"البيع بسعرين".. مصراوي يرصد أزمة الصيدليات: "الصحة سابتنا في وش المدفع"
كتب: مصطفى فرحات وبيتر منير
في بداية الشهر الجاري، تفاجئ أحمد عبدالإله صيدلاني، باقتحام قوات الأمن صيدلية "هيثم ومحمد"، التي يعمل بها والتي تقع في شارع عبدالخالق ثروت بمنطقة وسط البلد، بعد تلقيها بلاغا من "عضو بهيئة قضائية" يتهم إدارة الصيدلية ببيع أحد العقاقير الطبية بغير سعرها الأصلي، واقتادت قوات الشرطة كل من في الصيدلية إلى قسم الشرطة، أغلقت الصيدلية بسبب تطبيقها قرار "البيع بسعرين".
و"البيع بسعرين" قرار أصدرته وزارة الصحة، بعد رفع شركات الأدوية الأسعار بشكل مفاجئ لتعويض فروق أسعار الدولار بعد التعويم، ما أوقع الصيدليات في عدة مشاكل مع المواطنين والمرضى، خصوصا بعد اضطرار البعض لبيع الأدوية القديمة بالسعر القديم، والجديدة بالسعر الجديد الأعلى. ودفعت هذه الواقعة مجلس نقابة الصيادلة للدعوة لاجتماع طارئ للجمعية العمومية لمناقشة الوضع وسبل الرد عليه.
"مصراوي" قام بجولة في العديد من الصيدليات للوقوف على المشاكل التي يتعرض لها الصيادلة والمواطنون على حد السواء بسبب تطبيق قرار البيع بسعرين..
بداية جولتنا كانت بـ"صيدلية سمير"، وهى واحدة من الصيدليات الموجودة في منطقة "أبو قتادة" بالجيزة في الجانب الخلفي لمحطة مترو"جامعة القاهرة". داخلها، جلس شاب ثلاثيني هو نفسه مالك الصيدلية.
يقول الدكتور"محمد سمير" إن بعض الصيدليات تضطر حاليًا أن تبيع بالسعر الجديد فقط، رغم أن الشركات الموزعة تبيع لهم بعض الأدوية بأسعارها الجديدة، والبعض الآخر بالأسعار القديمة كما هي. ويضيف "احنا لما بنزود بنلتزم بالسعر المكتوب على علبة الدواء، لأن ما ينفعش أبيع بغير السعر المكتوب، وفي نفس الوقت احنا عندنا سيستم كومبيوتر، فما ينفعش أخلط ما بين السعر القديم والجديد، وأنا أخاف أعمل حاجة زي كدا، لأن ممكن يكون فيها خطر على الصيدلية".
اعتاد "محمد سمير" يوميًا أن يقوم بمحاولات إقناع لزبائنه الذين لم يعرفوا بعد بإرتفاع أسعار الأدوية، فيحاول جاهدًا أن يؤكد لهم أنه ليس المسؤول عن إرتفاع أسعارها، وأنه يلتزم في عملية البيع بالسعر المكتوب على علبة الدواء "فيه اللي بيصدق وفيه اللي ما بيصدقش، وبيسيبني ويدور على صيدلية تانية". ويكمل الشاب الثلاثيني حديثه قائلًا "الناس بتدعي عليا كأني أنا المسؤول عن إرتفاع سعر الدواء، أو بيعه بسعرين".
على رأس أحد الحواري الضيقة، وعلى بُعد عِدة أمتار من صيدلية "سمير" تقع صيدلية "الحرمين". والتي يروي أحد العاملين بها -كريم أحمد- ما يواجهونه بسبب تلك المشكلة "دلوقتي أنا عندي نفس الدواء بسعرين، ممكن واحد ياخد من الصيدلية اللي جمبي بالسعر القديم، فيجيلي وتكون الكمية المتاحة بالسعر الجديد، فساعتها بيزعق ويقول لي ما أنا جايب من الصيدلية الي جمبك بسعر أقل".
ويستكمل كريم حديثه قائلًا "أنا الأول بحاول أخلص من القديم، بخليه في الأول بحيث أسحب منه على طول. ورغم إن السعر الجديد بيكون مكتوب على العلبة، بس الناس مبتقتنعش لأنهم مفكرين إنك بتزود عليهم، الناس غلابة مش مستحملة الغلاء".
ويوضح الشاب العشريني، إن هناك بعض الأدوية التي يطلب منه صاحب الصيدلية أن يقوم ببيعها بسعرها الجديد رغم وجود السعر القديم عليها، فيجد صعوبة كبيرة في إقناع زبائنه أن تلك الادوية خارج نطاق التسعيرة، وفي المقابل يواجه تذمرًا وغضبًا من زبائنه "كل شوية ناس بتدخل تتخانق معايا،وبعضهم بيشتمني ويدعي عليا، وأنا ذنبي إيه هو أنا اللي غليت الدواء" قالها كريم ضاحكًا.
يبدي "كريم" احتجاجه على السياسة الناعمة التي تتعامل بها "نقابة الصيادلة" مع الأزمة، ويضيف بنبرة غاضبة "الشركات عملت اللي في دماغها، ووزارة الصحة مشيت وراهم وسابونا احنا في وش المدفع".
ومن أبو قتادة لفيصل، لم يختلف وضع الصيادلة، أو المرضى كثيرًا، فيقول "مصطفى علي" صاحب إحدى الصيدليات بالمنطقة "عندنا فعلًا سعرين للدواء، القديم ببيعه بالسعر والجديد بالسعر الجديد، لكن في الأغلب ببيع بالجديد، لأن هو اللي موجود أكتر دلوقتي، وعليه سحب أكتر من القديم، بس بحاول أسحب من القديم لأنه لازم يخلص علشان مدة صلاحيته".
"مصراوي" يرصد بيع الدواء بسعرين داخل الصيدليات
ويستكمل "مصطفى" حديثه قائلًا أنهم يواجهون السُباب والشتائم طوال الوقت من الناس بسبب التغير المستمرفي أسعار الدواء والاختلاف ما بين الأسعار القديمة والجديدة، بينما يوضح "مش متوقع إن نقابة الصيادلة هياخدوا أى رد فعل يوقفوا بيه اللي بيحصل ده، هم بيعملوا كدا علشان عاوزين يهدوا اللعب مش أكتر".
و تقول "رشا زيادة" رئيس الإدارة المركزية لشئون الصيادلة بوزارة الصحة، إنه لا توجد أزمة في بيع الدواء بسعرين، بعد قرار تحريك أسعار 3 آلاف و10 أصناف منتصف يناير الماضي، وتشديد وزير الصحة على بيع الأدوية التي سبق إنتاجها قرار الزيادة، بأسعارها القديمة.
وأضافت زيادة في تصريحات لمصراوي "لا يوجد أزمة بيع بسعرين، والقرار مطبق من شهرين ونص وفيه هدوء، كما أنه غير مسموح بطمس أسعار الأدوية". وشددت رئيس إدارة الصيدلة أن بعض المشاكل التي حدثت عقب تنفيذ القرار "سلوك فردي"
فيما انتقدت نقابة الصيادلة البيع بسعرين، وأكدت أنها تؤثر على اقتصاديات الصيدليات، كما دعا مجلس نقابة الصيادلة أعضاء النقابة لعقد جمعية عمومية يوم 28 أبريل المقبل لمناقشة الأزمة.
المعاناة لم تتوقف عِند الصيادلة ولكنها امتدت أيضًا لتشمل المصابون بالأمراض المزمنة والذين يستهلكون أنواع عديدة من الدواء بشكل دوري. "كريمة محمد" السيدة الخمسينة كانت إحدى هؤلاء الذين يعانون، بينما ازدادت معانتها بتطبيق قرار البيع بسعرين "أنا حاليًا بشتري أدوية العضم بالأسعار الجديدة، وكل أما أروح أشتري دواء بديله الروشتة مبيقوليش سعر جديد وقديم، بيقولي أسعار الأدوية غليت زي ما أي حاجة غليت في البلد، وأنا علشان معايا شهادة بحاول أتأكد من السعر المكتوب على العلبة قبل ما أشتري".
"احنا حاليًا بنبيع القديم بالقديم والجديد بالجديد" قالها "هاني محمد" أحد العاملين بصيدلية "دكتورة إيناس" بمنطقة بولاق الدكرور، مؤكدًا أن أسعار الأدوية ارتفعت بشكل ملحوظ وأنهم يحاولون طوال الوقت الالتزام بالأسعارالمكتوب على علب الأدوية رغم تفاوتها ما بين الجديد والقديم. ويضيف هاني "الناس لما بتيجي وتلاقي الأسعار كدا بتمشي ومبتشتريش،وأنا أخاف إني ما ألتزمش بالسعر المكتوب على العلبة فتكون مخالفة، حاجة بسعر قديم ما ينفعش تحط عليها سعر جديد، إنما العلب اللي نزلت بسعر جديد فأنا ببيعها بسعرها الجديد زي ما هي".
مواطنون: "الصيادلة مبيقولوش سعر قديم وجديد، وبيقولوا لنا الأدوية غليت زي أي حاجة في البلد"
ويستطرد هاني "مش متوقع جديد من اجتماع نقابة الصيادلة، ووزير الصحة مش عارف يعمل حاجة لأن دي سياسة حكومة، وما ظنش إن سعر الدواء ممكن ينزل تاني لأن اللي طلع ما بينزلش، بس مفيش حاجة بتغلى بنسبة 50% والناس ترجع تشتريها زي الأول".
تساؤلات عديدة طرحها دكتور فادي سعد صاحب صيدلية بالزمالك "لماذا لم تفرض الحكومة على محطات الوقود أن تبيع البنزين المخزن لديها بالسعر القديم؟ هل حكمت الدولة على تجار السيارات أن يبيعوا ما استوردوه قبل التعويم بالسعر القديم؟ هل حكمت على التجار أن يبيعوا السلع المستوردة قبل التعويم بسعرها القديم؟"
وأعرب فادي عن دهشته من قيام موزعي شركة إيبيكو للأدوية بتوريد تشغيلات حديثة للصيدليات رغم وجود تشغيلات قديمة بالسعر القديم لديها موجها رسالته لمجلس نقابة الصيادلة "نريد توحيد سعر البيع".
التخبط الذي أحدثه قرار البيع بسعرين لم يشمل الصيادلة والمرضى فقط ولكنه امتد لشركات الأدوية أيضًا. الأمر الذي يوضحه "ممدوح أحمد" أحد مناديب تلك الشرؤكات قائلًا "الحكومة لما قررت إنها تغلي الدواء، ساعتها الشركات عملت بضاعة جديدة قبل ما القديمة تخلص، احنا شركة توزيع الدواء بييجي لنا الدواء واحنا بنوزعه يعني مش احنا المتحكمين فيه، دايًما بنكون حريصين إننا نخلص البضاعة القديمة قبل ما الجديدة تنزل".
صيادلة: "وزارة الصحة مشيت وراء الشركات وسابونا في وش المدفع"
ويضيف ممدوح: "احنا كشركة ماشيين بالاتنين، فبنخلص من القديم مع الجديد لأن دا خسارة لينا لو سبناها، و بنزل البضاعة للصيادلة بالسعرين، يعني لو طلب دواء معين وعندي منه بالسعر القديم والجديد، بيطلب إنه ياخدها بسعرها القديم، ودا أفيد له لأنه لو حد جه يشتري ولقاها بسعر مخفض هيشتريها".
ويختتم ممدوح حديثه بأسى مُشيرًا ىإلى أن هناك العديد من الصيدليات التي لا تهتم سوزى بالربح المادي فقط "بنزلهم الأدويةدويةأ بالسعر القديم، وهما يبيعوها بالسعر الجديد، النوعية دي مش مهتمة بالمريض إنما مهتمة أكتر باللي في جيب المريض".
ويقول الدكتور"أحمد فاروق"، الأمين العام لنقابة الصيادلة، "احنا حاليًا بنحاول نقدم الميعاد بحيث يكوم 15 إبريل بدلاُ من 28 إبريل، لإنهاء حالة الجدل حول التسعيرتين، طبقًا لقانون التسعير الجبري". ويضيف "الدواء أمن قومي لا يتحمل هذه الفوضى العارمة التي تحدث في الصيدليات".
يكمل الأمين العام للنقابة حديثه قائلًا "سنطبق تسعير جبري واحد على كل الأدوية في مصر، خوفًا على أمن الدواء القومي والسلم الاجتماعي والذي يهدده وجود أكثر من سعر للدواء".
ويؤكد فاروق أن النقابة ستصدر قرارًا يطبق على جميع الصدليات، وأي صيدلية لن تلتزم بالقرار ستُحول إلى مجلس تأديبي فورًا، ويضيف "ما فيش مطالبات غير إننا نوحد سعر الدواء، والجمعية العمومية ستتخذ القرار من جانب واحد على مستوى مصر، والقانون أقوى ويشيد بكل قرار وزاري".
فيديو قد يعجبك: