هل تؤثر "الاتهامات" الاثيوبية لمصر على مفاوضات سد النهضة؟
كتب- محمد قاسم:
لم يكد صدى توترات مفاوضات سد النهضة بين مصر وإثيوبيا السياسية بين البلدين أن يهدأ بعد توقيع عقود دراسات السد، حتى اتهمت حكومة أديس أبابا القاهرة علانية بأنها تقف مع اخرين وراء تأجيج احتجاجات "الأورومو" في البلد الأفريقي الذي يشكل منبع نهر النيل، شريان الحياة في مصر، بلد المصب.
فمع تصاعد الاحتجاجات في منطقة "أوروميا" في إثيوبيا، اعتبرت منابر إعلامية من بينها التلفزيون الرسمي الإثيوبي أن "القاهرة تدعم جبهة "الأورومو"، المحظورة في إثيوبيا، في محاولة لزعزعة استقرارها.
واستدعت الحكومة الاثيوبية السفير المصري لديها لما قالت إن مصريين ظهروا في مقاطع مصورة ضمن الاحتجاجات التي تضرب الدولة الأفريقية منذ فترة وقتل فيها العشرات.
وأكدت الخارجية المصرية استدعاء السفير. وأكد المتحدث باسم الوزارة في بيان "احترام مصر الكامل للسيادة الإثيوبية وعدم تدخلها في شؤونها الداخلية".
"أزمة سياسية"
يثار الآن على الساحة المصرية تساؤلات: هل تؤثر هذه "الاتهامات" على مفاوضات سد النهضة؟ وإلى أي مدى يمتد التأثير؟
تقول وزارة الري والموارد المائية إن الأزمة الأخيرة التي أثارتها حكومة أديس أبابا ضد القاهرة "سياسية بالدرجة الأولى"، مضيفة أنها "لن تقترب من مفاوضات سد النهضة الإثيوبي أو تؤثر عليها".
ويوضح وليد حقيقي، المتحدث باسم الوزارة في تصريح لمصراوي يوم الثلاثاء، أن ملف سد النهضة حيوي للدولة المصرية ويتضمن عدد من المسارات الفنية والقانونية والسياسية وإن وزارة الري مسؤولة عن المسار الفني في الملف.
وأكد حقيقي أن المكاتب الاستشارية التي تم توقيع عقود الدراسات الفنية لسد النهضة معها، ماضية في عملها الأسبوع الماضي بعد تحويل المقابل المادي نظير إجراء الدراسات، بالاتفاق مع السودان وإثيوبيا، وبالتالي لا قلق على مستوى الجانب التفاوضي لسد النهضة.
وتقوم الشركتان الفرنسيتان بإجراء الدراسات التي أوصت بها اللجنة الدولية للخبراء، وهما نمذجة الموارد المائية والكهرومائية، وتقييم الأثر البيئي والاجتماعي والاقتصادي العابر للحدود.
وقال حقيقي إن الخارجية المصرية تقوم بالدور السياسي في ملف النهضة "على النحو المطمئن والمتوازن والداعم للرؤى الفنية التي تراها الوزارة (الري) في سد النهضة".
أكد على كلامه المتحدث باسم الخارجية وقال إن "اتصالات رفيعة المستوى تتم حاليا مع الحكومة الإثيوبية للتأكيد على أهمية الحفاظ على الزخم الايجابي والمكتسبات التي تحققت في العلاقات الثنائية بين البلدين خلال الفترة الماضية".
سكون
ويرى الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، أن الاتهامات التي أثارتها السلطات الإثيوبية ضد القاهرة، "لن تؤثر على مسار مفاوضات سد النهضة".
وقال إن المفاوضات تمر الآن "بمرحلة سكون واستقرار نسبي،" بعد توقيع الدول الثلاث على عقود دراسات سد النهضة.
كان رؤساء وفود مصر والسودان وإثيوبيا باللجنة الثلاثية الوطنية لسد النهضة الإثيوبي، قد وقعوا في سبتمبر بالأحرف الأولى عقود المكتبين الفرنسيين "بي. آر. إل"، و"أرتيليا"، المسؤولان عن إجراء الدراسات الفنية، والإنجليزي "كوربت"، المسؤول عن الجوانب القانونية والإدارية والمالية والمنسق بين الدول الثلاث، في العاصمة السودانية الخرطوم.
وأضاف شراقي، لمصراوي، أن ما يحدث في اثيوبيا شأن داخلي ولا يحتاج إلى تدخل من أحد فهو مشتعل بطبيعته منذ 25 عامًا على خلفية نزاعات أثارتها أقليات تشكل نسبة 60 في المئة من حجم سكان إثيوبيا، أثارتها مجموعة الأورومو، أكبر جماعة عرقية في اثيوبيا، ومجموعة "الأمهرا" ضد الحكومية الإثيوبية، ويشكو أبناء العرقيتين مما يقولون إنه تهميش سياسي واقتصادي.
يعيش الأورومو في إقليم أوروميا، وهو أكبر إقليم في إثيوبيا ويحيط بالعاصمة أديس أبابا، ويعتمد اقتصاد سكانه بشكل أساسي على الزراعة، وتربية الماشية، والمناجم، والسياحة.
وأشار شراقي إلى أن الاضطرابات والحروب الأهلية هو لسان حال الشعوب الاثيوبية الطبيعي قبل البدء في بناء سد النهضة.
وتوقع شراقي تأثير النزاع في إثيوبيا بعد إعلان حالة الطوارئ في البلاد، على استمرار عمل الشركات القائمة على بناء سد النهضة حيث قد تسببت الاحتجاجات في وقف العمل في محيط السد لحين هدوء الأوضاع.
وأوضح شراقي، وهو متخصص ايضا في الشأن الإفريقي، أن مجموعة "بني شنقول" التي يقع في منطقتها سد النهضة انضمت في الاحتجاجات مع شعب اﻷورومو ضد اجراءات الحكومة الإصلاحية التي من بينها إنشاء سد النهضة. لافتا إلى أن سكان "بنى شنقول" يخشون غرق نحو 2000 كم2 من أراضيهم التي يزرعونها نتيجة إنشاء السد وتخزين مياهه.
"القادم أهم"
غير أن الدكتورة أماني الطويل، مدير البرنامج الإفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، تقول إن الخلافات التي ظهرت مؤخرا من شأنها التأثير على مفاوضات سد النهضة وربما تصل إلى تعطيلها.
وأضافت الطويل، لمصراوي، أن إثيوبيا ربما تتخذ من هذا الشأن ذريعة لتعليق المباحثات المصرية المشتركة وأعمال اللجنة الثلاثية الخاصة بمفاوضات ومباحثات سد النهضة.
وأوضحت أن الاتفاق مع إثيوبيا على دراسات سد النهضة أمر طبيعي، لكن "هناك مباحثات منتظرة هي أهم وأجدى في مصير حصة مصر من المياه وهو التنسيق على قواعد ملئ خزان السد خلال مراحل افتتاحه، فبالتالي لا نستبعد استغلال إثيوبيا لهذا الخلاف لتأجيل المباحثات الجديدة".
وقالت إن الحكومة الأثيوبية تسعى لتوريط القاهرة في تلك الاحتجاجات.
فيديو قد يعجبك: