أخصائي تأهيل المعاقين.. "المهنة المستباحة"
تحقيق- علياء أبوشهبة:
شاب عشريني يدخل بثقة إلى جمعية لرعاية الأشخاص ذوي الإعاقة معلنا عن رغبته التقدم لوظيفة أخصائي تأهيل؛ بفحص سيرته الذاتية من مدير الجمعية تبين أنه حاصل على دبلوم الصنايع فقط، ويمتلك شهادات خبرة من جمعيات مشهورة رغم مؤهله الدراسي غير المناسب للوظيفة، ومعلوماته الضعيفة.
بعد مناقشة طويلة عن أهمية الدراسة المتخصصة وعدم كفاية الخبرة العملية، إلى جانب الدورات التدريبية في الجمعيات غير المسجلة رسميا لدى وزارة الشؤون الاجتماعية، انصرف الشاب متعجبا من عدم قبوله في الوظيفة.
هذا الموقف ليس متخيلا ولكنه وقع في إحدى جمعيات رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة في الجيزة، ليكشف عن مشكلة امتهان غير المتخصصين لتأهيل المعاقين.
التأهيل هو دراسة و تقييم قدرات وإمكانيات الشخص المعاق، والعمل على تنمية هذه القدرات، بهدف تمكينه من التواصل مع المجتمع المحيط من حوله، يشمل تأهيل الوالدين أيضا للتعرف على كيفية التعامل مع إعاقة ابنهم، ويختلف التأهيل حسب نوع الإعاقة، لذلك يوجد خبير متخصص لكل إعاقة؛ لأن أخصائي تأهيل الصم على سبيل المثال لا يمكنه تأهيل مصاب التوحد.
يتم تصنيف الإعاقة على النحو التالي : الإعاقة العقلية - الإعاقة السمعية - الإعاقة البصرية - الإعاقة الحركية ( الجسدية )ــ صعوبات التعلم ـ اضطرابات اللغة الكلام – الاضطرابات الانفعالية ( التوحد ، النشاط الزائد المصاحب بضعف الانتباه).
لا يوجد إحصاء رسمي لأعداد أخصائيين تأهيل ذوي الإعاقة في مصر، لأنه يختلف حسب نوع الإعاقة ويشمل :أخصائي نفسي، واجتماعي، وتخاطب، وتنمية مهارات وقدرات، وعلاج طبيعي وتأهيل.
لكي يكون الاخصائي مؤهل ومعترف به من وزارة الشؤون الاجتماعية يشترط حصوله على دبلوم التأهيل وتمنحه كليات التربية والطب جامعة عين شمس، وكلية البنات في نفس الجامعة، وأيضا معهد السمع والكلام، ويوجد جمعيات في محافظات الجيزة وفي المنصورة والإسكندرية تقدم دورات إعداد أخصائي التأهيل بالشراكة مع الجامعات وتتراوح أسعارها بين 2300 إلى 2800 جنيها.
بخلاف دبلومة التأهيل، هناك الدورات التدريبية التي تقدمها الجمعيات إما بالتعاون مع مركز الإرشاد النفسي بكلية التربية جامعة عين شمس، أو من خلال أخصائيين التخاطب. تبدأ أسعارها من 100 جنيها وتصل حتى 400 جنيها، وقد تزيد حسب أيام التدريب، يحصل المتدرب في النهاية على شهادة معتمدة من الجامعة أو عليها اسم الجمعية القائمة على تقديم التدريب، وقد لا تشمل الحصول على شهادة؛ هذه الدورات الغرض منها رفع مستوى العاملين في المجال إلا أن البعض يعتبرها السبيل الوحيد للدخول إلى المجال.
تتمثل خطورة عمل أخصائي تأهيل غير متخصص في عدم قدرته على تحقيق تقدم حقيقي في حالة الطفل المعاق، وهو ما يوضحه الدكتور أيمن طنطاوي، المدير التنفيذي لجمعية كيان ، الذي قال لـ"مصراوي" إن الطفل هو الذي يدفع الثمن في النهاية بسبب غير المتخصصين.
مضيفا أن انعدام الرقابة هو السبب الرئيسي للمشكلة، وقال: من خلال خبرتي العملية أي شخص يمكن أن يستيقظ من نومه مقررا أن يطلق على نفسه لقب أخصائي تأهيل، بدون محاسبة، وللأسف أن جهات كثيرة تعتمد شهادات دورات تدريبية مختومة من الجامعات تصبح هي دليل الكفاءة الزائف لدى الأخصائيين غير المحترفين.
وهم التأهيل
على مدار عام كامل استعانت صباح، السيدة الخمسينية، التي لم تحظ بأي قدر من التعليم بأخصائي تأهيل كان يقدم جلسات خاصة لابنها في منزلها في مركز كفر صقر في محافظة الشرقية، روت لـ"مصراوي"، أنها أنجبت ابنها حسن في سن كبير وتعثرت ولادتها، وعندما علمت بإصابة ابنها بالشلل الدماغي رفضت خروجه من المنزل، إلا للضرورة، بسبب معايرة جاراتها لها، وفي الوحدة الصحية تعرفت على شاب سمعت أنه يقدم للأطفال ما يمكن تقديمه في الجمعيات.
اعتادت الحاجة صباح دفع 50 جنيها شهريا مقابل التأهيل، الذي لم يؤهل ابنها،" لسه مش عارف يقعد ولا حتى لمؤاخذه يمسك نفسه في الحمام وكده"، تقول صباح، وهو ما دفعها لوقف الدروس وإغلاق باب منزلها على ابنها الذي يبقى قابعا في غرفة شبه مظلمة لتطعمه وترعاه في صمت فاقدة الأمل في تحسن حالته.
داخل المعهد القومي للجهاز الحركي في إمبابة.. "مصراوي" التقى نادية، السيدة العشرينية، التي حملت على أكتافها ابنها المصاب بضمور الأطراف، وجاءت به من الفيوم للخضوع لجلسة تأهيل، وهو ما لا تقدر عليه بصفة مستمرة، رغم تقدم حالة الطفل، مقارنة بالجمعية القريبة من قريتها في محافظة الفيوم، واكتشفت من خلال حديثها مع الطبيبة المعالجة لابنها أنه لم يتلق أي تأهيل، كما أن حالته تدهورت. وأصيب بشرخ في الفخذ نتيجة التعامل العنيف غير المدروس لمن وثقت فيه أنه أخصائي تأهيل حركي.
يصلك حتى باب منزلك
"أخصائي تأهيل لصعوبات التعلم يصلك حتى باب منزلك.. نعمل في سرية تامة"، هذا هو نص الإعلان المنشور في إحدى الصحف الإعلانية الأسبوعية، والذي كان بمثابة الضالة المفقودة لدى ناريمان صبحي، التي تخجل من المعرفة بإعاقة ابنتها، وهي الفكرة التي تغيرت تماما فيما بعد، حين تعاملها مع أخصائي التأهيل الذي وصفته بالنصاب، لأنه استخدم على مدار 6 أشهر 3 تمارين للتأهيل، وهو ما تعتقد أنه إجمالي ما يعرفه من معلومات.
سيد عبدالمقصود، أخصائي تخاطب، قال إن شكوى الأهالي من عدم استجابة أبنائهم لجلسات التأهيل مكررة. وتطرح التساؤل حول دور الأهالي في مراقبة أخصائي التخاطب في كل جلسة، لأن دورهم لا يمكن اختصاره على توصيل أبنائهم.
أضاف أن بعض الجمعيات التي يشرف عليها معدومي الضمير إذا تأخر أخصائي التخاطب يطلبون من السكرتارية الجلوس مع الطفل حتى انتهاء الموعد المقرر للجلسة، ليأتي ذويه لاصطحابه ليرحل كما جاء، مستغلين إعاقة الطفل وعدم قدرته على الحكي.
بعد 10 جلسات تخاطب علمت ولاء إبراهيم، والدة الطفل يوسف، أن أخصائية التخاطب التي تعالج ابنها حاصلة على مؤهل متوسط، وهو ما عرفته من خلال ملاحظتها أنها لا تمتلك إلا قدر بسيط من المعلومات سرعان ما نفذ، وأوقفت التعامل معها.
أمنية بدوي، طبيبة صيدلانية قالت لـ"مصراوي"، إن نسبة كبيرة من أخصائي التخاطب الذين تواصلت معهم هم من غير الدراسين، وهو أمر لا يقتصر على العاملين في المراكز فقط ولكن يشمل أصحابها أيضا، ممن يكتفوا بالحصول على دورة التخاطب التي لا تتعدى تكلفتها 300 جنيها، ليصبح حاملا لقب أخصائي تخاطب، ويتم محاسبته بالدقيقة، في القرى على سبيل المثال يتم حساب الساعة مقابل 25 جنيها وتصل في المدن حتى 100 جنيها.
الطريف أن خبرة أمنية التي اكتسبتها من خلال تجربتها مع طفلها دفع صاحب مركز تخاطب لعرض العمل عليها وعندما ردت بأنها غير دارسة، وهو رد عليها صاحب المركز بأن الدراسة ليست شرطا، المهم الخبرة العملية من خلال الممارسة.
كارنيه تعريفي للمتخصص
رقية محمد، حاصلة على درجة الماجستير في أمراض التخاطب، قالت إنها تشعر بالأسف لدخول الهواة هذا المجال، بسبب عدم وجود ترخيص لمزاولة المهنة، وهو ما يجعل درجتها العلمية تتساوى مع غير المتخصص؛ وهو أمر ظالم لكل من المتخصصين ولأسر الأطفال من ذوي الإعاقة، لأنهم يتعلقون بأمل.
كارنيه تعريفي معتمد من الدولة يميز أخصائي التخاطب المؤهل علميا ويفصله عن ما دون ذلك، هذا هو المقترح الذي طرحته هدى طه، أخصائية تخاطب في محافظة مرسى مطروح، مشيرة إلى انتشار المراكز غير المتخصصة التي توظف غير المؤهلين علميا بعيد عن رقابة الدولة.
بمراجعة محمد مختار، مدير إدارة خدمة المواطنين في المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة، قال لـ"مصراوي" إن المجلس تلقى شكاوى في هذا الشأن وتم تحويلها إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، منها شكوى جماعية في الفيوم من الأخصائيين العاملين في مديرية الصحة، والمختصين بتقييم مستوى ذكاء الأطفال عند تقديم طلبات الالتحاق بالمدرسة، وكان الملفت أن غالبية الأطفال حصل على معدل ذكاء متقارب من بعضه مخالفا لنتائج اختبارات سابقة.
غياب الاستراتيجية
دكتورة سيدة أبو السعود، مدير عام إدارة التأهيل، في وزارة الشؤون الاجتماعية والمشرفة على جمعيات ذوي الإعاقة قالت في تصريحاتها لـ"مصراوي" إن نطاق إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية يكون من خلال لجان متابعة تمر مرتين سنويا، وهو ما تعتبره غير كافيا، ولكن طبيعة الإشراف تتطلب السفر إلى المحافظات، ولأن بدل السفر قيمته 6 جنيهات يضطر الموظف إلى المبيت في دور الرعاية التابعة للوزارة وهو ما لا تتحمله السيدات لذلك يلقى بالعبء على الموظفين من الرجال، مضيفة أن أعدادهم قليلة لأن غالبية العاملين في الوزارة من السيدات.
وأضافت:" يستثنى من نظام التفتيش المتبع في الحالة وقوع مشكلة كبيرة، حيث يتوجه على الفور موظف من الوزارة لمعاينة الواقع".
وقالت إن مشكلة ذوي الإعاقة الأساسية تتمثل في عدم وجود استراتيجية للعمل على قضاياهم، وحتى أعدادهم مازالت حتى الآن غير معروفة، لافتة إلى أن ثقافة إخفاء الابن المعاق عن مندوب التعداد الحكومي قد تختفي إذا كان التعريف به يقابله الحصول على خدمات.
أضافت رئيس إدارة التأهيل أن الجمعيات التي تقدم تعلن عن تقديم تدريب على التأهيل قائلة إنها غير موثوق في نشاطها وأغلبهم يهدف للتربح؛ وإن كان من الصعب اكتشافهم إلا في حالة حدوث مشكلة كبيرة في هذه الحالة يتم التحقيق فيها، موضحة أن كل محافظة تضم إدارة للتأهيل منوط بها سلطة الإشراف على الجمعيات وهو ما لا يحدث على الوجه الأمثل.
تنصح دكتورة سيدة أبو السعود بالسؤال عن الجمعيات والتأكد من كفاءتها، وسمعتها الطيبة قبل التعامل معها، ولفتت إلى أن شكاوى الأسر من الجمعيات يمكن تلقيها عبر الخط الساخن للمجلس القومي للطفولة والأمومة "08008886666" ومن خلاله يتم التواصل مع الجهات المعنية.
فيما يتعلق بأخصائي التأهيل العاملين من خلال إعلانات الصحف قالت مدير إدارة التأهيل: إنهم لا يمكن محاسبتهم لأنهم يعملون خارج إطار الجمعيات ومراكز التأهيل، مضيفة أن تأهيل الطفل في المنزل تفكير خاطئ لأن خروجه إلى المجتمع المحيط يساعده على الاندماج فيه.
وأوضحت أن مقترح وجود كارنيه تعريفي لأخصائي التأهيل المتخصص، أمر غير مطروح، لافتة إلى تجربة التعاون مع كلية الطب في جامعة عين شمس لتدريب أخصائي التخاطب، وبعد حصول المتدربين على تدريب مكثف لمدة سنة مقابل دفع مبلغ كبير سافرت الكفاءات للخارج، وأصبح الآن التدريب قاصرا على خريجي كليات الطب.
فيديو قد يعجبك: