سلطنة عمان.. هدوء وتصالح بين الشعب والسلطان رغم الصخب المجاور
مسقط - (د ب أ):
لا تبدو سلطنة عمان دولة كثيرة الضجيج رغم وقوعها في منطقة ملتهبة من العالم. وكل شيء يبدو هادئا ويسير وفق نظام يبدو غير مفهوم للقادم من خارج السياق العماني.
وتحيط بعمان بؤر ملتهبة من كل مكان، منها السياسي ومنها الطبيعي. ففي الشمال هناك إيران وملفها النووي ومضيق هرمز، وفي الجنوب هناك اليمن الداخل في أتون حرب أهلية وشيكة، وفي الشرق هناك المحيط الذي يقذف بأعاصيره يوميا على السواحل العمانية، وفي الغرب هناك الربع الخالي.
وليس أدل على ذلك مما حدث الأسبوع الماضي عند مرور الإعصار المداري "نيلوفر" القادم من المحيط الهندي والذي وصلت قوته التدميرية إلى الدرجة الثالثة وكاد أن يتعمق في اليابسة العمانية لولا أن ساقته الأقدار في اللحظات الأخيرة صوب السواحل الباكستانية. كانت عمان هادئة جدا، وبقيت صحفها اليومية تفرد أخبارا على صدر صفحاتها الأولى عن توقيع اتفاقيات لمشاريع تنموية، ولم يكن خبر الإعصار إلا خبرا ثانويا.
في أقصى الشمال حيث شرفة عُمان الجبلية على مضيق هرمز وحيث إيران ترتقب مواجهة قد تكون عسكرية مع الغرب تبدو محافظة مسندم كثيرة الهدوء، وكأنها لا تسمع بكل الضجيج العالمي حول نزع سلاح إيران النووي وتهديد الأخيرة بغلق مضيق هرمز فيما لو فكر أحد بالتحرك العسكري ناحيتها. ورغم أن المنطقة الصالحة للملاحة في المضيق تقع في الجانب العماني إلا أنه لا شيء يدل على أن هناك أي توجس عماني.. الحياة تسير بشكل طبيعي في المحافظة منذ سنوات طويلة. وقد يعتقد باحث عن المغامرة في شبه جزيرة مسندم أنه في منطقة غير تلك الواقعة على بعد مرمى حجر من إيران: فلا وجود ملاحظ للعسكر ولا لقواعد جوية، هناك فقط قاعدة بحرية صغيرة.
وعندما تقف بجوار بحر عمان وتتحدث مع أي شخص هناك عن أكثر ما يشغله ويفكر به، يقول لك: "نترقب عودة السلطان قابوس من رحلة علاجه حتى نشعل هذه المدينة بالأفراح".. ويضحك عندما تسأله عن خطر إيران ويرد عليك بالقول "نسمع هذا الأمر منذ عهد الشاه لكن لم يحدث شيء من ذلك.. علاقتنا طيبة مع إيران ودولتنا بعيدة عن المشاكل".
والسلطان قابوس بن سعيد غائب عن عُمان منذ أربعة أشهر عندما بدأ رحلة علاج في ألمانيا. ولم تعط السلطات العمانية أي تفاصيل عن مرض السلطان ولكنها تطمئن الشعب في كل المناسبات وتؤكد أنه بخير ويتابع عمله بشكل يومي من قصره في قرية جارامش الألمانية بمدينة ميونخ.
وتستضيف سلطنة عمان هذا الأسبوع اجتماعا حاسما حول الملف الإيراني حيث يلتقي وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف بنظيره الأمريكي جون كيري وبمنسقة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي كاترين آشتون، في ما يمكن أن يوصف بالمهمة الأخيرة لنزع فتيل صدام بين الغرب وإيران. وكانت سلطنة عمان قادت العام الماضي وساطة بين الغرب وإيران لحل أزمة الملف النووي.
وفي أقصى الجنوب العماني في محافظة ظفار يبدو المشهد قريبا من مشهد شمالها.. كل شيء هادئ هنا في المحافظة. يمضي يومك ولا تكاد تسمع بأخبار سيئة إلا حول بعض المهربين اليمنيين. لا طوارئ ولا تواجد عسكري استثنائي رغم أن ما يشبه الحرب الأهلية تدور على بعد عشرات الكيلومترات من المحافظة في اليمن. الشعب هادئ وكذلك الدولة. وعندما تسأل مسؤولا حكوميا عمانيا عن سر هذا الهدوء الغريب وسط كل العواصف التي تدور في عمان يبتسم ويقول: "هذا سر الوصفة العمانية التاريخية"، لكنه لا يدعك في حيرة من أمرك ويردف بالقول:" لسنا طرفا في كل ما يجري، نعم نهتم به ونراقب ونتمنى أن يعم السلام الجميع ولكننا لم نتآمر على أحد ولذلك لا نخشى أن يرتد شيء علينا".
وعندما تقول له إن الآخرين لم يختاروا ما هم عليه يرد عليك: "كل شيء يحدث هو نتيجة تراكمات سابقة" ويبتسم ثم يقول "ومؤامرات أيضا".
في مسقط العاصمة العمانية التي تسترخي بسلام على شاطئ خليج عمان يبدو المشهد أكثر استغرابا لمحلل سياسي واستراتيجي لمنطقة الخليج العربي.. هدوء كبير قد يصيب بالتوتر. لا تشغل نتائج المفاوضات الغربية الإيرانية كثيرا الشارع العماني رغم أنها انطلقت من مسقط وستظهر نتائجها في مسقط، ولا يفكر الجميع هنا أن تنظيم الدولة الإسلامية يمكن أن يصل مداه في يوم من الأيام إلى عُمان، ويقيس الناس هنا الأمر على تنظيم القاعدة فلم يعرف أن تنظيم القاعدة طوال السنوات الماضية وجد له موطئ قدم في عمان.
وتبدو مسقط عاصمة حقيقية للتسامح المذهبي والديني فقد حولت مؤسستها الدينية إلى وزارة تعنى بالأوقاف والشؤون الدينية وليس "الإسلامية" فقط. وترعى هذه المؤسسة وتشرف على كنائس الديانات الأخرى. وليس بعيدا عن جامع السلطان قابوس الكبير الذي يعتبر معلما دينيا ومنارة ثقافية في عمان تقع دار الأوبرا السلطانية. وتستضيف الدار التي لقيت بعض المعارضة من قبل بعض الأفراد، وليس المؤسسة الدينية، عروضا عالمية من مختلف دول العالم بدءا بعروض الأوبرا التاريخية وليس انتهاء بعروض البالية والانشاد والابتهالات الدينية.
ويضحك سلطان المخمري الذي يعمل مدرسا للغة العربية من التقارير الإعلامية التي كثر حديثها في الفترة الأخيرة عن حالة الغموض التي تنتظر عُمان في مرحلة ما بعد السلطان قابوس ، ويفسر الأمر أن هؤلاء الذين يكتبون عن عمان لا يعرفونها من الداخل ويحاولون أن يسقطوا أشكالا ونماذج عربية على المشهد في عمان.
وينص النظام الأساسي في عمان على أن يختار مجلس العائلة الحاكمة سلطانا جديدا خلال ثلاثة أيام من تاريخ شغور منصب السلطان وفي حالة عدم تمكنه خلال الأيام الثلاثة ينصب مجلس الدفاع الشخص الوارد اسمه في وصية السلطان لمجلس العائلة. ويحضر فتح الوصية رئيسا مجلس الدولة "المعين" والشورى "المنتخب" ورئيس المحكمة العليا وأقدم نائبين له.
ولا ينظر العمانيون اليوم إلى السلطان قابوس "74 عاما" باعتباره سلطانا فقط، بل يعتبرونه أبا روحيا للنهضة الحديثة في عمان، ولذلك لن يستغرب العارف بتفاصيل الحياة في عمان من أن جل ما يشغل العمانيين اليوم هو خبر عودة "قابوس" من رحلة علاجه في ألمانيا سليما معافى ليكملوا معا مسيرة البناء في البلد الذي يبدو أن شعبه متصالح مع قيادته حتى اللحظة الأخيرة. ويمكن أن يكون "سر الخلطة العمانية" ينطلق من هذا التصالح الاستثنائي.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: