التقارب المصري الروسي - محاولة للتحرر من التأثير الأمريكي
برلين (دويتشه فيله)
تهدف الزيارة التي يقوم بها الرئيس الروسي بوتن لمصر إلى إقامة علاقات وثيقة بين البلدين، في وقت يشكو فيه الروس من عزلة دولية وأزمة اقتصادية خانقة على خلفية تدخلهم في شرق أوكرانيا. فما هي استفادة مصر من التقارب مع روسيا؟
حل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضيفا على مصر في زيارة تستمر يومين. زيارة استبقها تهليل وترحيب من قبل الإعلام والصحافة في مصر وطغى عليها البعد العاطفي الذي يذكر بعلاقة الصداقة بين البلدين في عهد جمال عبد الناصر قبل أن يكسرها خلفه أنور السادات ويعوضها بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة استمرت على مدى عقود طويلة وأصابها فتور بعد الإطاحة بالرئيس الإسلامي محمد مرسي.
يأتي ذلك على خلفية المواجهات الدامية التي أسفرت عن سقوط مئات الضحايا من أنصار جماعة الإخوان المسلمين، حيث كان السيسي حينها قائدا للجيش. وقد وجهت واشنطن آنذاك انتقادات شديدة اللهجة للسيسي وللعسكر، وقررت بعدها تجميد جزء من المساعدات العسكرية للجيش المصري.
ويبدو أن هذا التدهور في العلاقات المصرية الأمريكية هو ما دفع بالسيسي، الذي شغل منصب وزير الدفاع آنذاك للبحث عن شريك استراتيجي جديد لمصر، حيث قادته زيارته الأولى إلى روسيا بعد فترة وجيزة من الإطاحة بالرئيس محمد مرسي عام 2013، ليعود إليها مرة أخرى في أغسطس عام 2014 بعد انتخابه رئيسا لمصر.
السيسي وجمال عبد الناصر
ويبدو أن هذا التقارب الروسي المصري الجديد يعيد إلى أذهان المصريين العديد من ذكريات الماضي وبالتحديد عهد الرئيس جمال عبد الناصر. فهل يسعى السيسي حقا إلى الظهور في صورة ذلك العسكري الذي اعتبره المصريون زعيما عربيا ؟ صحيفة "اليوم السابع" المصرية كتبت في سياق متصل تعليقا نشرته يوم الاثنين (9 فبراير) على موقعها الإلكتروني، وقالت فيه: (...) يتذكر الشعب المصري أنه على مدى أربعة عقود من التقارب مع أمريكا لم يستفد من هذا التقارب بشيء يذكر، بل على العكس، فقد تضرر كثيرا واستفاد أعداؤه. إن الشعب المصري لم ينس أيضا ما قدمته موسكو من مساعدات في بناء السد العالي، وورشات صناعية حديثة، وجيش قوي مسلح بأحدث السلاح، وأشياء كثيرة، بدون مقابل تقريبا".
إنها نبرة جديدة تخيم على العلاقات الروسية المصرية التي شابها التوتر إلى درجة القطيعة في عهد الرئيس الأسبق أنور السادات والذي قرر آنذاك تجميد كل أشكال التعاون مع الاتحاد السوفييتي وطرد خبرائه من مصر وربط علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة. فهل تشكل روسيا الآن بديلا لأمريكا؟ صحيفة "المصري اليوم" لخصت الأهداف المصرية من وراء التقارب مع روسيا وقالت في تعليق نشرته اليوم الاثنين على موقعها (09 من فبراير): "إن هذه القوة العظمى تشكل عاملا رئيسيا لتحقيق التوازن في العلاقات الدولية وكبح تغول بعض الدول وعدوانها على سيادة الدول الأخرى (...) كما أنها قوة رئيسية في مكافحة الإرهاب والتطرف الديني، وتتسم مواقفها بالاستقامة وعدم الازدواج في المواقف". الرسالة هنا موجهة إلى السياسة الأمريكية إزاء جماعة الإخوان المسلمين والانتقادات الأمريكية اللاذعة للسيسي عقب الإطاحة بمرسي من الحكم.
حماية حدود روسيا من خلال محاربة الإرهاب؟
ويبدو أن روسيا التي كانت قد صنفت جماعة الإخوان المسلمين عام 2003 بأنها جماعة إرهابية تغلب سياسة المصالح المشتركة في سياستها الخارجية، فالرئيس فلاديمير بوتين لم يتطرق إلى انتهاكات حقوق الإنسان في مصر ولا إلى أحكام الإعدام على مئات الإسلاميين كما يفعل القادة والساسة الغربيون. وفي تقرير نشرته صحيفة الأهرام اليوم الاثنين اعتبر الرئيس بوتين: "إننا متضامنون مع المصريين الذين عبروا عن رأيهم خلال الاستفتاء على مشروع دستور جديد وإجراء الانتخابات الرئاسية".
التقارب المصري الروسي يهدف ولاشك إلى تكثيف التعاون الاقتصادي والعسكري بين البلدين، في مجال الطاقة النووية، كما يؤكد الديبلوماسي الروسي السابق فيتشسلاف موتوزوف في حديث مع DW. ويضيف موتوزوف: "بيد أن الأهم من ذلك بالنسبة لروسيا هو ربط علاقات مع مصر كدولة ذات وزن وثقل في الشرق الأوسط، على أسس المصالح المشتركة".
ويؤكد موتوزوف بأن روسيا إنما تسعى إلى "دعم الاستقرار في الشرق الأوسط واستقلاله عن النفوذ الأمريكي الذي يريد استخدام هذه المنطقة كمنطلق للهجوم على روسيا من الجنوب".
ويشير موتوزوف إلى أن روسيا لا يمكنها أن "تغض الطرف عما يجري في الشرق الأوسط الواقع على حدودها الجنوبية".
واعتبرت صحيفة ذي جارديان البريطانية في تعليق نشرته على موقعها الالكتروني اليوم الاثنين أنه "باستضافتها للرئيس الروسي تريد القيادة المصرية أن تظهر في صورة عدم التبعية للسياسة الخارجية الأمريكية".
وأوضحت الصحيفة أن "إبرام صفقات أسلحة مع روسيا لا يعود بالنفع على الجيش المصري الذي يعتمد في تسلحه بدرجة كبيرة على الأسلحة الأمريكية، وبالتالي فإن إحداث تغيير في الترسانة المصرية سيكون بحاجة إلى استثمارات جبارة وإلى وقت طويل".
ويبدو أن التقارب الجديد بين مصر وروسيا مبني بالدرجة الأولى على مصالح مشتركة، في وقت تعاني فيه روسيا من أزمة اقتصادية وعزلة دولية. ويعني ذلك من جهة أخرى أن مثل هذا التعاون لا يلبي طموحات مصر التي تعاني بدورها من أزمة اقتصادية خانقة ومن تدهور أمني في عديد من المناطق في البلاد.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك .. اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: