بالصور- "مدينتي".. مدينة الدخان والحوائط المشروخة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
كتبت- علياء رفعت:
تصوير- إسلام فاروق:
الشروخ تنتشر فى الشقق.. والصرف الصحى يفسد المكان.. والسُكان: "خاطبنا كُل الجهات بلا جدوى، وننتظر حُكم القضاء"
"مدينة عالمية على أرضٍ مصرية" عبارةٌ ملونة زينت - إلى جوار شعار المدينة - مجموعة من الأتوبيسات البيضاء التي تنقل المئات يوميًا من وإلى داخل "مدينتي"، تلك التى رُوِّج لها باعتبارها حُلما بحياةِ الرفاهية في مجتمعٍ عُمراني جديد بعيدًا عن زحام القاهرة الخانقة بحوالي 33 كليومترا، لكن أرض الواقع داخل المدينة بدت مختلفة تمامًا عما تعلنه الشركة المالكة "مجموعة طلعت مصطفى" بوسائل الإعلام.
شروخٌ تنتشر فى عدد كبير من الوحدات السكنية داخل المدينة، حتى وصل الأمر ببعض السُكان إلى القول إنهم يستيقظون يوميًا وبداخلهم رُعب من انهيار العقار الذي يسكنون به في أى لحظة.كانت تلك هى المعلومات الأولية التى تحرك "مصراوي" على إثرها لاستكشاف الأوضاع بالمدينة، لنُفاجأ بوابلٍ من المشاكل الجسيمة التى تنغص حياة السُكان هُناك بعد أن هدمت حُلمًا دفعوا من أجله الملايين.
داخل المدينة استقبلنا "عبدالوهاب محمد" أحد سُكان مدينتي.يطلق عليه البعض "العُمدة" نظرًا لاهتمامه بمشاكل السكان.عقب مرور نحو نصف ساعة من الحديث عن المشاكل التى يواجهونها التقينا "عبير محمد"، إحدى المُتضررات من الشروخ التى أصابت شقتها.
مُنذ عامين تلقت عبير تليفونًا من الشركة يدعوها لتسلم شقتها ولكنها حين توجهت إليها ارتابت من شقوق رأتها بالحوائط وقامت بتصويرها لتعرضها على المُختصيين، بعد أن أخبرها العاملون في الشركة أن تلك الشقوق "مجرد تنميل بسيط في الحيطة"، لكنها لم تقتنع فتوجهت لأحد المكاتب الهندسية لتطلب استشارة ومعاينة أحد كبار المهندسيين في الأمر.
"العمارة دي لو في حتة محترمة لازم تتساوى بالأرض" تلك الكلمات كانت خُلاصة تقرير الاستشاري الهندسي بعد مُعاينة الوضع، وقال لعبير إن العمارة التى توجد بها شقتها لن تتهدم بسبب الشروخ ولكنها لن تعالج وستعاود الظهور بعد كل ترميم لأن التُربة المُقام عليها البناء هى بالأصل تربة "انتفاشية/طَفلة"، هذا النوع من التُربة يمتص المياه باستمرار فيتسبب فى هبوط أساسات المباني وظهور الشروخ بشكل دائم.
الاستشاري الهندسي بعد مُعاينة الوضع: "العمارة دي لو في حتة محترمة لازم تتساوى بالأرض"
بعد تلك المُعاينة توجهت عبير لإدارة التسليمات بالمدينة لتُخطرهم بوجود المُشكلة التى أقروها بالفعل، لكنهم رفضوا طلبها استبدال الوحدة بغيرها، وقدموا لها ضمانا لمدة 20 عامًا يفيد بأنه في حال حدوث أى نوع من أنواع الشروخ بالشقة عقب ترميمها من قِبل الشركة، تتولى الأخيرة توفير شقة غيرها لعبير وأسرتها ينقلونهم إليها ريثما تعالج مرة أخرى.. وهكذا.
"رحت عملت إثبات حالة في قسم التجمع الأول ورفعت عليهم قضية"، قالتها عبير لتوضح الإجراءات القانونية التى بدأت اتباعها ضد الشركة، وكان ثاني خطواتها طلب استشارة من مركز البحوث والبناء الذي سَلمها تقريرا حول حالة الشروخ لترفقه بالقضية التى رفعتها بهدف تبديل شقتها بأخرى توازي القيمة الشرائية التى دفعتها بالأولى؛ 2 مليون جنيه.
عدسة "مصراوي" رصدت شروخ بمختلف الوحدات السكنية في أحياءٍ متفرقة بالمدينة
منذ عِدة أشهر، وعقب انقضاء عامين من اكتشاف عبير تلك المشكلة، قامت الشركة ببعض الترميمات لعلاج الشروخ الموجودة بالعقار أملًا في أن توقع عبير عقد الاستلام وتتنازل عن قضيتها، لكنها أكدت أنها لن تفعل فهى ليست الحالة الأولى أو الأخيرة التى تعاني من تلك المشكلة، حيث رصدت عدسة "مصراوي" العديد من الشروخ بمختلف الوحدات السكنية في أحياءٍ متفرقة بالمدينة والتى استجار سُكانها مُرددين "الشركة ضحكت علينا، وناس كتير رفعوا قضايا وخدوا تعويضات، بس احنا معندناش بديل نتنقله بعيالنا خصوصًا إننا اكتشفنا الشروخ بعد توقيع العقود وده خلى الشركة تخلي مسؤوليتها".
ويؤكد "هاني يونس"، المتحدث الرسمي باسم وزارة الإسكان، أن الوزارة ليست جهة اختصاص لمشاكل الشروخ المتواجدة بالمدينة مُشيرًا إلى أن العقد شريعة المُتعاقدين، وأن سكان المدينة لم يتعاقدوا مع وزارة الإسكان بل مع الشركة المالكة "طلعت مصطفى". ونفى يونس معرفته بأىٍ من الشكاوي التى تقدم بها سكان "مدينتي" للوزارة حول ما يعانونه، بينما أكد أن عليهم تقديم هذه الشكاوى لدى "جهاز التفتيش الفني على أعمال البناء" والذي سيرسل بدوره مهندسين لمعاينة الوضع واتخاذ الإجراءات اللازمة.
بالقُرب من منزل عبير، وعلى بُعد أمتارٍ قليلة منه يقع "نادي مدينتي الرياضي"، ذلك الذي رفضت إداراته تجديد عضوية "عبدالوهاب" وأسرته رغم سدادهم قيمة الاشتراك المُنفصلة كاملةً. واشترطت الإدارة لتجديد العضوية سداد فروق الصيانة التى لم ينص عليها تعاقدهم مع المدينة، ففي العقد الذي يوقعه كُل السُكان يتعهدون بدفع "وديعة الصيانة" لتصرف الشركة من أرباحها على أعمال الصيانة وتجديد المدينة.
امتنع عبدالوهاب شأن الكثيرين عن دفع تلك الفروق غير القانونية خاصةً أن الميزانية المُعلنة من قِبل الشركة في العام المنصرم عن مصروفاتها "خيالية" كما يصفونها في ظِل عدم وجود خدمات تتطلب تلك المبالغ الباهظة. وفي محاولة منه لتغيير الأمر الواقع الذي منعه وأسرته من الاستفادة بخدمات النادي؛ توجه إلى مدير الإدارة بالنادي ليُناقشه في الأمر- بعد أن تواصل مع مدير الشؤون القانونية بشركة (طلعت مصطفى) ليؤكد له أن ما حدث معه غير قانوني ولكنه لا يملك صلاحيات تغييره- فما كان من مدير النادي إلا أن أخبره أن ذلك القرار لا تراجع عنه قائلًا: "البلد بلدنا والحكومة والشرطة بتوعنا، أعلى ما في خيلك اركبه، أو ادفع فروق الصيانة".
وحسب التقرير الذي يشمل مصروفات"مدينتى" لعام 2016 فإن الشركة المالكة انفقت 61 مليون جنيه للأمن والحراسة، و29 مليونا لصيانة المرافق العامة والشبكات، و27.5 مليون لحماية البيئة والنظافة والتشغيل، و40 مليونا لاستهلاك المياه للمسطحات العامة، و20 مليونا و700 ألف لزراعة الحدائق العامة، و23 مليونا للاستهلاك العام للكهرباء.
أثناء تجوّل "مصراوي" بين أحياء المدينة المختلفة؛ رصدنا واقعًا مُختلفًا بعدستنا يشكو السكان أنه لا يتناسب مع حجم المصروفات التى أنفقتها الشركة في العالم المُنصرم، ما دفع بعضهم للامتناع عن سداد فروق الصيانة التى طُلِبت منهم.
"رشح" مياه الصرف يُلطخ حوائط العمائر ويصنع بُقعًا بفعل تسرب المياه من المواسيير
جميع أعمدة الإنارة مُضاءة نهارًا، الشروخ تنتشر في الواجهات الخارجية لأغلب البنايات، "رشح" مياه الصرف يُلطخ حوائط العمائر ويصنع بُقعًا بفعل تسرب المياه من المواسيير، أغلب الحدائق العامة صفراء غير مزروعة، وتُغطي "النجيلة" الصناعية بعض الحدائق المتواجدة في أماكن متفرقة. فيما تنساب المياه من المواسير على الأرض الصخرية في إهدارٍ واضح للمياه التى لا تروي الحدائق رغم ذبول زرعها بفعل الإهمال. بالإضافة لذلك فإن حوادث السرقة مُتكررة بصفة دائمة. ووفق "أمل" -إحدى ساكنات المدينة- فإنه عقب إبلاغ الشرطة وتحرير العديد من المحاضر تم اكتشاف هوية اللصوص الذين اتضح أنهم عُمال أمن. تقول أمل بُحزن "حقهم يعملوا أكتر من كده ما هو لو في كاميرات مراقبة في المدينة كانوا ارتدعوا، لكن حِسنا اتنبح عشان نركبها، ولما اتكرموا علينا حطوها علي البوابة بس".
"احنا مش معترضين ندفع، بس نفهم الأول فلوسنا بتروح فين وسط الإهمال ده" كلماتُ بسيطة لخص بها عبدالوهاب موقفه وكل من امتنع عن دفع زيادات الصيانة المُقررة، شارحًا أن الشركة اتخذت ضدهم العديد من الإجراءات التعسفية منها منعهم من استخدام "الأسانسيرات" عبر تركيب جهاز صغير داخل كُل مصعد لا يسمح للسُكان بالاستخدام إلا بكارتٍ ممُغنط، لا يحصل عليه سوى دافعي تلك الزيادات. مُضيفًا أن تلك الأجهزة أصبحت تتسبب في تعطيل المصاعد بشكل دوري حتى أن أحد أطفال الجيران احتجز بأحد المصاعد لمدة ساعة وسط حالة من الصراخ المتواصل وانهيار والدته.
على مقرُبةٍ من البوابة الخلفية للمدينة، انتشرت رائحة حريق، بينما لاح دُخانٌ كثيف في الأفق فعَمدنا إلى تتبُع مصدر تلك الرائحة، لنكتشف أن إدارة المدينة تحرق المُخلفات الزراعية على مسافة أقل من 200 متر من البوابة الخلفية، بدلًا من نقلها إلى مكانٍ آمن للتخلُص منها دون أن يتضرر السكان، وبحسب "عبدالوهاب" –أحد السُكان- كانت الشركة تحرق تلك المخلفات في السنوات الماضية عِند بوابة "2"، وعقب تحرير السُكان العديد من المحاضر بأقسام الشرطة لتضررهم الشديد، نقلت الإدارة -حتى لا تتعرض للمساءلة القانونية- مقر حرق هذه المُخلفات إلى خارج البوابة الخلفية بأمتار قليلة تسمح للدخان ورائحة الحريق بتغطية سماء المدينة ما يصيب السكان بالاختناق وعدم القدرة على التنفس بانتظام دون سُعال.
ويقول الدكتور"أحمد رخا"، رئيس قِطاع الفروع والإدارة المركزية للتفتيش والالتزام بوزارة البيئة، إن الحرق المكشوف للمخلفات الزراعية أو البلدية "القمامة" مُجرَّم بنص المادة 37 من قانون البيئة، وتصل وِفقها عقوبة ارتكابه إلى الحبس ودفع غرامة حدها الأدنى 5 آلاف جنيه، والأقصى 100 ألف. ويوضح رخا أن حرق هذه المخلفات على مقرُبة من منطقة مأهولة بالسُكان من شأنه أن يسبب أمراض الصدر، والاختناقات خاصة من يعانون حساسية الصدر.
وعن كيفية التخلص من تلك المُخلفات الزراعية بشكلٍ آمن يقول رخا: "يتم التعاقد مع الشركة المصرية لإعادة تدوير المخلفات الصلبة أو احدى الشركات الوسيطة المتعاقدة مع مصنع "لافارج" للأسمنت لكي تورد إليها المُخلفات الزراعية حيث يتم تقطيعها، وكبسها واستخدامها في مزيج الطاقة الذي يقوم بدور الوقود في تدوير مصانع الأسمنت"، مُضيفًا إن حرق المخلفات الزراعية بهذه الطريقة يعد "إهدارا".
ويقول "وائل الديب"، نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة طلعت مصطفى، إن بعض البنايات في المدينة التى لا تتجاوز نسبتها 2% هى التى تعاني من وجود شروخ في وحداتها السكنية لطبيعة التربة الصحراوية التى تمتص المياه باستمرار، وأن الشركة تعمل على تعويض أصحاب هذه الوحدات أو نقلهم إلى وحدات أخرى لحين الانتهاء من معالجة الشروخ.
وأكد الديب أنه ليس لدية عِلم بحرق المخلقات الزراعية داخل المدينة أو خارجها، وأن الشركة ستحقق في الأمر وإذا ثبُت أن أحد مقاولي الباطن الذين يعملون لدى الشركة ضالع في الأمر، سيجرى إبعاده.
نائب رئيس مجموعة طلعت مصطفى: الشروخ نتيجة التربة الصحراوية..وسنحقق في الأمر
وفيما يخص منع السكان الذين رفضوا دفع فارق الصيانة من تجديد عضوياتهم بنادي المدينة، يقول الديب: "جميع مرافق المدينة تُعد شبكة واحدة غير منفصلة، وتلك الزيادات مُستحقة لأن النادي يستهلك المياه والكهرباء التى يسدد عن استهلاكها للشركة المالكة وبالتالي المُستفيدين منه والمشاركين فيه عليهم دفع فارق الصيانة لتمتعهم بتلك الخدمات داخله".
"دي شركة سيئة، هو احنا رفعنا عليهم قضايا من شوية" هكذا لخصت "أمل فراج" سوء الأحوال والنِزاعات التى يخوضها السكان مع الإدارة باستمرار لسوء الخدمات وقطع الوعود دون تنفيذ، حتى أنها أصبحت تُحسبن عليهم ليل نهار لضياع أموالها التى جمعتها في ثلاثين عامًا من الغُربة لتشتري بها شقة في مدينة الأحلام "مدينتي" فتؤمن لها شيء من الرفاهية لكن ما حدث كان عكس ذلك تمامًا "لا دفنت أمي ولا أختى بسبب الغربة عشان القِرش، ولا عشت حياة مرتاحة واتضحك علينا في تحويشة العُمر اللي ضاعت على شقة من غير أى خدمات من اللي اتوعدنا بيها".
فيديو قد يعجبك: