إعلان

آل مناصرة.. قصة عائلة فلسطينية تواجه "غدر" الاحتلال

04:27 م الأحد 06 ديسمبر 2015

آل مناصرة.. قصة عائلة فلسطينية تواجه "غدر" الاحت

كتبت-إشراق أحمد:

 

كان الاثنين الموافق 12 أكتوبر الماضي، يوما عاديا لأبناء العم حسن وأحمد مناصرة، ذهبوا لمدرستهم في بيت حنينا شمال مدينة القدس المحتلة، وعادوا إلي المنزل، لم يبدُ أي تغيير بخططهم اليومية المنقسمة بين الدراسة واللعب، لكن في تمام الثالثة وعشرين دقيقة غادروا "صلوا العصر وطلعوا" كما قال عمهم، وفي دقائق تبدلت الأحوال؛ أصوات وحركة مرتبكة تأتي باتجاه مستوطنة اليهود "بسغات زئيف" البعيدة بنحو ثلاث دقائق عن منزل آل مناصرة، الذي لم تكف أيد الاحتلال عن أبنائه، فواصلت اعتقالهم، لتختطف في ذلك اليوم ثلاثة منهم؛ فقتلت حسن، واحتجزت جثمانه، وكادت أن تفعل مع أحمد، غير أن القدر لم يمهلها، فاعتقلته و"إبراهيم" شقيق "الشهيد".

يبدو هذا مشهد مألوف في حياة الفلسطينيين، إذ يعلم أصحاب الأرض تمام المعرفة أنه لا يخلو بيت من معتقل أو شهيد، لكن دقيقتين لمقطع مصور بأيد المحتلين، للطفل أحمد مناصرة بينما هو طريح الأرض ينزف دما، ويسبه مستوطن متمنيا موته، غيرت مسار المشهد، ليصبح ابن الصف الإعدادي نموذج صارخ يضاف لسجل جرم احتلال اعتقل نحو 800 فلسطيني دون 18 عاما خلال شهر أكتوبر فقط -وفقا لهيئة شؤون الأسرى والمحررين – كان بينهم أبناء آل مناصرة.

 

 

أجواء تصعيد الانتهاكات بحق فلسطين عامة، وأهل القدس خاصة، تملأ الصدى، وليس الصغار عنها ببعيد، لا تغيب عن عيون حسن وأحمد إهانات التفتيش، والاعتداء على المسجد الأقصى، البعيد عن منزلهم نحو 4 كيلو مترات، رأت أعينهم وسمعت أذانهم، اعتداء المستوطنين على جيرانهم، الكتابات المهينة الملطخة جدران منازلهم، إطارات السيارات المتعمد إشعالها لمضايقة أهل بيت حنينا، فضلا عن هدم البيوت.

لم يتعرض الصبيان للاعتداء المباشر من قبل، فبُعد منزلهم شيئا ما عن المستوطنين، وتواجده خلف بوابة حديدية، دفع عنهم التنكيل قليلا "لأن الإسرائيليين بطبعهم الجبن فبيشوفوا الجانب القريب منهم ويعتدوا عليه" حسب قول عم الصغار أحمد مناصرة في حديث لـ"مصراوي".

صورة1

 

 

حفظت نفوس الصغار كل شيء، امتلأت بالغضب، حتى قرروا بتفكير طفولي مدفوع بحب الأرض وتربية رجال فلسطين "نخوف اليهود عشان ما يطلعوا يعتدوا على النساء والأطفال" هكذا أصروا وذهبوا دون مشورة أحد أو حتى تخطيط لما هم مقبلين عليه، غادروا كأنما يذهبون للعب، حتى أن "حسن" أخبر أبناء الدار أنه "ذاهب أجيب ألعاب جديدة للبلايستيشن"، اللعبة التي هواها ويمضى الوقت الخالي من المذاكرة في مزاولتها.

عشر دقائق فقط بعد الجلبة الهائلة بمستوطنة شمال القدس، حتى علم آل مناصرة بأن أبنائهم بخطر لكن دون بينة، وهكذا ظلوا حتى اللحظة يتلمسون أخبار الأبناء عبر الإعلام، "لحد 12 بليل كنا فاكرين إن أحمد هو اللي استشهد" قالها "مناصرة" العم، إذ تداولت صورة للصبي عقب الواقعة وهو مضرجا في دمائه، بينما كُتب أنه لقي مصرعه بأيدي المحتلين، لكن المعلومة الصحيحة وصلت إليهم، بعد اعتقال والدا الصبيان "بالتحقيقات عرفنا إن حسن استشهد وأحمد مصاب بمستشفى لكن ما عرفنا وقتها فين بالظبط".

أحمد بالمستشفى صورة 2

 

نحو 200 جندي -حسب وصف عم الصِبّية- اقتحموا منزل آل مناصرة، عاثوا فيه فسادا، ولم يغادروا بسلام "أخذوا أخو الشهيد حسن بعد ما كبلوه وضربوه حتى انكسر له 3 أضلع"، ما اكتفت سلطات الاحتلال في ذلك اليوم بقتل الصبي ابن الخامسة عشر عاما، ولا منع أهله من دفنه باحتجاز الجثمان "وحتى الآن لا نعرف كيف قُتل حسن"، بل اعتقلت شقيقه الكبير -17 عاما- بتهمة "محاولة الاعتداء على الجنود" لينضم إلى ابن عمه "أحمد"، الذي ما لبث أن فاق من إصابته حتى أودعه الأمن الإسرائيلي مؤسسة أحداث "يركا" شمال القدس كما قال محمد محمود أحد محامين الصبي.

تنتهك إسرائيل كافة القوانين الدولية، وتصنع لنفسها كيان دستوري خاص ضد الفلسطينيين حتى الأطفال، فأصدرت قرار عسكري يعتبر من تجاوز 16 عاما شخص بالغ، وهو ما يعرف بقرار رقم "132"، وفي نوفمبر الماضي أصدر القضاء الإسرائيلي تعديل على القانون، يتيح سجن مَن دون 14 عاما المثبت عليهم جرائم القتل أو محاولة القتل، أو التسبب فيه، وهو ما أراده المحقوقون من "أحمد"، وظهر في الفيديو المسرب أثناء التحقيقات معه، التي تمت دون حضور محامين، لكن في المقابل كان الصغير بقدر كبير من التماسك ولم يمكنهم من انتزع اعتراف "نية القتل" كما قال "محمود".

 

ما بين 5-10 سنوات يُهدد "أحمد" بالسجن كما ذكر المحامي الفلسطيني، وذلك في حالة إثبات المحتل تعمد القتل، والذي لم يرتكب في الواقع، فما سقط إسرائيلي واحد، في حين قُتل "حسن" وتعرض "أحمد" للدهس والضرب بالهراوات، وهو ما يفسر تقلبه في دمائه لنحو نصف الساعة دون إسعافه كما قال عمه.

صورة3

 

الأسبوع بات مقسما لعائلة "مناصرة"، ما بين زيارة "أحمد" و"إبراهيم" المحتجز بسجن الرملة، يقتسمون الألم، برؤية الصغير –الابن الأكبر لخمس أخوه- وهو سارح معظم الوقت "نفسيته تأثرت كتير وطبيعة السجن ما تسمح له بالعلاج" حسب العم، فيما ينذر السبت من كل أسبوع بـ"حفلة" ضرب يلقاها الشاب وزملائه الأقل من 18 عاما بالسجن، في أوضاع يصفها الوالدين المسموح لهما فقط بالزيارة بـ"بالغة السوء".

لا يترك الاحتلال فرصة لممارسه جرمه، الذي في رأي محامي الصبي المقدسي أنه "أوصل أبناء الشعب الفلسطيني لطريق مسدود"، فلا يتورع بقتل صبي أتم الخامسة عشر عاما قبل يومين من استشهاده، واحتجاز جثمانه "كنوع من العقاب" كما قال عمه، فيما يجعل انتظار يناير القادم ميعاد قلق وحزن من إتمام "أحمد" 14 عاما يوم ميلاده 22 من الشهر، حتى لا تستغل إسرائيل الأمر، وتوقع عليه عقوبة السجن عملا بالقانون المزعوم.

 

كذلك يستغل كل وسيلة تضعف من نفس الأسير الصغير، فتبقي سلطات الاحتلال "أحمد" وحيدا بالتحقيقات، وأحيانا المحاكمات، دون حضور المحامين والأهل، وهذا مخالف للقانون الإسرائيلي كما قال عمه، حتى وصل الأمر إلى اعتقال المحامي الرئيس بقضية الصبي، في الثلاثاء الماضي الموافق الأول من ديسمبر، إذ ألقت القبض على طارق برغوث متهمة إياه بـ"التحريض على موقع فيسبوك بوك"، لكتابته منشور ذاكرا فيه اسم مهند الحلبي بلقب "الشهيد" كما قال زميله "محمود" المتابع القضية من بعده، الأمر الذي لم يستغرق الكثير حتى الإفراج عنه بكفالة.

صورة4

 

"أحمد زي أسرى أطفال كتير" قال عم الصبي، معتبرا الاهتمام الذي لاقاه ابن آل مناصرة، هو نتيجة الفخ الذي صنعه الاحتلال فوقع فيه، إذ كان لتصوير الإسرائيليون ونشر واقعة ضرب "أحمد" بأحد المواقع الإسرائيلية –وفقا لعمه، وتركه غارقا بدمائه دون اسعاف، كان له أثر كبير، في تصعيد قضية الأسرى الأطفال بسجون الاحتلال، وهو ما أكده محامي الصبي "يوجد حالات لقاصرين عُذبوا لكن لا أحد عرف لأنها لم تظهر على الشاشات"، وهو الأمر الذي جعل الإفراج عن سليل آل مناصرة "قرار سياسي وليس قرار قضائي" حسب قول "المحامي".

 

23 نوفمبر المنصرف أصدرت هيئة شؤون الأسرى تقريرا يفيد بأن عدد الأسرى من الأطفال بلغ 420 حالة، فيما بلغ عدد حالات الاعتقال بشكل عام منذ بداية شهر أكتوبر 1200 معظمهم من القدس، في الوقت الذي كان معدل اعتقال الأطفال في السنوات السابقة يبلغ أقصاه 700 حالة سنويا.

حملات عديدة ومبادرات خرجت للإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، خاصة عقب نشر فيديو تحقيق سلطات الاحتلال مع "أحمد"، والبادي فيه التعذيب النفسي للصبي للاعتراف بجريمة لا يعرف عنها شيء، فيظل يردد "مش متذكر"، بين بكاء وانهيار بين الحين والأخر جراء الصراخ الحاد، الذي يلقاه مَن لازال يتعافى من الإصابة.

 

كان لذلك المقطع المصور لأسلوب التحقيق أثر في إطلاق حملة "أحمد مناصرة لإطلاق سراح الأسرى الأطفال"، فقد رأى القائمون عليها، أنه الوقت المناسب للضغط للإفراج عن كافة الأطفال الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال، ويمارس ضدهم أقسى أنواع التعذيب، كالحبس الانفرادي، وسوء المعاملةـ، والتغذية، والقسوة في التحقيق بدون وجود محامي، أو أهل الطفل المعتقل، لذا قام عدد من حركة الشبيبة الفتحاوية بالقدس، بالتعاون مع عدد من المحامين بهذه الحملة، كما قالت شيرين صندوقة أحد منسقي الحملة.

تهدف الحملة إلى تسليط الضوء على هذه الشريحة من الأسرى خصيصا، فضلا عن تدويل القضية، لتفعيل الضغط على المجتمع الدولي، وكافة المؤسسات المختصة بحماية الأطفال، وكذلك حكومة الاحتلال لإطلاق سراح الأسرى، ولهذا تتنوع فاعلياتهم بين سلسلة من الوقفات التضامنية بالتزامن مع انعقاد محاكمة "أحمد"، ومواصلة الحملات الإعلامية التعريفية بالقضية بشكل عام، إلى جانب التحرك على المستوى الداخلي "نسعى من خلال وزارة التربية والتعليم الفلسطينية إلى عقد سلسلة من الندوات واللقاءات التوعوية عن أساليب التحقيق في حال تم اعتقال الأطفال" كما قالت "صندوقة"، وكتابة رسائل إلى مؤسستي اليونسف والصليب الأحمر تناشدهم الضغط للإفراج عن الأطفال حسب القوانين والأعراف المتعارف عليها دوليا.

يعلم القائمون على الحملة، أن ما يقومون هو "أضعف الإيمان"، في ظل احتلال يسعى لقمع أي تحرك على الأرض، كان آخره الاعتداء على الوقفة التضامنية مع "مناصرة" خلال جلسة المحاكمة 10 نوفمبر الماضي، غير أن التحرك الشعبي تجاه القضية، وتوسعه لخارج حدود القدس، يزيد القائمون عزيمة "في قطاع غزة تم تنظيم ماراثون يحمل اسم احمد مناصرة، وفي مدينة الخليل تم تنظيم مهرجان بالتعاون ما بين وزارة التربية والتعليم ونادي الأسير الفلسطيني"، فضلا عن العديد من الرسائل المرسلة عبر صفحة الحملة على فيسبوك، من البلدان العربية لتقديم الدعم والمساندة للطفل إما قانونيًا أو شعبيًا.

صورة5

 

مثل تلك الحملات المساندة لقضية "أحمد" تعين آل مناصرة على تجرع الألم، والقلق على الأبناء، الذي لم يغادر العائلة منذ دس الاحتلال قدمه بالأرض الفلسطينية، فالصبية ليسوا أول المعتقلين، سبقهم أخوال وأعمام قضوا سنوات بسجون الاحتلال، وإن كان "حسن" أول شهيد تُكرم به العائلة، "مضيت بالسجن سبع سنوات من 86 حتى 93 بتهمة مقاومة الاحتلال " قال أحمد مناصرة عم الأسرى الصغار، فهو أيضا اعتقل بسن صغير في السابعة عشر عاما.

ورغم الحزن الذي يملأ النفس من التفكير بأن يلقى "أحمد" و"إبراهيم" المصير ذاته، لكن العم ومِن قبله العائلة المناضلة توقن أن ذلك ثمن يدفعه كافلة الفلسطينيين، لهذا لا مجال للتوجس مما يمارسه الاحتلال من مضايقات تعرضت أو تواجهها الأسرة بالمستقبل، يحاول بها كسر شوكتهم، فبثقة وثبات قال العم "ما في شيء يخوفنا".

 

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان