3 محاولات مصرية "فاشلة" للحصول على قرض صندوق النقد.. هل تنجح الرابعة؟
تقرير - أحمد جمعة:
أعلنت الحكومة رسميًا الدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي؛ للحصول على برنامج تمويلي بقيمة 12 مليار دولار، بواقع 4 مليارات دولار سنويا، بفائدة بين واحد إلى 1.5 في المئة، ضمن برنامج مالي لدعم ومساندة سلسلة الاصلاحات الاقتصادية التي تتبناها خلال الفترة المقبلة.
يأتي هذا في الوقت الذي تعاني فيه مصر من أزمة خانقة في النقد الأجنبي، على إثر النقص الحاد في العملة الأجنبية، نتيجة تراجع الموارد "الدولارية" من قناة السويس والسياحة والصادرات والاستثمار الخارجي.
ومن المفترض أن تبدأ بعثة صندوق النقد مشاوراتها غدًا السبت ولمدة أسبوعين؛ لتقيم الاحتياجات التمويلية وقوة برنامج الإصلاح الذي تنفذه الحكومة.
وتبلغ حصة مصر في الصندوق نحو 2.9 مليار دولار بأسعار الصرف الحالية، وبموجب قواعد الاستفادة العادية من برامج الصندوق فإن الدول الأعضاء تستطيع الاقتراض بما يصل إلى 145 في المئة من حصتها في أي فترة مدتها اثنا عشر شهرا، وبالنسبة لمصر يقدر ذلك بنحو 4.2 مليار دولار بناءً على مستوى حصتها، لكن الدول تستطيع أيضًا الاقتراض بنسبة 435 في المئة من حصصها على مدى فترة البرنامج، وهو ما يصل إلى 12.6 مليار دولار في حالة مصر.
هذه هيّ المرة الرابعة التي تسعى فيها مصر للحصول على قرض الصندوق عقب ثورة 25 يناير، لكنها فشلت في الثلاث مرات السابقة نتيجة الأوضاع السياسية المضطربة، والتغييرات المتتابعة في السلطة الحاكمة.
"العسكري" يرفض الشروط
جاءت المرة الأولى للحصول على قرض الصندوق عقب ثورة 25 يناير إبان تولي المجلس العسكري سُدة الحكم، حيث طلبت الحكومة الحصول على قرض بقيمة 3.2 مليار دولار، وعقدت بعثة الصندوق مشاوراتها مع الحكومة خلال الفترة من 27 أكتوبر إلى 3 نوفمبر 2011.
وفشلت المساعي المصرية في طرق أبواب الصندوق، نتيجة رفض المجلس العسكري لشروط البعثة، في وقت شهدت البلاد اضطرابات سياسية واقتصادية، حيث كانت تستهدف تلك الشروط تخفيض الدعم بشكل رئيسي.
الدكتور فخري الفقي المستشار السابق بصندوق النقد الدولي، أرجع فشل المحاولة السابقة إلى حالة الاضطراب السياسي التي كانت تعاني منها مصر، ففي عهد المجلس العسكري لم يكن هناك برلمان مُنتخب أو استقرار مجتمعي نتيجة المظاهرات المتكررة في الشارع.
وقال الفقي في اتصال هاتفي لمصراوي، إنه إبان تولي الدكتور سمير رضوان حقيبة وزارة المالية، اجتمعت بعثة الصندوق في حوار مجتمعي مع قيادات الأحزاب ومفكرين اقتصاديين –وكان هوّ من بين الحضور- وعندما شاهد ممثلي حزب التجمع أعضاء الصندوق قالوا لهم: "بتعملوا ايه هنا.. اطلعوا بره".
"لم تكن هناك دولة".. السبب الرئيسي في نظر الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، لفشل مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد للحصول على القرض، نتيجة الاحتراب السياسي بين شتى القوى المتصارعة على السلطة في هذا الوقت، ولم تكن الأوضاع الأمنية بأفضل حال، والحكومات تتغير بسرعة، وهناك قوى مناهضة للمجلس العسكري وتريد إزاحته عن السلطة
الإخوان تفشل أيضًا
فشلت حكومة الدكتور هشام قنديل هيّ الأخرى في اكتساب ثقة بعثة صندوق القرض، حيث بدأت حكومة الرئيس المعزول محمد مرسي في التفاوض للحصول على قرض قيمته 4.8 مليار جنيه، لرفع الاحتياطي النقدي بالبنك المركزي، وتطبيق الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة، قبل أن تواجه باحتجاجات واسعة أطاحت بالجماعة من كرسي الحكم، ليتم تأجيل المفاوضات مرة جديدة.
وألقى تصاعد الأحداث السياسية بظلالها على الأوضاع الاقتصادية في هذه الأثناء، الأمر الذي دفع بمرسي إلى تجميد قرار رفع أسعار الضريبة علي بعض السلع، تخوفًا من الغضب الشعبي تجاهه، الأمر الذي انعكس سلبيًا حول رغبة مصر الحقيقية في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.
ويذكر الدكتور فخري الفقي أن بعثة الصندوق لم تجد ضمانات حقيقية عندما تفاوضت حكومة قنديل معها للحصول على القرض، واتجه مسئولو الصندوق للحوار مع الأحزاب، ولكنه في ظل الاستقطاب الحاد فشل الحصول كذلك على القرض، بعدما تمت الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي، عقب احتجاجات واسعة في 30 يونيو 2013.
الدكتور يُمن الحماقي، رئيس قسم الاقتصاد بجامعة عين شمس، ترى أن هناك اتجاهات سلبية دائمة من الناس في الشارع تجاه القرض، وما أفهمه أن رفض القرض يأتي من ناحية الحكومة المصرية وليس من بعثة الصندوق، بعدما تجرى حوارات حول السياسات المالية التي تقود إلى التوازن الاقتصادي، والصندوق قد يكون له تحفظات، والمسئولين في هذا التوقيت كانوا غير قادرين على تنفيذ هذه الشروط.
الببلاوي.. والجولة الثالثة
بعد الإطاحة بنظام الإخوان، بدأت الحكومة المصرية تحت قيادة الدكتور حازم الببلاوي الجولة الثالثة من المفاوضات مع صندوق النقد، بشكل غير رسمي، دون أن تتمكن مصر من الحصول على القرض كذلك بسبب استمرار الأوضاع السياسية والصراع "الدموي" بين نظام "30 يونيو" وجماعة الإخوان.
إسماعيل.. والفرصة الأخيرة
تجمدت المفاوضات بين مصر وصندوق النقد انتظارًا لتشكيل البرلمان الجديد، وفي الخضم استمرت زيارات بعثة الصندوق في ولاية المهندس إبراهيم محلب.
ومن ثم بدأت حكومة المهندس شريف إسماعيل منذ عدة شهور في مشاورات جدية للحصول على القرض، متوعدة بتنفيذ البرنامج الإصلاحي الذي اشترطه الخبراء الفنيين. ويأتي هذا القرض ضمن حزمة تمويلات تستهدف الحكومة من خلالها الحصول على 21 مليار دولار.
واتخذت مصر عدة إجراءات لتأكيد مضيها قدمًا في تنفيذ البرنامج الإصلاحي، حيث قلصت دعم الوقود إلى 61 مليار جنيه (حوالي 6.9 مليار دولار) من نحو 100 مليار جنيه في 2014-2015، ثم خفضت الدعم ورفعت أسعار البنزين والسولار والغاز الطبيعي بنسب وصلت إلى 78%.
يتمنى "الفقي" أن تنجح مصر في الحصول على القرض في ظل مناخ مهيأ لذلك؛ هناك برلمان مُنتخب، رئيس شرعي للبلاد، وحكومة مستقرة، ومن ثم فمعدل نجاح المفاوضات أكبر هذه المرة، محذرًا من "كارثة حقيقية" قد تقع حال رفض الصندوق، مطالبًا الرئيس السيسي بتفعيل اتصالاته مع الدول الـ 5 الكبرى؛ الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، لضمان تأييد حصول مصر على القرض.
"قرض الضرورة" هكذا رأى استاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، مفاوضات مصر مع بعثة الصندوق، بما يضخه في احتياطي النقد الأجنبي بالبنك المركزي، بحيث يتم القضاء على السوق السوداء للدولار بعد توحيد سعر الصرف الذي في رأيه سيرتفع إلى حدود 10 جنيهات نصف أمام الدولار، وبمجرد توقيع البرنامج فهذه شهادة ثقة في الاقتصاد المصري، الذي يدفع في اتجاه دخول الاستثمار الأجنبي من جديد.
وفي ظن الدكتور رشاد عبده أن إقرار قانون القيمة المضافة مؤخرًا كان من بين شروط صندوق النقد، لكي تضمن السداد.
وتعتقد الدكتورة يمن الحماقي في تصريحاتها لمصراوي أن القرض ليست مسألة صعبة فهناك مفاوضات دائرة منذ شهور ولم تكن مصر لتعلن أنها تلجأ للصندوق دون أن تكون هناك موافقة مبدئية للحصول على القرض، وتنطبق عليها الشروط الائتمان الميسر أن لديها مشاكل كبيرة في ميزان المدفوعات، وكأعضاء من حقنا الحصول على تسهيلات إئتمانية بشروط ميسرة والفائدة بين 1 إلى 1.5 في المئة، وهذه أقل كثيرًا من الحصول على قرض من المؤسسات المالية الدولية.
النقطة المهمة أن صندوق النقد لديه خبراء فنيين ورافض الحالة المصرية ويصدر تقارير عن التحديات الاقتصادية والبعثة تعرف هذه التحديات ولكن لابد من تقديم خطة إصلاح حقيقية وأساسها معالجة عجز الموازنة وكيفية مواجهته، ومصر تقدمه عبر قانون القيمة المضافة والحكومة تقول إنها ستدخل 30 مليار جنيه مصري، حسبما توضح "الحماقي".
مخاوف سلبية
الفقراء والطبقة الوسطى، هم الفئات التي سيطالها الإجراءات التي ستفرضها الحكومة تباعًا لتنفيذ البرنامج الإصلاحي، حسبما يرى الخبراء الاقتصاديين، ومن ثم فعلى الحكومة أن تضمن تنفيذ برنامج للحماية الاجتماعية الجاد حتى لا تتدهور الاوضاع الاجتماعية، والعمل على حل أزمة التضخم قبل تنفيذ هذا البرنامج.
يعتقد مستشار صندوق النقد السابق أن للقرض أضرارًا اجتماعية؛ فهناك زيادات في الأسعار متوقعة حال عدم محاربة التضخم قبل تنفيذ البرنامج الإصلاحي، ولابد من الهبوط بالمعدل إلى أقل من 10 في المئة، بعد ارتفع لأكثر من 14 في المئة في يونيو الماضي طبقًا لتقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، مقترحًا أن يبدأ العمل على علاج الاختلالات المالية في 18 شهر الأولى من تنفيذ البرنامج، ثم السعي لفرض الإصلاحات الهيكلية تدريجيًا خلال الفترة اللاحقة، والتركيز في إنهاء شبكة الحماية الاجتماعية للفقراء الذين ستلمسهم بفداحة هذه الإصلاحات.
ويقول رشاد عبده لمصراوي: " لابد أن أتخوف من وضع الفقراء في ظل قرض النقد، الصندوق عاوز يضمن فلوسه، وبالتالي يضع شروطًا قاسية، وهناك عجز في الموازنة، ولا نوفيّ الاحتياجات الرئيسية"، مضيفًا: "كانوا يقولون في البداية أن الشروط تشمل تخفيض قيمة العملة، ورفع الدعم عن المحروقات، وإيقاف التعيينات في الدولاب الحكومي، لكنه طوّر نفسه وبدأ الحديث عن بيع القطاع العام والاستدانة، وضغط المصروفات الحكومية.. هذه إجراءات لا يتحملها الفقراء!".
وتوضح يمن الحماقي أن من الطبيعي أن يكون للشروط تأثيرات اجتماعية سلبية، وهذا دور الحكومة مع المجتمع المدني، فالتعامل مع القضايا الاقتصادية الاجتماعية بحاجة إلى إعادة نظر في مصر. دائمًا الحلول لهذه الحكومة مرتبطة بالجانب المالي وليس الحقيقي في الاقتصاد، صحيح أن هناك إنجازات، ولكن نحتاج أن تكون الانجازات في الجانب الاقتصادي الاجتماعي أكثر قوة، واستهداف الفقراء وتكوين شبكة حماية حقيقية.
وتختتم الحديث بالقول: "الحكومات تتحدث عن خفض العجز عن طريق تقليل الدعم، ولهذا فسمعة الصندوق سيئة فيما يتعلق بالبعد الاجتماعي".
فيديو قد يعجبك: