إلغاء "الديانة" من الرقم القومي.. تعزيز للمواطنة أم انتهاك للقانون؟
كتبت ـ هاجر حسني:
بعد وصف البعض له بالمقترح الإيجابي لدعم عدم التمييز وتحقيق المواطنة، ووصف البعض الآخر بأن توقيت خروج المقترح غير موفق، أثير الجدل حول مقترح قانون إلغاء خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي بداية من البرلمان باقتراح النائب علاء عبد المنعم، عضو مجلس النواب، و60 نائبًا، لقانون منع التمييز وإلغاء الديانة، وحتى على مستوى الرأي العام، ومن ثم قررت لجنة الشؤون التشريعية إحالة القانون إلى الحكومة للتعرف على ردها.
خطوة رمزية
ترى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن حذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي مقترح إيجابي جدير بالتأييد، وكما جاء في مداخلة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في ورشة العمل التي عقدها المجلس القومي لحقوق الإنسان العام الماضي لمناقشة المقترح، فإن حذف خانة الديانة يعد خطوة رمزية تبعث برسالة هامة للمواطن مفادها حياد الدولة تجاه معتقده الديني في تعاملاته اليومية معها والتي لا تتطلب الكشف عن معتقده الديني، قائلة إن مقترح الحذف لا يجب أن يناقش بمعزل عن التوتر الطائفي المتصاعد في المجتمع والذي لا تخطئه عين. فأحد التجليات الظاهرة لهذا التوتر يتمثل في الشعور المتنامي لدى الغالبية المسلمة –بصرف النظر عن صحة هذا الشعور – بأن كل خطوة تتخذ لتقليل التمييز ضد المصريين من غير المسلمين تعد خصماً من حقوق المسلمين، وتدليلاً لغيرهم تحت ضغوط خارجية.
كما أنه في ظل هذا الشعور، بحسب المبادرة، فإن التوجه نحو حذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي قد يتعرض لإساءة تفسيره من جانب قليل أو كثير من أبناء الغالبية المسلمة بما يؤدي بالمقترح إلى تعميق المشكلة الطائفية من حيث أراد معالجتها. ولا يعني هذا الدعوة إلى صرف النظر عن المقترح، بقدر ما ندعو إلى دراسة المقترح في سياقه الاجتماعي والسياسي والاعتناء بطريقة تقديمه – في حال الأخذ به – إلى المجتمع مع النظر إلى الآثار المحتملة بعيدة المدى.
وتابعت: "الخطوة التي وصفتها المبادرة بالرمزية بدراسة لمقترح حذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي لن تساعد في إنهاء الانتهاكات المرتبطة بإثبات الديانة في الأوراق الرسمية. فالمصريون البهائيون حالياً لا يتمكنون من الحصول على جوازات سفر – رغم أنها لا تحتوي على خانة الديانة – إلا بتدخل مباشر من المجلس القومي لحقوق الإنسان في كل حالة على حدة وبالاتفاق مع وزارة الداخلية لتيسير حصولهم على الجوازات". كما يخضع البهائيون حالياً لنظام شاذ يؤدي بهم إلى الاضطرار لاستخراج جوازات سفر للرضع والأطفال من أجل تطعيمهم أو إدخالهم للمدارس بسبب عدم تمكنهم من استخراج شهادات ميلاد. كما أن بطاقات الرقم القومي لن تحل للبهائيين مشكلات استخراج شهادات وفاة لموتاهم في ظل إصرار الدولة على تغيير ديانة المواطنين حتى بعد وفاتهم.
وتشير المبادرة إلى مشكلة أخرى تتعلق بحالة الانتهاكات المرتبطة بتغيير الديانة وإثبات هذا التغيير في السجلات الرسمية. فالمشكلات التي يواجهها كل من المتحولين من الإسلام للمسيحية، والعائدين للمسيحية بعد الإسلام، وأبناء المتحولين إلى الإسلام لا ترتبط بعدم تمكنهم من الحصول على بطاقة الرقم القومي أو إثبات معتقدهم فيها، وإنما تكمن المشكلة في كونهم مسيحيين في الحقيقة ومسلمين في نظر الدولة. والمشكلة هنا لا تقتصر على الإكراه على الدخول في الإسلام أو البقاء فيه، وإنما تتجاوز ذلك إلى تقييد حريتهم في الزواج من مسيحيين (خاصة في حالة النساء)، وعدم تمكنهم من تسجيل أطفالهم كمسيحيين، وإجبار أطفالهم على دراسة الدين الإسلامي في المدارس، وخضوعهم لقوانين الأحوال الشخصية للمسلمين، إلى غير ذلك من ازدواجية تمنع هؤلاء المواطنين من إقامة حياة طبيعية دون أي مبرر أو فائدة لأحد. المشكلة هنا هي الديانة المثبتة في السجلات الرسمية وليس في الديانة الظاهرة في البطاقة. متسائلة "فكيف سيحل حذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي هذه المشاكل؟".
تعارض
إن وجود خانة الديانة في بطاقة الرقم القومي هي شكل من أشكال التمييز بين المواطنين على أساس الدين وهو ما يخالف الماده 53 من الدستور المصري التي تنص على أن المواطنون لدى القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض، هكذا رأى نجيب جبرائيل، رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان، قائلا إن وجود خانة الديانة في البطاقة هو مخالف للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وقعت عليه مصر والمواثيق الدولية الذي يلزم الدستور المصري احترامها والالتزام بها.
ووجود خانة الديانة في بطاقة الرقم القومي من وجهة نظر جبرائيل، يترتب عليه من الناحية العملية مشكلات تؤدي إلى احتقان طائفي بسبب استغلال البعض لوجود هذه الخانه وخاصة من قبل بعض رجال الأعمال وأيضا من بعض من هم بأيديهم اتخاذ القرار في بعض المناصب العليا ومن هذه الأمثلة والممارسات العملية البغيضة، قيام فرع من مطعم شهير بشبرا الإعلان عن وظائف وكتب في آخر الشروط (نعتذر للأخوة الأقباط)، استغلال بعض ضعاف النفوس من ملاك العقارات المسيحيين لعدم قبول إسكان مواطنين مسلميين في عماراتهم، بسبب وجود هذه الخانه لم يتم تعيين حتى الآن أستاذ أمراض نساء قبطي في جميع الجامعات المصرية.
وأشار جبرائيل إلى أنه ربما يتخوف البعض وخاصة من الرافضيين من علماء الأزهر من أن إلغاء خانة الديانة ممكن أن يتسبب من زواج مسيحي بمسلمة، قائلا إن هذا غير صحيح لأن المسيحي لابد من يحضر شهادة من الكنيسة بخلو الموانع تؤكد ديانتهه، أما التخوف الثاني الخاص بالمواريث فمردود عليه بأنه يوجد قانون واحد يطبق في مصر على المسلمين والمسحيين بشأن المواريث وهو الذكر له ضعف حظ الانثيين عند اللجوء للقضاء، بحسب قوله.
من جانبه، رفض حافظ أبو سعدة عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان الدعوات بإلغاء خانة الديانة من البطاقة الشخصية في هذا التوقيت لما سيثيره من المشكلات وكما أنه لن يساعد في حل أزمة التمييز، قائلا في أحد اللقاءات التليفزيونية، أنه سيؤدي على سبيل المثال لصدامات اجتماعية شديدة بين الأسر خاصة في قضية الزواج.
فيما قال محمد أبو حامد، عضو مجلس النواب، إن الدستور أكد على حق المواطنة ووضع آليات مكافحة التمييز، وأن إلغاء خانة الديانة يترتب عليه اعتبارات في الأمور الاجتماعية كالزواج والعمل، مضيفا خلال مداخلة هاتفية بأحد البرامج التليفزيونية، أنه يؤيد إلغاء خانة الديانة إذا لم يترتب عليه خلل قانوني وذلك بالرجوع إلى المتخصصين.
موقف قانوني
وفيما يخص موقف المقترح القانوني، يقول المستشار رفعت السيد، رئيس محكمة الجنايات السابق، إن إضافة خانة الديانة بالهوية الشخصية للتعريف فقط مثله كمثل خانة الحالة الاجتماعية والوظيفة وأن إلغاؤها لن يخل بأية قوانين لأن هذه قرارات صادرة من السجل المدني ومن حقه أن يصدر قرارا بإلغاءها وقتما يشاء.
ولكن في وجهة نظر السيد فإن إثارة مثل هذه المقترحات حاليا لاحاجة له، خاصة وأن خانة الديانة ليست فقط هو سبب وجود تمييز بين الأشخاص، لافتا إلى أنه ليس كل ما يقترح ينفذ وأن المسيحيين أنفسهم رغم مشكلات عديدة حدثت على مر سنوات طويلة لم يطالبوا بمثل هذا القانون، وهناك مشكلات أكبر لابد من الإلتفات لها.
من جانبه، قال المستشار عبد الفتاح حجازى، نائب رئيس مجلس الدولة، إن المشروع الخاص بإلغاء خانة الديانة من البطاقة الشخصية فى البرلمان، ليس وقته على الإطلاق، لأن هناك أمور تتعلق بالنظام العام داخل الدولة، مستقرة فى وجدان الشعب المصرى تكونت عبر عقود من الزمن، ولا يجب على الإطلاق التدخل فيها.
وأشار حجازي في مداخلة هاتفية بأحد البرلامج التليفزينوية، إلى أن مشروع إلغاء خانة الديانة من التشريعات المخربة للدستور، مناشدا أعضاء مجلس النواب، ضرورة التنبه إلى أن هناك مسائل ملحة قبل تغيير الديانة، على رأسها مشكلة أعداء مصر الذين يتربصون لها فى الحرب الاقتصادية والقضاء على البطالة وغيرها من المشكلات الأخرى.
وأوضح نائب رئيس مجلس الدولة، أن الموروث أو الوجدان به بعض المفاهيم الخاطئة، فليس من الأولى أن أتولى تصحيح هذه المفاهيم قبل أن أقوم بتغيير القوانين، لاسيما هناك بعض القوانين تشدد فيها العقوبة ويصر الجانى على ارتكاب ذات العقوبة، متسائلًا "هل تشديد عقوبات المخدرات أدى إلى منع الاتجار بالمخدرات؟" وأجاب قائلًا:"بالطبع لا".
حلول مقترحة
وترى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن الحل المثالي ربما يكون في تخيير المواطنين في إدراج ديانتهم في بطاقة الرقم القومي من عدمه، وبذلك ضمان حق المواطنين في الخصوصية والحرية الشخصية. إلا أن هذا الحل لا يكتمل دون إلزام مصلحة الأحوال المدنية بوزارة الداخلية بتنفيذ القانون دون اجتهاد، وذلك عبر إدراج المعتقد الحقيقي للمواطن في السجلات الرسمية للمصلحة والتي يترتب عليها تحديد قواعد الأحوال الشخصية واجبة التطبيق، دون أدنى تدخل أو إكراه.
فيديو قد يعجبك: