 زار تركيا 4.5 مليون سائح روسي درّوا على الاقتصاد التركي أكثر من 3 مليارات دولار.
وتصدر تركيا إلى روسيا بضائع زراعية وصناعية تزيد قيمتها على 6 مليارات دولار.
خلال العام الماضي 2014 وصلت قيمة مجمل التبادل التجاري السلعي بين البلدين إلى نحو 33 مليار دولار قسم كبير منها عبارة عن صادرات تركية صناعية وزراعية ذات قيمة مضافة عالية.
وتبلغ حصة تركيا من مجمل التبادل حوالي 12 مليار دولار. في هذا الإطار تشكل البضائع التركية ربع مستوردات روسيا من الأطعمة.
وتقدر قيمة العقود الموقعة بين البلدين حتى نهاية العام الماضي 2014 حوالي 44 مليار دولار.
وتشمل العقود مشاريع شتى تقوم الشركات التركية التي تحتل مكانة هامة للغاية في السوق الروسية بتنفيذها لاسيما في البنية التحتية.
كما يعيش في روسيا 200 ألف تركي لضرورات العمل في قطاعات اقتصادية متنوعة.
ومما يعنيه ذلك أن خسائر كبيرة ستلحق بالاقتصاد التركي في حال تطبيق العقوبات الروسية فعليا.
ويقدر عثمان بوداك النائب في حزب الشعب الجمهوري التركي في تصريح لصحيفة "حريت" حجم الخسائر المحتملة بحدود 20 مليار دولار.
غير أن تطبيق العقوبات سيلحق بالجانب الروسي بدوره أضرارا وخسائر لا تقل عن مثيلتها في الجانب التركي.
فتعويض السلع الغذائية التركية في السوق الروسية لن يكون بالأمر السهل على ضوء التكاليف الإضافية المترتبة لاستيرادها من بلدان أبعد من تركيا بالنسبة إلى روسيا كمصر أو المغرب، مما سيعني ارتفاع أسعارها أو نقصها في السوق الروسية.
كما أن روسيا تمد تركيا بخمس احتياجاتها من الغاز الطبيعي والنفط، إضافة إلى أنها تصدر لها الحبوب والحديد ومنتجات كيميائية متنوعة.
وبلغت قيمة الصادرات السلعية الروسية إلى تركيا نحو 21 مليار دولار خلال العام الماضي 2014.
وبما أن روسيا تعتمد في صادراتها على النفط والغاز بالدرجة الأولى، فإن توجه تركيا للاعتماد على بدائل للواردات الروسية من دول أخرى سيعني تلقيها ضربة قوية وفقدانها إيرادات كبيرة هي في حاجة قوية لها.
وتعد تركيا خامس شريك تجاري لروسيا بحصة تصل إلى نحو 5 بالمائة من التجارة الخارجية الروسية.
وكان الرئيس التركي أردوغان قد هدد بالتوجه إلى دول أخرى لإمداد بلاده بالغاز ردا على العقوبات الروسية.
ونقلت وكالة رويتر عنه في 2 ديسمبر الجاري 2015 خلال زيارته لدولة قطر أنه بحث هناك "الاستثمار في تخزين الغاز الطبيعي المسال وخطوات أخرى على ضوء تأزم علاقات بلاده مع روسيا".
شكوك في قدرة قطر
غير أن السؤال المطروح، هل يمكن لتركيا بالفعل الاعتماد على الغار القطري لسد أي نقص قد يحصل في إمدادات الغاز الروسي؟ خبير الطاقة المعروف وليد خدوري يستبعد هذه الفرضية لعدة أسباب أبرزها أن روسيا لن تقدم على قطع إمدادات الغاز لأنها بحاجة ماسة إلى العملة الصعبة التي تجنيها من بيع مصادر الطاقة.
ويضيف خدوري في لقاء مع حديث مع DW أن "قطر من جهة أخرى لا يمكنها تعويض الغاز الروسي بهذه السهولة، لأنها تصدر حاليا كل الغاز الذي تنتجه، لاسيما وأن الطلب الياباني ازداد بعد حادثة فوكوشيما".
يضاف إلى ذلك أن نقل الغاز السائل يحتاج إلى ناقلات بحرية ومنصات تخزين يحتاج تجهيزها سنوات عدة طويلة.
غير أن خدوري يعتقد بأنه وفي حال حصول نقص في الإمدادات الروسية فإن تركيا بإمكانها التوجه إلى إيران وأذربيجان والجزائر لسد النقص، لاسيما وأن هذه الدول تمد تركيا أيضا بالغاز والنفط في الوقت الحاضر.
مصائب الروس والأتراك قد تصبح فوائد عند آخرين
في الوقت الذي يتصاعد فيه التوتر في العلاقات الروسية التركية تحاول جهات عدة جني مكاسب اقتصادية من تبعاتها.
ففي موسكو على سبيل المثال يلفت الانتباه هذه الأيام دعايات الترويج للسياحة في منطقة القرم وسوتشي وإسرائيل. غير أن لاريسا أخانوفا، الخبيرة في مؤسسة تيز تور/Tez Tour إحدى أكبر شركات السياحة الروسية قالت في حديث مع DW أنه من الصعب إيجاد بديل لتركيا بالنسبة للسياح الروس في الوقت الحاضر.
غير أن مناطق سياحية مثل "أبو ظبي وقبرص وتونس قد تشكل بدائل لهم لاحقا. أما بالنسبة للسياح من موسكو وسان بطرسبورج فترى الخبيرة بأن ألمانيا محبوبة للغاية وهي تحتل بالنسبة لهم المرتبة الثالثة بعد تركيا ومصر، لاسيما وأن برلين لا تبعد أكثر من ساعتين ونصف بالطائرة عن موسكو.
استفادة مصر مشروطة بمعايير الجودة
على صعيد متصل صرح وزير الزراعة الروسي لصحيفة "ازفيستيا" بأن هناك فرصا لاستيراد منتجات زراعية من دول مثل أذربيجان وأوزبيكستان والمغرب وإسرائيل بدلا من المنتجات التركية.
بدوره صرح طارق قابيل، وزير التجارة والصناعة المصري أن بلاده مهتمة بسد احتياجات روسيا من المنتجات الزراعية والصناعية الشبيهة بتلك التي تستوردها من تركيا.
وفي لقاء أجراء "راديو 9090" المصري مع نادر نور الدين، الخبير والأستاذ بكلية الزراعة بجامعة القاهرة قال الخبير المصري إن "روسيا تستورد سلعا من تركيا بقية 6 مليارا دولارات سنويا وهذا مبلغ يمكنه إنعاش الاقتصاد المصري".
وأضاف في المقابلة التي نشرت جريدة الدستور المصرية مقتطفات منها في 30 نوفمبر 2015 أن مصر لديها اكتفاء من الخضروات والفواكه وهي قادرة على تصدير الأغذية والأنسجة إلى روسيا.
وحتى لو أقر المرء بتوفر الفوائض فإن مقومات التصدير الفعلية لا تبدو وردية بهذا الشكل، لاسيما وأن صناعة التغليف والتوضيب المصرية ليست في مستوى مثيلتها التركية.
كما أن البنية اللوجستية المصرية لدخول السوق الروسية لم تجهز بعد. يضاف إلى ذلك أن مواصفات جودة السلع المصرية ليست بالمستوى المطلوب.
وعليه فإن الخبير المصري يطالب "بتطبيق المواصفات المطلوبة على المنتجات المصرية لضمان دخولها إلى السوق الروسية".
فيديو قد يعجبك: