إعلان

تزايد العمال الأجانب المخالفين في مصر يرفع معدلات البطالة..( تحقيق)

11:24 ص الأحد 03 مايو 2015

تزايد العمال الأجانب المخالفين في مصر

تحقيق - محمد أبو ليلة: 

 

داخل أحد مصانع الرخام بجنوب القاهرة كان "لينشيكو" ذلك الرجل الصيني الذي تجاوز عمره الـ 45 عاما، يقف على ماكينة لتكسير الرخام، وإعادة تدويره، في مصنع معظم العاملين به من الصينيين، ولم يكن "لينشيكو" هو الصيني الوحيد الذي يعمل في مصانع مصرية، فهناك ألاف العمال جاءوا من الصين ودول أخرى بعد ثورة الـ25 من يناير للعمل في مصر، في حين أن المصانع المصرية كانت "تسّرح" عمالها المصريين.

 

ووفقا لبيان رسمي صادر عن جهاز التعبئة والإحصاء فإن عدد العمال الأجانب الذي يعلمون في مصانع وشركات مصرية لا تتعدى أعدادهم 15 ألف عامل مع نهاية عام 2013، وبينما كان حجم البطالة في مصر يرتفع، بدأت ظاهرة العمالة الأجنبية في التزايد بعد تصاعد الاحتجاجات والإضرابات العمالية ووجد أصحاب المصانع أنفسهم في احتياج  شديد لعمالة أجنبية، غالبا ما تأتي من دول جنوب شرق أسيا وخاصة الصين وبنجلاديش.

 

"أي مستثمر في مصر يفضل العمالة الأجنبية وتحديدا القادمة من الصين ودول شرق آسيا، لأنها تكون مُدربة وجاهزة في أي وقت، وقليلة التكلفة وليس لها أي تأمينات أو مشاكل إدارية فمعظمها يكون بدون تراخيص ومخالفة لقانون العمل من الأساس".. هكذا يوضح الخبير الاقتصادي صلاح جودة في لقاءه بمصراوي.

 

ستة ألاف صيني

 

هناك دراسة أعدها مركز الدارسات الاقتصادية تبين أعداد الصينيين العاملين في صناعة الرخام وتحديدا بمنطقة "شق الثعبان" جنوب القاهرة، وتؤكد تلك الدراسة التي حصل مصراوي على نسخة منها أن عدد العمالة الصينية في تلك المنطقة في الثلاث سنوات الأخيرة لتصل إلى ستة ألاف عامل صيني، بالإضافة لـ عدد من رجال الأعمال الصينيين قاموا باستئجار 200 مصنع متخصصين في صناعة الرخام.

 

"شق الثعبان".. منطقة تشتهر بصناعة الرخام والجرانيت، وصل عدد المصانع بها لـ ألف و300 مصنع وورشة لصناعة الرخام، تقع على مساحة تقترب من ألف فدان، جنوب القاهرة، وحسبما يؤكد اللواء أكرم هلول أمين مستثمري منطقة شق الثعبان، فإن عدد العاملين في الصناعة ذاتها يتجاوز 400 ألف عامل.

 

وأكد هلول، لمصراوي أن هناك 200 مصنع للرخام تم تأجيرها لمستثمرين صينيين بعد ثورة يناير، بسبب مرور أصحاب تلك المصانع بضائقة مالية ورفض الحكومة المستمر إعطاء قروض لرجال الأعمال المصريين من أجل شراء ماكينات جديدة تزيد من معدل الإنتاج، مما أجبرهم على تأجير مصانعهم للصينيين.

 

تزايد العمال الأجانب المخالفين في مصر

 

لكن حسب حديث "هلول" فإن الصينيين سيطروا على المنطقة بالكامل وتزايد عددهم حتى وصل في أخر خمس سنوات لـ 70% من قوة العمالة الموجودة في شق الثعبان، مقابل 30 % فقط من المصريين بدون رقابة من الدولة ومعظمهم لم يتم استخراج لهم أية تصاريح رسمية، مما يجعلهم مخالفين للقانون.

 

العمال الصينيون جاءوا في البداية لمصر كطلاب في جامعة الأزهر، وتزايد عددهم، وذهب معظمهم للعمل داخل مصانع الرخام، وهناك عمالة مصرية لا تجد عمل حتى الأن، ويضيف أمين جمعية مستثمري شق الثعبان أن الصينين أصحاب المصانع ينتجون منتجات رديئة وغير مطابقة للمواصفات بتكلفة أقل ويبيعونها في السوق المصري، وأنهم في جميعة المستثمرين حذروا غرفة مواد البناء والمحاجر ومحافظة القاهرة من سيطرة الصينين على المصانع وإنتاج رخام رديء تسبب في تراجع تصنيف الرخام المصري عالميا إلى المركز الرابع.

 

مصراوي قام بجولة في أكبر منطقة صناعية في مصر "شق الثعبان"، أحد المصانع التي يمتلكها صينيون كان بها جزء من العمالة المصرية والصينية، تجولنا في هذا المصنع ووجدنا أكثر من 20 عامل صيني، من بينهم شاب صيني مسلم تجاوز عمره الـ 25، يدعى "علي "يفهم بعض الكلمات باللغة العربية قال لمصراوي أنه جاء من الصين للعمل في هذا المصنع منذ عام ونص.

 

ويعمل كل يوم لمدة 12 ساعة يقف فيها على أحدى ماكينات تكسير الرخام، فقد تدرب عليها ولا يستطيع أحد غيره أن يقوم بهذا العمل، مؤكدا أن هناك صينيين كثيرون يعملون في مصانع مجاورة لصناعة الرخام، مؤكدا أنه يعمل باليومية وليس لديه تأمين، أو أية أوراق تثبت أنه يعمل بالمصنع وأنه تقدم للوظيفة عن طريق أحد أصدقاءه العاملين بالمصنع.

 

شق الثعبان

 

لاحظنا قيام صاحب المصنع ببناء سكن خاص للعمال الصينيين والمصريين في المصنع نفسه، بجوار ماكينات التصنيع، أحد العمال المصريين شاب في الثلاثين من عمره يدعى"محمد حسني" يؤكد أن كل العاملين بالمصنع يأخذون بنظام اليومية، "احنا هنا شغاليين باليومية ونعمل مع رجل صيني، قام بتأجير هذا المصنع و5 مصانع أخرى من أصحابها المصريين، الصينيون استأجروا المصنع لمدة 10 سنوات، وكل شهر بيدفعوا الصاحب المصنع المصري 100 ألف جنيه إيجار، وكان من ضمن شروط عقد الإيجار بعد أن تنتهي العشر سنوات يترك الصينيون معداتهم للمصريين".. هكذا قال.

 

كانت معظم الماكينات المتواجدة بالمصنع صينية وبرامجها باللغة الصينية ولا يستطيع أن يتعامل معها غير الصينيون أنفسهم، ويؤكد أحد العمال بالمصنع أن وجود المستثمر الصيني في منطقة شق الثعبان لم يتسبب في زيادة البطالة، "لو كان صاحب المصنع المصري يقدر يشغله وينتج رخام، مكنش أجره للصينيين".. موضحاً أن العمل مع المستثمر الصيني أفضل بكثير مع رجل الأعمال المصري، قائلا: صاحب المصنع لو مصري لازم يفاصلني في المرتب دايما وكل شهر لازم يخصم لي فلوس حتى لو أنا مش مقصر، أما الصيني أهم حاجة عنده الإنتاج، العمال الصينيين ملتزمين بالثانية، يفضل شغال 12 ساعة من غير ما يبص حواليه على عكس المصريين.

 

أحمد عبد الله هو الأخر عامل مصري في مصنع صيني يشرف على استلام أحجار الرخام والجرانيت وفرزها على الماكينات الصينية، حيث يعمل في تلك الصناعة منذ 6 سنوات، كان يعمل في مصنع رجل أعمال مصري وفجأة قام بتسّريحه هو وزملاءه بحجة أن المصنع يخسر، وبعدها وجد فرصة للعمل في مصانع الصينيين، قائلا: انا هنا بقالي سنتين، لما كنت شغال مع المصري كل فترة المرتب يتأخر لحد ما سرّحنا كلنا، إنما الصينيون شغلهم ناجح وعارفين إزاي يديروا المصانع.

 

مخالفة للقانون

 

قانون العمل المصري يسمح للمؤسسات الصناعية باستقدام عمالة أجنبية، بما لا يزيد عن 10 % فقط من إجمالي عدد العاملين، وبشروط أهمها عدم توفر البديل المحلي للعامل الوافد، كما أن المادة 174 من قانون الشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم رقم 159 لسنة 1981، تنص على أن لا يقل عدد المصريين المشتغلين بالشركات ذات المسئولية المحدودة أو الشركات المساهمة عن 90% من مجموع العاملين بها، وألا يقل ما يتقاضونه من أجور عن 80% من مجموع أجور العاملين التى تؤديها الشركة.

 

وفى حالة زيادة رأس مال الشركة ذات المسئولية المحدودة عن خمسين ألف جنيه طبقا للمادة ذاتها، يجب ألا يقل عدد العاملين الفنيين والإداريين من المصريين عن 75% من مجموع العاملين بها، وألا يقل ما يتقاضونه من أجور ومرتبات عن 70% من مجموع الأجور والمرتبات التى تؤديها الشركة للفئات المذكورة من العاملين، وذلك طبقا للمادة 175 من القانون نفسه. إلا أن هناك الألاف من العمال الأجانب في مصانع مصرية بالمخالفة للقانون وبدون تراخيص عمل.

 

الخبير الاقتصادي صلاح جودة يؤكد أن معظم الشركات استخدمت هذه العمالة بطريق غير شرعي وغير قانوني عن طريق شركات متخصصة أو عن طريق السياحة والدراسة والعلاج، ورغم أنها عمالة مدربة ولديها خبرة كبيرة فإن أجورها تعد هي الأقل دوما وأقل من أسعار العمالة المصرية.

 

وأوضح جودة، أن العمالة الصينية توفر لصاحب المصنع عدد كبير من العمال، خصوصا مصانع الرخام، والتي تعتبر معظم ألاتها حديثة وصينية الصنع، فمثلا مصنع يمتلك 6 ماكينات للتشغيل، يتطلب عاملين على كل ماكينة بمعنى وجود 12 عامل مصري لتشغيلها، لكنها في الأصل يمكن تشغيلها بـ 4 عمال صينيين فقط.

 

تزايد العمال الأجانب المخالفين في مصر

 

أجانب صناعة النسيج

 

وتابع"جودة" أن الصناعات النسيجية هي الأخرى امتلأت بالعمالة الأجنبية خصوصا منذ 3 سنوات، بسبب عدم كفاءة العامل المصري في الإنتاج وسهولة إقبال أصحاب المصانع على العمالة الأجنبية، مضيفا أن منطقة شبرا الخيمة وحدها التي تعتبر معقل الصناعات النسيجية فى مصر تجاوز عدد العمال الأجانب فيها 10 ألاف، كما أن منطقة المحلة الكبرى هي الأخري ظهرت بها عمالة أجنبية من الهند وباكستان تحديدا في صناعات الغزل والنسيج، وصل عددها لـ 8 ألاف و800 عامل أجنبي، ما يعني أن العمالة الأجنبية في قطاع النسيج فقط تقترب من 20 ألف عامل أجنبي وهذا ساهم بزيادة معدلات البطالة في مصر.

 

هذه الأرقام أكدها رئيس غرفة الصناعات النسيجية بالغرفة التجارية المهندس محمد المرشدي في حديثه لمصراوي، حيث أوضح أن حجم العمالة في الصناعات النسيجية يصل لـ مليون و500 ألف عامل، وعدد الأجانب في هذه الصناعة لا يتجاوز 20 ألف عامل في قطاع الصناعات النسيجية بالكامل.. حسب أكد.

 

وحينما سألناه عن حقيقية وجود عمالة أجنبية بدون تراخيص في الصناعات النسيجية، نفى علمه بذلك، قائلا: "الحقيقة لا أعرف هل الـ 20 ألف عامل الاجنبي هؤلاء يعملون بتراخيص مزاولة المهنة ومصرح لهم من قبل الدولة أم لا"، مؤكدا أن هذه الأرقام بعدد الأجانب يعتبر محدودا جدا مقارنة بباقي العمال المصريين.

 

في الوقت نفسه يؤكد ياسر الشربيني المتحدث السابق باسم وزارة القوى العاملة، أن مصانع الغزل والملابس الجاهزة في مصر تعاني من بطالة اختيارية لأن فرص العمل يتم طرحها في السوق والشباب يحجم عنها لأسباب عدة منها قلة المرتبات والنظرة التقليدية عن معاناة عامل الغزل والنسيج التي لاتزال سائدة، مشيراً إلى أن أجر العامل المبتدئ في هذا القطاع لا يزيد عن 150 دولارا شهريا، ما يعني أن العامل الاجنبي يتحصل على ما يقرب من ألف جنيه شهريا و12 ألف سنويا،  وهذا يوضح أن الـ 20 ألف عامل الأجنبي في الصناعات النسيجية يكلفون الدولة ما يقرب 240 مليون جنيه سنويا، في الصناعات  النسيجية فقط.

 

بينما في قطاع الصناعات الهندسية وصل عدد العمال الأجانب في القطاع لـ 35 ألف عامل، حسب تصريحات نبيل فريد، عضو مجلس إدارة غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات الذي أكد أن أعداد العمالة الأجنبية غير الرسمية يفوق هذا الرقم بكثير، موضحاً أن هناك عجز حالي في قطاع  الصناعات الهندسية يتجاوز 45 ألف عامل.

 

45 ألف أجنبي بدون ترخيص

 

وبينما يؤكد بيان التعبئة والإحصاء الذي حصل مصراوي على نسخة منه، أن عدد العمال الأجانب في مصر لا يتجاوز 15 ألف عامل أجنبي، ولو حسبنا على أقل تقدير حجم العمالة الأجنبية في الصناعات النسيجية (20 ألف عامل)، وحجم العمالة  الأجنبية في صناعة الرخام والجرانيت (6 ألاف عامل)، و35  ألف عامل  في الصناعات الهندسية، بما يعني أن هناك 60 ألف عامل أجنبي على أقل تقدير يعملون في مصر، بينما تعترف الدولة بـ 15 ألف منهم فقط،  بما يعني أن هناك 45 ألف عامل أجنبي لا تعترف بهم الدولة وليس لديهم تراخيص مزاولة المهنة ومخالفين للقانون.

 

وحسب بيان التعبئة والإحصاء فإن العمال الأجانب الوافدين من الدول الأسيوية يمثلون العدد الأكبر للعاملين بالقطاع الخاص، ووصل عددهم لـ 5 ألاف بنسبة 34.9 ٪، يليهم الدول الأوروبية بعدد 4 ألاف 145 أجنبيا بنسبة28.2٪، ثم الدول العربية بعدد 4 ألاف 61 أجنبيا بنسبة 27.6٪ ، بينما تمثل الدول الأفريقية الغير عربية أقل الأعداد حيث بلغ عددهم بها 170 أجنبيا بنسبة 1.2٪ من الإجمالي لعام 2013.

 

وأضاف البيان أن رجال التشريع وكبار المسؤولين والمديرين يمثلون المرتبة الأولى من حيث عدد الأجـــانب العاملين في هـــذه المهــن، إذ بلغ عـــددهم 4 آلاف و53 أجنبيًا بنسبة 27.6٪، يليهم الفنيون ومساعدو الأخصائيين بعدد 3 آلاف و335 أجنبي بنسبة 22.7٪، والحرفيون ومن إليهم بعدد ألفين 250 أجنبيًا بنسبة15.3٪، ثم الأخصائيين وأصحاب المهن العلمية بعدد 1836 أجنبي بنسبة 12.5٪ من الإجمالي لعام 2013

 

ويرى الدكتور صلاح جودة الخبير الاقتصادي أن الحل الوحيد للتقليل من العمالة الأجنبية في مصر هو التدريب الجيد للعمال المصري، من خلال تحسين التعليم الفني والصناعي والمهني، وأن يتم التخصص في هذه المعاهد والمدارس الصناعية، فمثلا يكون هناك مدارس للعاملين في مجال الغزل والنسيج، وأخرى للسيارات والطباعة، وأن يتم نشر ثقافة عامة بين المواطنين بأن التعليم الفني والصناعي هو المستقبل لهذه البلد وأنه لا يعيب المواطن أن يكون تعليمه فنيا أو مهنيا، لأن التعليم العالي في دولة كأمريكا مثلا لا  يتجاوز 20% من اجمالي عدد المتعلمين والدارسين في المدارس والمعاهد والجامعات، لكن نسبة التعليم العالي في مصر   90%، ولذلك يتزايد معدل البطالة دائما.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان