إعلان

150 عاما برلمان.. هل كان مجلس الشعب منحازا للشعب؟

11:24 ص الأحد 09 أكتوبر 2016

مجلس الشعب

كتبت - دعاء الفولي:

في موازين القوانين هو الأقوى. له سلطة تضرب بيد من حديد. القُبة التي تضم نوّابه دائما ما كانت ملجأ لأصحاب المشكلات. منذ 150 عاما اُنشأ البرلمان المصري ليكون الأول إفريقيا والخامس عالميا، غير أن ضلوع المكان الذي مر بعشرات العقود والحكومات والحُكام لم تكن صلبة بما يكفي كي تجابه ما يُفرض عليها من السلطة التنفيذية، فما أن يقف بعض النواب ضد مشروع قانون أو قرار حتى يتم دحض محاولاتهم إما بحل المجلس أو بالأغلبية الساحقة للحزب الحاكم ورغم ذلك فثمة مواقف قليلة تغلب فيها نواب على تغوّل السلطة التنفيذية في الحياة التشريعية، لكنها تظل انتصارات ناقصة.

كانت ثورة 1919 ما تزال حديثة العهد بالمصريين، حينما استطاع سعد باشا زغلول خوض انتخابات برلمانية هي الأولى من نوعها عقب تلك الانتفاضة، وبسببها حصل الوفد على أغلبية المقاعد بواقع 195 مقعد، ضمن 264 عضوا تم اختيارهم بالانتخاب العام، وكانت الأحزاب في تلك الفترة هي الوفد والأحرار الدستوريين والحزب الوطني، ومنها تم انتداب 30 عضوا ليضعوا دستور 1923 الذي اُعتبر وقتها نواة للحياة الديمقراطية بمصر.

لم يكن ذلك الانتصار الوحيد، إذ شكّل زغلول وقتها "وزارة الشعب"، ليكون أول مصري ريفي يترأس منصبا رفيعا، ما جعل الملك فؤاد يناصبه العداء، إذ عرض سعد باشا برنامج وزارته وبه بعض المطالب، منها الاستقلال التام بجلاء القوات البريطانية، وقيام مصر بدورها في حماية قناة السويس. ومع رفض الحكومة البريطانية المطالب زاد العداء، خاصة مع اغتيال أحد قادة الإنجليز بالسودان، فاستغلت المملكة المتحدة الأمر وطلبت من مصر سحب الجيش المصري من السودان، ما رفضه سعد باشا، مقدما استقالته، ليحل الملك فؤاد البرلمان عقب ذلك.

يقول محمد عفيفي، رئيس قسم التاريخ بكلية الأداب جامعة القاهرة لمصراوي، إن تلك المعارك رغم خسارتها تؤكد أن هذه الفترة كانت تتنفس الجرأة لحد ما "تحديدا منذ عام 1924 حتى 1952".

____-1

ويُعزي أستاذ التاريخ ذلك إلى أن المصريين كان يجمعهم قضية موحدة، وهي الوقوف ضد المُحتل، فلم يكن ثمة معارك جانبية تعزلهم عن الهم الأكبر، وفي المقابل كان ثمة حوادث أخرى تُظهر بوادر "الثورة" في البرلمان، ففي عام 1930 وقف الكاتب عباس العقاد تحت القبة، إذ كان نائبا وقتها، ليقول: "إن المجلس مستعد أن يسحق أكبر رأس في البلاد في سبيل صيانة الدستور وحمايته"، وذلك اعتراضا على تجاهل الملك فؤاد لمشروعات القوانين التي يُطالب بها النوّاب، ولكن النهاية كانت مؤسفة أيضا، فعوقب العقاد عقب أشهر وقُدم للمحاكمة ليلبث في السجن 9 أشهر نتيجة مقالات كتبها في صحيفة "المؤيد" ضد الحكومة.

يُحلل أستاذ التاريخ حال البرلمان المصري قديما، فيقول إنه لم يكن مستأنسا، فعقب أقل من عشرين عاما من تدشينه، كانت ثمة دعوات بداخلة تُطالب بعزل الخديوي توفيق، لتكون المطالبات إرهاصات مبكرة للثورة العرابية عام 1881 "وذلك لأن الحياة النيابية بالممارسة.. لكن ما أصاب البرلمان بالضعف في الفترات اللاحقة هو تكبيله بتداخل مع السلطة التنفيذية".

عقب 23 يوليو 1952 اختلف الأمر، صارت السلطة التشريعية أقل ضعفا "وأصبحت السلطة التنفيذية تُختصر كلها في شخص الرئيس،" كما يقول الكاتب الصحفي، صلاح عيسى لمصراوي، موضحا أنه مع مرور الوقت صار الحزب الحاكم أشبه بعين الدولة داخل كيان من المفترض له أن يراقب الأداء العام.

____ 2

ولعل أزمة قانون الصحافة عام 1951، خير دليل على ذلك. إذ تقدم النائب استفان باسيلي وعضو الهيئة الوفدية -الحاصلة على الأغلبية وقتها- بمشروع قانون لتغليظ عقوبات النشر فيما يتعلق بأخبار الملك أو أحد أفراد أسرته، وحظر النشر إلا بعد موافقة الديوان الملكي، ما جعل النائب البرلماني عزيز فهمي ينتفض ضد الفكرة متعجبا "كيف تكون حكومة الوفد التي تنادي بالحريات معولا لهدم الحريات"، ومع ضغط الصحافة والمجلس تراجع النائب عن المشروع.

يقول عفيفي "على عكس ما يعتقد البعض فإن قانون مثل الإصلاح الزراعي والخاص بتحديد ملكية الأراضي كان مطروحا في البرلمان قبيل ثورة يوليو 1952،" مضيفا أن من تقدم به كان النائب إبراهيم شكري في فبراير 1950، كما تقدم في تلك الفترة بمشروع قانون بشأن نقابات العمال من حيث إنشائها ونشاطها واتحاد النقابات، وحق العمال في الإضراب السلمي.

رغم عدم استماع السلطة للثورة المتأججة لجزء من أعضائه، إلا أن برلمان 1976 يُضرب به المثل في الوقوف ضد قرارات رآها بعض النوّاب غير صحيحة "ربما ذلك دليل على أن المعارضة بالكيف لا بالعدد" حسبما يوضح عفيفي، فرغم أن ثمة أسماء بعينها، كممتاز نصار، محمود القاضي وكمال أحمد وغيرهم كانوا فقط من يقولون لا، لكن أصواتهم ظلت قوية بما فيه الكفاية ليُحل بسببها البرلمان، فيذكر الكاتب صلاح عيسى، إنه عقب الإعلان عن اتفاقية كامب ديفيد لم يعترض سوى 13 شخصا ضمن 350 عضوا بالبرلمان، لكن مع تفاقم الأزمة تم "إيقاف" مجلس الشعب بقرار من السادات.

3

أن يكون رئيس الجمهورية-رأس السلطة التنفيذية- هو الخصم والحكم هو ما يجعل محاولات البرلمان المصري للانتصار لحق الشعب أمرا مُستحيلا "وإذا نظرنا بتمعن نجد أنه عندما يُقدم أحد النواب استجوابا للحكومة قد تتم إحالته لجدول الأعمال.. ما يدحض أي طريق للمحاسبة" على حد قول عيسى، الذي استطرد أن الثمانية أشهر التي سبقت حل برلمان 79 كانت ذهبية، إذ لم يركن النوّاب المعارضون للخوف من بطش الدولة لا سيما في ظل سياسة الانفتاح.

4

ثلاثون عاما خلال حكم الرئيس الأسبق مُبارك لم تشهد سوى انتصارا يُحسب، فكان الحزب الوطني الحاكم دائما ما ينهي الأمر قبل تفاقمه. في مايو 2005، ارتبك البرلمان المصري نتيجة الاستفتاء على تعديل المادة 76 من الدستور، والتي سمحت فتحت باب التقدم لانتخابات الرئاسة، لكنها بنفس الوقت كانت "تعجيزية"، حيث ظل لزاما على المرشح أن يحصل على 250 موافقة من مجلسي الشعب والشورى، ما كان مستحيلا في ظل تفوق مُطلق للحزب الحاكم. ووقتها وافق على التعديلات 405 نائب من أصل 454، غير أن صوت المعارضة كان حادا بدرجة ما، فقد انسحبت بعض الأحزاب من ساحة الانتخابات الرئاسية كالتجمع، كما أصدر ممثلو حزب الغد وكتلة الإخوان المسلمين اعتراضات شديدة اللهجة "لكن الأمر لم يتعد تلك الزوبعة حتى أُقرت المادة كما شاءت الدولة" حسبما يقول عفيفي.

إلى الآن لم يزل البرلمان الحالي ينتصر قليلا مقابل تتابع الأحداث، فيرى عفيفي أن الجميع عليهم النظر بتمعن إلى تاريخ ذلك المكان، فقد استطاع التوّحد وقت الاحتلال البريطاني، فيما اقترب البرلمان الحالي من النجاح في بعض الأزمات، كإصراره على تشكيل لجنة لتقصي فساد القمح، وإلغاء التوقيت الصيفي، لكن مازال هناك الكثير، حسب قوله. فيما يؤكد عيسى أن تمثيل البرلمان الحقيقي للشعب، لن يأت إلا في ظل فصل واضح بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ووجود أحزاب فاعلة تستطيع مجابهة الأغلبية ذات الصوت الواحد.

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج

إعلان

إعلان