الصحافة في مصر.. رقابة مفروضة.. ونقابة معدومة - (تقرير)
تقرير - محمود سليم :
"منع موضوعات، وفرم أعداد، وغلق صحف".. معطيات يراها القائمون على الصحافة في مصر محاولات لإعادة تشكيل المنظومة الإعلامية من جديد، تصب جميعها في اتجاه عودة الرقيب مرة أخرى لمراقبة ما يخص "الجهات السيادية"، فيما تقبع النقابة التي تحمي الصحفي والصحيفة تستنكر وتشجُب وتُدين، متخذة سياسة الاجتماعات من أجل حل الأزمة، لكن لا صوت يعلو فوق صوت "الرقيب".
جريدة الوطن والمصري اليوم وغيرهما تعرضوا للمنع، حيث تم وقف طبع الأولى بسبب تقرير عن الذمة المالية للسيسي، ثم تم مصادرة العدد مرة أخرى عندما نشروا على صفحاته تحقيقًا بعنوان امتناع 13 جهة سيادية عن دفع الضرائب، بينما تم منع المصري اليوم بسبب الحلقة الثامنة من ملف "ثعلب" المخابرات المصرية الذي يكتبه الكاتب الصحفي محمد سيد صالح، ولم يتم طباعتها تطبع الجريدة إلا بعد حذف الموضوع.
ذراع اقتصادية ربما يستخدمها البعض في عملية التشكيل هذه، بحسب تصريحات خالد البلشي، رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين، عن أزمة غلق جريدة التحرير، والتي تتواصل النقابة حاليًا مع مالك الجريدة المهندس أكمل قرطام للتفاوض حول استمرار الجريدة.
لم تفعل نقابة الصحفيين شيئًا يُذكر في أزمة صحفيي جريدة الدستور، تعددت الطرق والنتيجة واحدة.. رقيب يقف خلف المطابع يمنع هذا ويفرم ذاك، وصاحب رأس مال يستغله ويوجهه كيفما يشاء، ويسحبه وقتما أراد أيضًا، تلك الأزمات عانت منها صحف صوت الأمة والصباح والمصريون، لم يتم الإعلان عن هوية الرقيب، واعتبرته نقابة الصحفيين مخالفًا للدستور الذي يمنع فرض أي رقابة على الصحف، أو مصادرتها، أو تعطيلها، أو وقف طباعتها بأي طريقة.
وتعرضت صحيفة صوت الأمة للمنع والحذف بعد نشر تحقيق عن فساد أحد رجال الأعمال وتم حذفه، وكما تم مصادرتها مؤخرًا؛ عندما نشرت الصحيفة موضوعًا عن مرض والدة الرئيس عبد الفتاح السيسي بعنوان "أحزان الرئيس"، بينما جاءت صحف الصباح والمصريون أخر من تعرض للمنع والمصادرة بسبب موضوعات تخص الرئيس أيضًا.
يقول البلشي، في تصريحاته لمصراوي، أن استسلام الصحفيين الذين تمنع مواضيعهم، وعدم لجوئهم للنقابة، تصرف تدفع الصحافة ثمنه، مشيرًا إلى أن النقابة أصدرت بيان لإدانة وقف طباعة الصحف، والتدخل في محتواها بالحذف أو التغيير من خلال جهات رقابية غير معلومة داخل مطابع المؤسسات القومية.
واعتبر أن الصحافة أمام نظام يحاول تشكيل النظام الإعلامي بشكل عام من جديد، لافتًا النظر إلى أن عمليات المنع تتم قبل الطبع وهو ما يعني أن لدينا رقيب على الصحف".
وتنص المادة 70 من الدستور المصري على أن "حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقي والمرئي والمسموع والإلكتروني مكفولة"، وتقول المادة 71 "يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها. ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها في زَمن الحرب أو التعبئة العامة".
وأشار رئيس لجنة الحريات بالنقابة، إلى أن طبيعة الموضوعات التي تم منعها خلال الفترة الأخيرة، تخص الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو ما يعني أن هناك من يريد أن فرض أمر واقع على الصحافة، بمنع إي نقد تجاه الرئيس.
بينما يقول الكاتب الصحفي صلاح عيسي، أن هناك قانونًا ولوائح بالهيئات السيادية (ضمنها رئاسة الجمهورية) ينص على عدم نشر أي أخبار تتعلق بهذه المؤسسات دون إذن مسبق، وهو ما يوضح عمليات المنع لبعض الموضوعات خلال الفترة الأخيرة تتعلق بالرئيس.
وهو ما يعتبره البلشي، مخالفًا لنصوص الدستور، مُشددًا على رفضه لإعادة تشكيل المناخ الإعلامي بشكل عام، "من المفترض أن يتم تشكيل نظام حر ومستقل".
وأشار البلشي إلى أنه ربما ما يجري في جريدة التحرير، (إيقاف الإصدار الورقي لها بداية سبتمبر)، هو جزء من إعادة هيكلة النظام الإعلامي باستخدام الأداة الاقتصادية، متسائلًا "كيف يتم يتوقف رجال الأعمال عن تمويل إصدار، وينفقون أموالهم في إصدار أخر.. وهناك من يقلص حجم العمالة في قنواتهم ويضخون أموالهم في وسائل إعلامية أخرى؟".
وهو ما يراه صلاح عيسى، الأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة، اتجاها يشمل عددًا من المميزات والعيوب في وقت واحد، "أن جزءًا كبيرًا من وسائل الإعلام في مصر يملكه رجال أعمال.. هناك فوائد وأضرار لهذا الاتجاه".
ويقترح رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين، خالد البلشي، أن يكون هناك بدائل للتمويل لمنع تحكم رجال الإعمال في صناعة الإعلام، مشيرًا إلى أن هناك عدة أطراف للتمويل تشمل المجتمع والصحفيين ورجال الأعمال والدولة.
وتعرضت جريدة الدستور لأزمة اقتصادية، اضطر خلالها الصحفيين اللجوء إلى الاعتصام داخل نقابة الصحفيين لفترة طويلة، لكن النقابة لم تتدخل.
وأشار البلشي أن دور نقابة الصحفيين هو إعداد الصحفيين بشكل جيد لأن هناك جانب اقتصادي وبالتالي لا تستطيع أن تتدخل فيه نقابة الصحفيين، ولكنها تستطيع تكوين صحفيين قادرين على رفض تدخل السلطة في قراراتهم التحريرية.
ويتحدث الكاتب الصحفي صلاح عيسى، عن أنه لابد من تدخل المشرع لسن تعديلات تتوافق مع الوضع الحالي، بالإضافة إلى ضرورة أن يكون هناك حوارًا بين نقابة الصحفيين والجهات المعنية لضبط الأمر.
ويضيف أن قانون الصحافة الجديد يحاول حماية الصحافة في مصر من السيطرة عليها في اتجاه معين أو طبقًا لأيديولوجيات محددة، موضحًا "القانون يشترط في رئيس التحرير، ومجلس الإدارة، الذين ينتمون لأى حزب سياسي، تجميد عضويتهم طوال فترة توليهم منصبهم الصحفي".
وعلى الجانب الأخر؛ يؤكد أحمد السيد النجار رئيس مجلس إدارة الأهرام، خلال تصريحات صحفية في مناسبات متعددة، إن مطابع الأهرام ليس لها علاقة على الإطلاق بمنع أو مصادرة أي موضوعات أو أعداد للصحف، مشيرًا إلى أن الأهرام ليست إلا "جهة طبع فقط وكل ما ينشر أو يخص الجيش أو المخابرات هناك قانون ينظمه ولا علاقة للمؤسسة بما يحدث مع الصحف".. وهو ما يطرح سؤالًا حول هوية الرقيب الذي تتشكل على يده الصحافة من جديد؟، فيما تتواجد النقابة بتصريحاتها فقط دون تدخل فاعل.
فيديو قد يعجبك: