أمين الباشا.. لوحات وتفاصيل فنية بالحروف
بيروت (رويترز) - يكتب الفنان التشكيلي اللبناني المعروف أمين الباشا في مجموعته القصصية "زهراء الاندلس..قصص و..." بلغة ملونة سهلة وحركيةويقدم لوحات تصويرية مشهدية كما يقدم بالحروف أيضا تفاصيل صغيرة ذات سمة فنية بصرية.
مجموعة أمين الباشا هذه وردت في 174 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن "دار نلسن" في لبنان والسويد. ربما قصد الفنان الكاتب من عنوان المجموعة أن المجموعةاشتملت على أكثر من مجرد قصص قصيرة ذلك أنها كانت مزيجا من القصص ومن الرسوم التشكيلية.
وقد ضمت 22 قصة وما يماثل هذا العدد من الرسوم. ولعله يقصد أيضا بحرف "واو" أمرا آخر إضافيا إذ إن بعض الموضوعات ورد لا في شكل قصة قصيرة تماما بل في شكل قصصي من الانتقادات الاجتماعية لما اعتبره الباشا مؤلما وغير مرغوب فيه. ولعل ما حمله غلاف الكتاب يلقي باختصار ضوءا علىبعض أسلوب الباشا فيالكتابة والرسم بالكلمات.
قال "خرجت من غرفتي وجلست على عتبة المنزل. الطريق ضيق. أتت كارمن وجلست بقربي. صباح الخير قالثوبها الابيض الحامل كل أحلام الليل وسمرة الاندلس. كأن الليل قد حط في عينيها وترك فيهما سوادا ساحرا وشعاعا. صباح الخير قلت لها وقبلتها. وتمتمت شيئا لم أفهمه وتمتمت شيئا لم تفهمه هي أيضا. بقينا وقتا إلى أن ظهرت لورا. ظلت واقفة مسندة رأسها إلى الباب الخشبي. التفت إليها فابتسمت. فتحت الماء على البركةالمحاطة بالياسمين والمعلق على أطرافها قفصان فيهما كناران أصفران كالذهب. راحا يزقزقان لصوت المياه ولانتشار النور. سألتني كارمن عما سأفعله اليوم. قلت لها لا أعرف سابقى جالسا هنا." القصة الاولى في المجموعة عنوانها "أنا مسافر ودعوني."أجواؤها ربما حملت إلى القارئ مشهدا قديما من دروس أيام الصغر حيث صورة نهر فيه مركب صغير وصبي يردد قصيدة منها قوله "خذني معك .. انتظرني لأتبعك." إنه ولع رومانسي بالسفر ذلك الذي سيطر على بطل قصة أمين الباشا وهو هنا ولد صغير ايضا. يتحدث الفنان عن شوق لازمه ألا وهو حلم السفر في باخرة وعمره لم يتجاوزالسنوات العشر. إنه في المرفأ قرب مقر عمل والده وقد عثر على جواز سفر فقده أحد المسافرين. أخذه وصعدسلم الباخرة فأخذ أحد المسؤولين الجواز منه ورده على أعقابه. وبقي الحلم يراوده."كنت أراني أنظر إلى مداخن الباخرةالمتصاعد منها دخانها الابيض وصفيرها يملأ روحي والسماء. ورأيتفي أحلامي أن الباخرة أخذت تبتعد عن الرصيف وأني كنت بين المسافرين الملوحين بأيديهم. لم أكن أدري لمن ألوح بيدي. ثم حلمت أن الباخرة بعدت وأن صفيرها أصبح صدى متغلغلا في الزمانلكنني ما زلتهنا على الرصيفأنظر إلى حلم يبحر ويبتعد ثم يختفي ويتلاشى."
وقد رسم في القسم الأخير من القصة لوحة ومشهدا فنيا جميلا يعبق بالطفولة ويمتدإلى ما بعدها في شكل رمزي إلى الحياة نفسها وإلى الأحلامالتي يكتب لها الزمن أن تتلاشى وتأفللكنها تبقي أثرا في النفس وغصة في القلب. في قصة "جانين" حكاية صداقة وحب لبيروت جمعا بين شخصي الرواية. بيروت الحروب والخراب. صارعت جانين الموت الذي عبر عنهالكاتب بصورة التنين. إلا أن هذا التنين انتصر على جانين. يكتب نهايتها في لوحة تصويرية محزنةفيقول "...وأصبحت المدينة بيتا كبيرا لا سقف له ولا حائط../حيطانه أحزان وهموم.. وبقيت جانين تصارعإلى أن انبلجالنور وعلت الأناشيد مع صياح الديك.. وقفزت الشمس فوق تلال بيروت لتطل على بيروت.. وتخبرها أن التنينقد فاز وطار بها باتجاه غروب الشمسالتي تركت بعضا من أشعتها الذهبية القانية على نافذة غرفتها.. فسكتت الامواج لمجيء الليل وعلت الغيوموأصبحت رمادية ثم ليلكية ثم زرقاء.. سوداء وبدا هلال بين الغيوم وانغلقت النافذة على حلملم يتحقق منه سوى الحلم."
قصة "المرآة" رومانسيةفي المشاعر التي تعبر عنها وفي ما ترسمه من مشاهد الوحدة. الوحدة عندههي الحرية. الطبيعهالساحرة والحوار بين الذات والذات كأنهما اثنتان مختلفتان. يقولالفتى الرومانسي المستوحد بطل قصة امين الباشا "نزلت مسرعا.. فتحت الباب وسرت في الطريق التي رسمتها الشمس... وانطلقت إلى البحر بل تابعت سيري على طريق الشمس. وجلست على صخرة تعرفني.. أسمع نداءات الأمواج وتراتيلها الأبدية التي أسمعها ولا أكتفي بالإنصات اليها لتجددها الدائم وكأنني أتجدد معها كلما استمعت اليها." وتقول الذات للذات "إنني الآن في حاجة لأكون وحدي.. في معيتك أشعر بالملل. أريد أن أتلمس الحرية أن اكون وحدي..الوحدة هي الحرية. هي أنلاتسأل ولا تجيب ..أن تضحك أو تبكي..." إنها رومانسية لا يلبث الفنان أن يتجاوزها إلى حال من التسامي عن اليوميات البشرية. وكل ذلك- شأنالرومانسيين عامة- يأتي من نعم الطبيعة وهباتها. أما "كي لا أنسى" فليست قصة بالمعنى العادي بل هي أقرب إلىخواطر وأفكار عن الفن وعن التعبير. يتناولالكاتب موضوعا قديما هوالشكل والفكرة أو ما سمي الصورة والمحتوى ويركز على أنالشكل التعبيري هوالذي يجعل الفن فنا. يقول "أكتبولا أقول شيئا. لأن كل ما أكتبه قد قيل ولان كل الألوان قد استعملت وكل الالحان قد أنشدت. الأشياء محدودة وألف باءالتعابير الفنية محدودة أما طريقة استعمالها فهي ما يفكها من سجنها ويطلقهافي اللامحدودية وفي اللازمان واللامكانأو يميتها ويجوفها لتصير بلا شكل وبلا لون وبلا صوت. أكتب لأني أجربالقول بواسطةالحرف كماأجربه بواسطةالشكل واللون.." وفي "يوممن الأيام" وصف وانتقاد لبعض ما في بيروت هذه الأيام. "أفكر وأنا أسير تحت قناطر (ساحة) المعرض.. أتذكر كيف كانت الأماكن من قبل. كأن بيروت الجديدة اليوم.. بيروت بعد الحربأصبحت كالمثل القائل بأن ما بين دكانة بيع ثياب ودكانة أخرىتوجد دكانة بيع ثياب ثالثة ..كأنالناس صاروا يقرأونالثيابولا يقرأون الكتب.. أتكلم مع نفسي كلما مررت من هنا ورأيت المحلات على صف الطريق من أوله إلى آخره ..ثياب ..ثياب ..ثياب."
من جورج جحا
(إعداد جورج جحا للنشرة العربية تحرير سيف الدين حمدان)
فيديو قد يعجبك: