إعلان

أطفال مستشفى أبو الريش في انتظار المدد -(معايشة)

04:02 م الثلاثاء 15 نوفمبر 2016

أطفال مستشفى أبو الريش في انتظار المدد

كتب وتصوير- أحمد جمعة ونورا ممدوح:

بين أروقة مستشفى أبو الريش الياباني، تفترش السيدة "صباح" الأرض، تحتضن وليدها الذي لم يتخطى عمره بضعة أشهر، تنتظر اقتناص عبوة لبن منعها ارتفاع الأسعار من شرائها. لن تجد سبيلًا للحصول عليها إلا بحضور أحد المتبرعين وتحمل تكلفتها، ضمن العديد من الحالات التي تحتضنها جدران المستشفى التي تخدم سنوياً ما يقرب من 450 ألف طفل يلجأون إليها من كل حدب وصوب في مصر المحروسة.

كغيره من المستشفيات الجامعية، يُعاني "أبو الريش" من نقص الموارد والمستلزمات الطبية والأدوية منذ عدة شهور. وزاد "الطين بلة" تأثير قرار البنك المركزي بتحرير أسعار الصرف مطلع الشهر الجاري، على توفر المستهلكات الطبية بالمستشفيات، الأمر الذي دفع إدارة المستشفى لمناشدة المجتمع المدني التضامن مع المستشفى وإنقاذ أطفاله من براثن الموت.

تقول السيدة الثلاثينية التي استوقفت محرري مصراوي أثناء دخولهما إلى غرفة الرعاية الاجتماعية، "محتاجة علبتين لبن بسرعة لعيالي. مش قادرة اشتريهم من الصيدليات!". حملنا الطلب إلى أسامة إبراهيم مسؤول الخدمة الاجتماعية الذي رد "بالفعل نصرف لها الألبان المطلوبة وهيّ متوفرة حاليًا. فقط يتوجب عليها ملئ استمارة بطلبها بالتحديد، ويتم توجيه التبرع لها".

أنشأ مستشفى أبو الريش عام 1983 بمنحة من الحكومة اليابانية، ويخدم نحو 2000 طفل يومياً. ويستوعب المستشفى 450 سريرًا من بينهم 120 للرعاية المركزة، ويعالج الحالات النادرة في جرحات الأطفال خاصة القلب والصدر التي ترفضها بعض المستشفيات، فضلًا عن إجراء ألف عملية قسطرة سنوياً، بحسب بيانات صادرة عن المستشفى.

ابو الريش

عدة مشاكل طرحتها الدكتورة رانيا حجازي، مديرة المستشفى، عند حديثها عن الوضع الراهن؛ تتمثل بداية في موازنة المستشفى التي تُقدر حاليًا بـ15 مليون جنيه سنوياً، بينما تحتاج فعلياً إلى 70 مليون جنيه على الأقل. تقول "الميزانية الحالية لا تواكب التوسعات التي تم عملها في المستشفى منذ إنشاءه. لم تعد كافية حالياً لسد الحاجة. نجري حالياً 14 ألف عملية سنوياً تغطي كل تخصصات الجراحة الدقيقة مثل القلب والصدر والرمد".

هذا النقص في الموارد يتسبب في عدم استيعاب كل الحالات التي تلجأ إلى مستشفى أبو الريش، بحسب حجازي التي تُضيف "القدرة بتاعتنا مش بتستحمل كل المرضى، ورغم ذلك مبنقلش لطفل لأ. مفيش طفل بيجي وبنمشيه، لكن لو هيحتاج حجز مش هينفع أوفرله مكان".

هناك قوائم انتظار طويلة في المستشفى بالنظر إلى القدرة الاستيعابية المحددة والإقبال الشديد من المرضى. تقول مديرة المستشفى "كل يوم بنقابل أعداد كبيرة أكتر من اللي بتستحملها المستشفي... الطفل لو متعالجش في الوقت المناسب بيعيش طفل مُعاق!".

وتوفي الطفل "عمر" بينما يبحث عائلته عن حضانة في أحد مستشفيات مركز أطفيح جنوبي الجيزة، قبل أن تلجأ إلى مستشفى أبو الريش، حيث لم يمكث الطفل سوى سويعات قليلة قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة على أعتاب المستشفى.

تضم قوائم الانتظار حالياً نحو 300 طفل في قسم رعاية جراحات القلب والصدر، بحسب زينب رضوان، مشرفة التمريض والجودة. فيما تؤكد مديرة المستشفى أن "الانتظار قد يطول لشهور في تلك الجراحات بسبب ضغط الأعداد والتكاليف التي قدرتها بأسعار فلكية بسبب أزمة الدولار مؤخرًا. مثلا "الجهاز اللي كان تمنه 200 ألف بقى بـ 450 ألف بين يوم وليلة،" تقول حجازي.

ابو الريش

الوصول لأكبر عدد من المتبرعين هيّ إحدى المشكلات التي تواجه "أبو الريش" كسبيل لسد عجز الموازنة. فرغم زيادة الوعي المجتمعي بدور المستشفى، إلا أنه لم يصل إلى المرغوب بحسب مديرة المستشفى التي تشير إلى أن هناك مستشفيات تدعمها مؤسسات كبرى وتوفر لها حملات إعلانية ضخمة لجذب المتبرعين. لا توجد لدينا طريقة مباشرة للوصول إلى الجماهير "لو عندي فلوس مش هروح أحطها في إعلان".

ورغم أن إجمالي التبرعات لا يتجاوز 10 مليون جنيه سنوياً إلا أن المستشفى لا يرفض استقبال أي مريض. "مش بنقفل بابنا في وش طفل. إحنا عارفين إنه مش هيروح في حتة تانية لأننا الباب الأخير بتاعه"، على ما تقول مديرة المستشفى.
 
مع أطفال الرعاية
بوسائل تعقيم بسطية تمكنا من الدخول إلى وحدة طولية يرقد فيها عدد من الرُضع في قسم رعاية جراحات القلب والصدر. جلست سيدة بزيّها الريفي تُراقب حالة طفلتها التي ابتلعت "دبوس!". هرولت بها على مستشفى بني سويف الذي طالب بنقلها بشكل عاجل إلى "أبو الريش الياباني". تقول "بقالنا هنا 10 أيام ودخلنا بسرعة علشان حالة البنت. بنشوف هنا أحسن معاملة من يوم ما جينا".

يستوعب القسم 13 سريرا فقط، ويستغرق تواجد الطفل داخل السرير من 3 أيام إلى 15 يومًا، بحسب مشرفة التمريض. وتقوم ألية عمل الوحدة على رعاية الأطفال بعد إجراء جراحات القلب والصدر.

ابو الريش

"أحيانًا بنلاقي المتبرع ومبنلاقيش الدواء"، يقولها الدكتور أحمد عبدالواحد، مدرس مساعد قلب الأطفال ومشرف الوحدة، على إثر اختفاء بعض الأصناف الدوائية من السوق، مشيرًا إلى أن تكاليف السرير الواحد باهظة قد تبلغ في بعض الأحيان 15 ألف جنيه حسب حالة المريض، فضلا عن أن الأجهزة الطبية تحتاج إلى صيانة بشكل مستمر وهو ما يتسبب في ضغط مادي إضافي على المستشفي "نحتاج إلى دعم كبير لضمان استمرار الخدمة".

وبحسب بيانات صادرة عن المستشفى، فإنه يحتاج إلى عدة أجهزة بشكل عاجل، مثل "شاشة - مضخة محاليل - جهاز تنفس صناعي - جهاز علاج ضوئي - وزيادة عدد الأسَرة"، بخلاف عدة عقاقير مختلفة ومحاليل طبية.

يوضح الدكتور عبد الواحد أن المستشفى بحاجة ماسة إلى مضادات حيوية وأدوية مقوية للقلب، موضحًا أن عدم توافر الأدوية خلق سوقا سوداء تعمل على استغلال حاجة المرضى وتبيع الأدوية بأضعاف أسعارها. "هناك أمبول يصل سعره إلى ألف جنيه يعطي للطفل يومياً"، يقول الطبيب.

يستطرد "إحنا هدفنا العيان الغلبان اللي بيجي من أسوان والصعيد والأرياف وغير قادر على تحمل تكاليف العلاج. الرعاية مكلفة جدا لا تتحملها فئات كثيرة (من الشعب)".

أزمة التمريض

ابو الريش

أزمة آخرى تُعاني منها مستشفى أبو الريش تتمثل في نقص عدد طاقم التمريض. تقول مديرة المستشفى الدكتورة رانيا حجازي "رغم العدد الكبير على قوائم الانتظار، لدينا 26 حضانة لكني لا أستطيع تشغيلها في وقت واحد، نتيجة النقص في التمريض المؤهل لتلك الحالات؛ فكل سرير يحتاج لممرضة منفردة".

وتوضح زينب رضوان، مشرفة التمريض والجودة، أن القسم يحتاج إلى 50 ممرضة فيما يوجد حاليًا 18 فقط، تحصل الممرضة منهم على 1200 جنيه راتبا شهريا، في حين تحصل نظيراتهن في المستشفيات الخاصة على أكثر من 10 آلاف جنيه. وتطالب رضوان بتعيين خريجي كلية التمريض بجامعة القاهرة في مستشفيات الجامعة.

وتؤكد رضوان أن هذا الفارق في الراتب "لا يؤثر بأي حال في التعامل مع أهالي المرضى، حيث نعمل على تأهيل الأم التي يكون لها طفل مريض. نحن نعلم حالتها السيئة، ونستحملها ونحن أمهات للحالة".

وأشارت المشرفة إلى كفاءة طاقم التمريض في مستشفى أبو الريش، "بعض المراكز الطبية استعانت بعدد من الممرضات مثل مركز مجدي يعقوب للقلب، الذي أكد أننا أكفأ ممرضات في مصر".

ابو الريش

على رصيف أبو الريش تجلس عدة حالات تتلهف إلى صوت الأمن يبلغهم "فيه سرير فاضي".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان