بعد ضم "مجلس قيادة الثورة" للرئاسة.. حكاية 14 سنة ترميم لم ينتهِ
كتبت - نانيس البيلي
بعد 21 عامًا، عاد مبنى "مجلس قيادة الثورة" إلى "القصور الرئاسية" بقرار أصدره رئيس الجمهورية ونشرته الجريدة الرسمية، 10 إبريل الجاري، يقضي بضم المبنى التاريخي، مع استمرار اعتباره أثرًا وتسجيله في عداد الآثار الإسلامية والقبطية.
"مصراوي" زار المبنى التاريخي الذي شهد تشكيل مجلس قيادة الثورة وأهم اجتماعات زعمائها، لرصد وضعه الحالي.
داخل أحد الشوارع الراقية بمنطقة الجزيرة بمحافظة القاهرة، يقع مبنى "قيادة الثورة"، بجوار أحد الفنادق الشهيرة، ويقابله وحدة عسكرية للحرس الجمهوري. حالة من الهدوء تسود محيط المبنى، تقطعها أصوات ضجيج بين الحين والآخر وقت دخول وخروج عمال شركة المقاولين العرب المكلفة بترميمه.
وداخل كشك صغير يجلس مهندسو "المقاولين العرب"، يباشرون عملية الترميم، التي لم تنته إلى الآن رغم مرور 14 سنة على بدء الأعمال، فيما توحي آثار "تكسير" واجهة المبنى بأنه "أطلال".
"حرية، اشتراكية، وحدة".. 3 كلمات حفرت أسفل شعاري النسر المنقوشين على بابين صغيرين مجاورين للمدخل الرئيسي، باتت هي الشاهد الوحيد لمجلس قيادة ثورة 23 يوليو.
يقول "عم جمعة"، غفير وزارة الثقافة الذي يحرس المبنى منذ 23 عامًا: آخر زيارة من مسئول للمبنى كانت عام 2015، عندما حضر وزير الثقافة حلمي النمنم بعد توليه الوزارة بشهرين، وتفقد المبنى لدقائق ثم انصرف، ولا أتذكر زيارات أخرى خلال فترة خدمتي.
عملية ترميم المبنى بدأت منذ عام 2003 بإشراف وزارتي الثقافة والآثار، بحسب "جمعة"، إلا أنها توقفت بعدها بسنوات قليلة لنقص التمويل المالي، وظلت متوقفًة بعد ثورتي يناير ويونيو، وقبل 5 شهور استؤنفت مرة أخرى.
ظل المبنى فترة طويلة من الزمن في طي النسيان، حتى صدر القرار الرئاسي رقم 204 لعام 1996، بنقل تبعية مبنى مجلس قيادة الثورة من قصور الرئاسة إلى وزارة الثقافة، ليكون متحفًا لزعماء ثورة 1952، ليقوم بعدها فاروق حسنى، وزير الثقافة آنذاك، بإصدار قرار 422 بضم المبنى إلى المركز القومي للفنون التشكيلية "قطاع الفنون التشكيليّة حاليا"، وتشكيل لجنة لحصر مقتنيات المبنى.
يقول "جمعة": معظم المارة لا يعرفون المبنى أو تاريخه، وربما هذا السبب وراء عدم تعرضه لأية سرقات وقت الثورة بخلاف معظم المباني الأثرية: "وقت الثورتين محدش جه هنا ولا حد يعرف حاجة عنه أصلاً".
"لازم يجيلنا جواب رسمي بتسلم الرئاسة للمبنى".. يقول "جمعة" مضيفا أنه يتوقع أن يستمر أمن وزارة الثقافة في حراسة المبنى بعد أن تستلمه الرئاسة مثلما حدث مع متحف جمال عبد الناصر الذي تسلم أفراد الأمن به خطابا رسميا بضمه للرئاسة.
وأكد الرجل الخمسيني أن مقتنيات مبنى "قيادة الثورة" نقلت إلى مخازن وزارة الثقافة في سرايا النصر مع بدء عمليات الترميم، مشيرا إلى أنها كانت تضم صوراً للزعيم الراحل جمال عبد الناصر مع رؤساء العالم وخطابات لثورة 1952، وملابس للضباط الأحرار.
يقول "جمعة" إنه لا يعلم سبب اتخاذ القرار في ذلك التوقيت، لكنها في النهاية تعليمات الرئاسة "دي رئاسة الجمهورية منقدرش نتكلم ولا نعلق".
مهندس: نقص الميزانية سبب العطلة
"مشكلتنا في عدم وجود ميزانية لترميمه".. هكذا برر أحد المهندسين بشركة المقاولين العرب تعطل عملية ترميم المبنى واستغراقها 14 سنة دون أن تنتهي، ويضيف، بعد أن طلب عدم نشر اسمه: انتهينا من مرحلتين، وننفذ الآن المرحلة الثالثة وتشمل تركيب التكييفات.
قصة المبنى مع التعطل وتغير جداول المشاريع قديمة، أقدم من ثورة 23 يوليو نفسها، فقد بدأ العمل في بنائه بأمر من الملك فاروق الأول عام 1949، وكان الهدف من إنشائه أن يكون مرسا لليخوت الملكية، وما كاد العمل ينتهى فيه نهاية 1951، حتى نشب حريق القاهرة فى 26 يناير 1952، فظل مغلقاً إلى أن أدركته ثورة 23 يوليو عام 1952، واتخذه مجلس قيادة الثورة مقراً له.
"المقاولون العرب": المشكلة في الميزانية.. والفنون التشكيليّة: لم نبلغ رسميًا بضمه للرئاسة
وتعود أهمية المكان إلى كونه شاهداً على فترة تاريخية مهمة من تاريخ مصر بداية من الملك فاروق الذى أمر ببنائه ولم تطأه قدماه، مروراً بالعديد من الأحداث التى صنعت التحولات الكبرى فى التاريخ المصرى خلال العامين الأولين من الثورة "1952 – 1954"، مثل قانون الإصلاح الزراعى، وإلغاء الأحزاب، ومحاكمات الثورة، واتفاقيات السودان والجلاء مع الجانب البريطاني، التي أنهت الاحتلال الأجنبي للبلاد، والذى دام لنحو ثلاثة أرباع القرن.
الفنون التشكيليّة: لم نبلغ رسميًا بالقرار
من جانبه، قال الدكتور خالد سرور، رئيس قطاع الفنون التشكيليّة، إنه علم بقرار ضم مبنى مجلس قيادة الثورة للقصور الرئاسية من الصحف والمواقع الإخبارية، ولكنه لم يتم إبلاغه بشكل رسمي "لم تصلنا أي خطابات رسمية حتى الآن"، مشيراً إلى أن المبنى لا يزال تحت الترميم، وأن القطاع يتعاون في ذلك مع وزارة الآثار لطبيعته الأثرية.
كان المبنى شهد أحداث أزمة مارس عام 1954، التي انتهت بحسم الصراع داخل مجلس قيادة الثورة بعزل الرئيس الراحل اللواء محمد نجيب والتحفظ عليه فى دار السيدة زينب الوكيل بالمرج، ليستتب الأمر لجمال عبدالناصر، ويتولى مقاليد السلطة فى البلاد.
واتخذ الضباط الأحرار المبنى كمقر لقيادة ثورة يوليو لمدة عامين، ليشهد محاكمة السياسيين في قاعاته، وأشهرها محاكمة جماعة الإخوان بتهمة محاولة اغتيال الرئيس عبدالناصر فى ميدان المنشية عام 1954، ومحاكمة مجموعة المشير عبدالحكيم عامر بتهمة محاولة قلب نظام الحكم وعزل الرئيس عبدالناصر عقب نكسة 1967، وكذلك محاكمات مراكز القوى في عهد الرئيس الراحل أنور السادات عام 1971.
فيديو قد يعجبك: