قصة 365 يوم غيرت حياة شاب إسرائيلي على يد "فاطمة" "الحلقة السابعة"
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
كتب-أحمد الليثي ودعاء الفولي وإشراق أحمد:
في الحلقة السابقة: الحب يربط فاطمة وزوجها المناضل والتبني يعوضهما عن الأبناء
أينما يحل الصراع فأبحث عن "فاطمة"، لذا لم يكن مستغربا أن تحل في سنوات الحرب اللبنانية، النزاع على أشده، وفي صباح الرابع من سبتمبر 1982 كان 4 من الشباب الفلسطيني الفدائي، من حركة فتح- بقيادة المناضل عيسى حجو- بالمرصاد لإحدى الدوريات الإسرائيلية، والتي اعتادت على المرور في وقت محدد إلى الشمال من بحمدون عبر واد كثيف الأشجار وشديد الوعورة إلى منطقة حمانا، وهي قرية لبنانية تحت السيطرة السورية وبسبب كثافة الأشجار واعوجاج الطريق اعتادت الدورية السير على الأقدام بسبب عدم قدرة الآليات على الدخول إلى نقطة قريبة معينة ثم التوقف.
فيما كان يستريح 8 من الجنود الإسرائيليين من عناء الحر أعلى تبة، تاركين المجنزرة الخاصة بهم ومفترشين الأرض بجوار العتاد والمؤن، حاصرهم المناضلون فاستسلموا دون مقاومة، خلال سبع دقائق فقط، وبينما يهبطون في حذر تعثر شاب فلسطيني في حجر، فانزلقت قدماه وضغط على زناد سلاحه "كلاشينكوف ألماني" -دون قصد- فأصابت كتف أحد الأسرى، ركضوا نحو "فاطمة" يطلبون العون، وسط هلع المصاب، طمأنته الممرضة في هدوء، همست في أذنه "لا تخف"، سألها في وجل "ليه بتضغطوا ع الزناد" فردت تلقائيا "عشان انتوا بتطلعولنا من كل حتة".
أسابيع والجريح في يد "فاطمة" تسهر على راحته، فيتعجب الرفاق "كيف قادرة تعالجيه؟"، تتبسم ثم تقول "هؤلاء ما لهم ذنب دولي 17 و18 سنة.. مش مقاتلين وأصلهم عربي هذا الشاب الي انصاب أمه يهودية عراقية"، كانت لديها فلسفتها الخاصة تجاه الغارقون في بحر الفسق الذي يزرعه القادة الإسرائيليين في نفوس اليهود، فقررت أن تغير الرؤية؛ خلال مجزرة "صابرا وشاتيلا" –بعد الأسر بـ12 يوم فقط/ 16 سبتمبر 1982- كانت تحضر الراديو وتسمعهم حقيقة المذابح، فراح الجريح يبكي وهو يتمتم "إحنا منعرفش إنكم كدة كانوا يقولولنا إنكم عايزين ترمونا في البحر وتقتلونا.. إحنا مش من اليهود دول، إحنا مش مع شارون.. لكنكم رائعين".
استكان الأسرى والجريح في يد "فاطمة" كمعلمة يسمعون عن فلسطين وحقيقة الأرض المزعومة، تُطلعهم على عادات العرب وأخلاقهم، وتدحض أكاذيب الصهاينة، يحفظون لها جميل لا يُنسى، يقول أحدهم "لو مش أمي على نار الانتظار كنت فضلت معاكم" وهي ترد في حزن "أمهاتنا قعدوا على خناجر".. بعد عام ونحو ثلاثة أشهر كان الأسير الإسرائيلي مع 5 أخرين، أُطلق سراحهم في أكبر عملية تبادل أسرى في تاريخ فلسطين، التي على إثرها التقت بزوجها المناضل "فوزي النمر".
اللقاء الثاني مع الأسير
قرابة 22 عاما مرت على اللقاء الأول، فعلت "فاطمة" ما أملاه عليها ضميرها وأخلاقها اتجاه أسير، ما أرادت جزاءً ولا شكورا، غير أن اتصال ظل يلح عليها للتواجد، فهناك شخص يريد رد العرفان، الشك يساور السيدة الستينية حينها، فالوجهة إلى الأراضي المحتلة، والدعوة من قِبل اليهود، كان ذلك في عام استشهاد الرئيس ياسر عرفات، الذي لم يعارض ذهابها "لكن قال لي ديري بالك"، بالسيارة القادمة لاصطحابها، أخذت الأسيرة المحررة تفرك الخاتم الذي أهداه لها "فوزي"، انتبهت الشرطية والسائق المرافقين لها لحركتها، بينما كان حديثهما بالعبرية "عن أني مش مبين عليّ أي انفعال"، سألتها الشرطية عن ذلك الخاتم، تغيرت ملامح اليهودية للانبهار بعد جواب "فاطمة" أنه هدية من زوجها بتصميم "فرزاتشي"، تعلم ابنة فلسطين تلك النظرة "كانوا يظنوا أننا جايين من ورا الغنم" لذلك لم تستغربها.
في حديقة فسيحة، استولى عليها اليهود كغيرها من بقاع مدينة عكا، كان التجمع الذي حرصت شقيقة زوجها وابنتها على التواجد به مع "فاطمة" لإتقانهم العِبرية، جلسوا في انتظار معرفة الشخص صاحب الدعوة، نودي اسم الخالة، كان الأخير بين قائمة المتواجدين، مع صعودها الدرج سُلط الضوء، انكشف وجه الشاب، إنه الأسير اليهودي ذو الأصول العربية في لبنان.
لحظات تبادلتها العيون، قبل أن تمسك "فاطمة" بيدي الشاب البالغ من العمر قرابة 40 عاما خشية أن يحتضنها، تبعتها كلمات من القلب "أنا كنت بعتبرك زي ابني وبعد السنين دي كلها بحب احضنك بس مقدرش لأن الناس مش راح تفهم أنها مشاعر انسانية"، ولم يختلف حال الأسير "وأنا مقدرش احضنك عشان أنا يهودي متدين".
كلمات لم تفِ صاحبة المبدأ حقها، أخذ يسردها الشاب على الحضور، عن عنايتها به وإكرامها له، وتلك الرسالة التي ظن أنها من أهله، فيما كتبتها هي لطمأنته.
ما كانت "فاطمة" لتخالف مبدأها؛ فالأرض ملك شعبها، هي هبة الله لخلقه، والإنسانية جزء أصيل من المقاومة، الواقفة بالمرصاد للمحتل لا الراغب في الحياة، لذا كان إمساكها ليد الشاب اليهودي ورفعها لأعلى رسالة وجدت الفرصة لتلقيها "إذا كنا خارج فلسطين المحتلة وقدرنا نعيش مع بعض وعرفنا نحافظ على ابنكم.. فاحنا نقدر نعيش شعبين على هاي الأرض"، فهز التصفيق أرجاء المكان من اليهود قبل الفلسطينيين.
الحلقات السابقة:
فاطمة تزلزل إسرائيل بحقيبة يد وأغنية لأم كلثوم.. "الحلقة الأولى"
كيف هزمت ابنة البرناوي إسرائيل بحذاء الكعب العالي؟ "الحلقة الثانية"
"التنكيد" على إسرائيل "فن" تعرفه فاطمة البرناوي.. "الحلقة الثالثة"
منزل فاطمة.. كوكب مصغر للإنسانية "الحلقة الرابعة"
دستور فاطمة الأخلاقي.. تخدم الأقصى وتداوي جروح اليهود "الحلقة الخامسة"
الحب على الطريقة الفلسطينية.. يبدأ بالطبخ في زنزانة ولا ينتهي بالمقاومة "الحلقة السادسة"
فيديو قد يعجبك: