فحوص العذرية في مصر - عندما تتسبب الأعراف في إذلال المرأة
القاهرة (دويتشه فيله)
ازدادت في مصر مؤخراً حالات إجبار الفتيات على إجراء كشوف عذرية، سواء من قبل الأهل أو زوج المستقبل. DW حاولت رصد الأسباب والتداعيات الاجتماعية المحتملة لهذه الممارسة التي تعد تعدياً على حرية الفتاة وخصوصيتها.
أثارت تصريحات النائب البرلماني المصري إلهامي عجينة جدلا واسعا، بعد أن طالب بتوقيع كشف عذرية دوري على الطالبات داخل الجامعات، حتى أنه اضطر مؤخراً للاعتذار مؤكدا أنه "كان مجرد اقتراح لحل مشكلة الزواج العرفي".
لكن مجرد طرح مثل هذا الاقتراح دق ناقوس الخطر في المجتمع المصري ودعا للتساؤل مجددا عن مدى حق المجتمع في انتهاك حرية المرأة وخصوصيتها وجسدها، وطالب المجلس القومي للمرأة ورئيس جامعة القاهرة جابر نصار بمحاكمة عجينة.
بيد أن الخطير في الأمر هو أن تصريحات عجينة تعكس نظرة فئة كبيرة من المجتمع المصري للمرأة ولمفهوم الشرف، فكثير من العائلات المصرية ترغم الفتيات على إجراء كشف العذرية، اعتقاداً منهم بأن هذا هو الدليل على "حفاظ الفتاة على شرفها".
أمهات متورطات
(م.أ) (29 عاما) تلقت تعليمها في إحدى الجامعات المصرية وتنتمي إلى طبقة مثقفة حيث عمل والدها كأستاذ جامعي، ومع ذلك لم تنج من الأفكار الموروثة الخاصة بتقاليد الزواج. نشأتها في بيئة محافظة دفعتها لقبول الزواج في أسرع وقت، خاصة في ظل ضغوط الأم عليها.
وقابلت رجلا كان يبدو لها مناسبًا، لكن تجاربه السابقة مع الفتيات ولدت لديه الشك في كل الفتيات، فكانت صدمة كبيرة لها عندما طلب منها إجراء كشف العذرية، للتأكد من عفتها.
وهي تصف شعورها آنذاك قائلة: "اعتقدت أنه يثق في ويحبني". رغم نصائح أصدقائها بعدم اتخاذ هذه الخطوة، لم تسمع لهم، فكانت رغبتها في الزواج تفوق أي شئ آخر، وتابعت:" تزوجت منه وكانت أسوأ تجربة في حياتي".
تتذكر الشابة ليلة الزفاف والدموع في عينيها: "شعرت بإهانة مرتين مرة عندما قبلت بكشف العذرية"، والمرة الثانية "عندما فض زوجها عذريتها يوم الفرح، وأخفى المنديل الملطخ بدماء شرفها لإظهاره لوالدته وندمت على الزواج منه، وكانت النتيجة الانفصال عنه.
تجربة (س. أ)، اسم مستعار، (21 عاماً) مختلفة، حيث قامت والدتها بالكشف على عذريتها، بعد قيام أخيها بضربها في المنطقة ما بين رجليها، بطريقة غير مقصودة. وكان رد فعل الأم سريعاً بتوجهها إلى الطبيبة خوفاً من أن تكون فقدت عذريته.
لحظات ألم عاشتها ولا تستطيع نسيان كلمات والدتها عندما قالت لها: "الحمدالله مازالتي عذراء فلا يمكنني تخيل رد فعل والدك تجاهك وتجاه أخيكي"، فقد شعرت بأن والدتها لم تكترث لمشاعرها النفسية وكان شاغلها الرئيسي رد فعل زوجها.
حيل جديدة
تلجأ بعض الفتيات إلى إجراء عمليات ترميم غشاء البكارة، حتى تتمكن من الزواج وهي حيلة لجأت إليها (ر. ي)، 30 عاماً، فقد كانت على علاقة بشاب تعرفت عليه وأحبته، لكنها أخفت هذا السر سنوات طوال، حتى قابلت شخصاً آخر أرادت الزواج منه.
وكانت صديقة رشحت لها طبيب يقوم بعمليات ترقيع للغشاء، لكنها أكدت أن الترقيع لم يستمر لأيام، وفشلت العملية رغم تأكيد الطبيب لها أنها ستستمر مدى الحياة. وقالت:" الحمدلله أنه فض قبل زواجي منه، لذلك رفضت الزواج".
لا توجد إحصائيات رسمية في مصر عن عمليات كشف العذرية، كما أن هناك خلطاً في المجتمع بين فقدان الفتاة عذريتها بسبب ممارستها الجنس وبين حقيقة وجود أنواع مختلفة من الغشاء، وهو ما تشير إليه الطبية والناشطة النسوية في مبادرة كحيلة لتمكين المرأة دينا صادق، قائلة:" الكشف على العذرية مفترض أن يتم في حالات محدودة مثل الاغتصاب أو حوادث تتسبب في كسر الحوض".
لكنها تعتبر أن الحالات التي يطالب فيها الأهالي بالكشف عن عذرية بناتهن، تتنافى مع المهنة، باعتبارها سر من أسرار المريض.
وتطرقت إلى وجود حالات تظل الفتاة عذراء بممارستها للجنس الخارجي أو الخلفي أو الفموي وحالات أخرى تفقد عذريتها في حين أنها لم تمارس الجنس بسبب ممارستها للرياضة، لذلك فهي تؤكد على أن "غشاء البكاره ليس دليلاً على العذرية".
حراك نسوي
ويبدو أن تصريحات النائب عجينة عادت للتذكرة بتلك المشكلة المجتمعية، فبدأ المدافعون عن حقوق المرأة في مصر في حراك ضده وضد تلك الممارسة، والبداية كانت مع مركز مساواة للتدريب والاستشارات، حيث تقدم في الثالث من أكتوبر ببلاغ رسمي للنائب العام ضد النائب إلهامي عجينة، وتقدمت بالبلاغ جانيت عبدالعليم، المديرة التنفيذية للمركز، وهو مركز حقوقي يعمل على النهوض بأوضاع المرأة، تتهمه بالتحريض على الطعن في أخلاقيات النساء.
وهنا، تشير جانيت عبد العليم، في حوارها مع DW إلى أن تصريحات عجينة تعكس عقليات كثيرة موجودة في المجتمع. ورغم الجدل الصاخب حول هذه التصريحات، إلا أن عبدالعليم لا ترى بارقة أمل في الاهتمام بقضية كشوف العذرية في مصر، موضحة: "قليلون من يتحدثون عن هذه القضية سواء المؤيدين أو الرافضين لتصريحات عجينة".
وتعتبر أن تصريحات عجينة هي امتداد لتجاوزات المجلس العسكري أثناء المرحلة الانتقالية وإجبار فتيات من الثوار لإخضاع كشوف العذرية، قائلة:" إذا كان هناك محاسبة لمرتكبي جريمة فض العذرية إبان المجلس العسكري، لما كان عجينة ليجرؤ على المطالبة بكشوف عذرية". وهذا يعني أن مرحلة المجلس العسكري، وفقا لعبدالعليم، كانت سبباً رئيسياً لانتشار هذه الظاهرة بسبب عدم معاقبة مرتكب الجريمة.
وتتخوف عبدالعليم من عدم محاسبة النائب أو حتى قبول اعتذاره، قائلة: "قبول الاعتذار سيحث عائلات مصرية كثيرة على انتهاك أجساد النساء".
تداعيات اجتماعية سلبية
وتحاول الباحثة في علم الاجتماع كريمة السلموني إيجاد الأسباب الرئيسية التي تدفع البعض لإجبار النساء على كشوف العذرية وترجع السبب الرئيسي لذلك في حوارها مع DW إلى "الهاجس الجنسي المحيط بالمرأة منذ صغرها ومحاولة السيطرة عليها لأنها تمثل شرف العائلة"، وأردفت: "ومن ثم أهمية الحفاظ على عفتها وضمان عدم انحرافها أخلاقياً".
ولا تعتبر كشوف العذرية ظاهرة، لعدم انتشارها بنسب عالية، خاصة وأن أكثرية هذه الحالات تحدث في السر، لكنها في المقابل تعتبرها مشكلة اجتماعية. وفسًرت ذلك بالقول: "معظم من يقدم على هذه الممارسات يقومون بممارسات منحرفة فيخشون أن تكون بناتهم أو خطيبتهم كذلك".
وتطرقت إلى التداعيات الاجتماعية التي تقع على عاتق الفتاة، والتي تتمثل في فقدان الثقة في نفسها ومن حولها، وهو ما ينتج عنه مجتمع لا تثق فيه المرأة في أحد ومنعزلة عن المجتمع، وهو ما يؤثر بالتالي أيضاً على جيل بأكمله، ستربيه هذه المرأة.
فيديو قد يعجبك: