أتوبيس أوراسكوم.. هنا المرقد الأخير
كتبت - رنا الجميعي:
تصوير - اشراق أحمد:
كان الأتوبيس الأصفر مشوه المعالم قابع على جانب الترعة التي سقط بها، أحاطوه بشارة صفراء مكتوب عليها "مديرية أمن الجيزة – إدارة الحماية المدنية – احذر الاقتراب من منطقة الخطر"، ولم يكن ملحوظ من لوحة أرقامه سوى "6394" فيما ضاعت ملامح بقية اللوحة، استند على أحد جانبيه محطم، وقد خلا من زجاج النوافذ، تقشر لونه الأصفر، وتكسرت إطاراته.
لم يكن ذلك المشهد ببال عمال شركة "أوراسكوم للإنشاء والتعمير" حينما خطت أقدامهم الأتوبيس، حيث تجمعوا مع بداية يوم جديد بمصر القديمة مستبشرين به، محاولين التغاضي عن سوءات أيام مضت وإرهاق ألمّ بهم، كأي مواطن مصري يلفظ "يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم" صعدوا إلى الأتوبيس الأصفر التابع لشركة "أوراسكوم للإنشاء والتعمير" الذي يوصلهم لعملهم بأكتوبر، لم يعلموا أن الأتوبيس ذو المقاعد البرتقالي سيكون مرقدهم الأخير.
في الطريق إلى العمل كان المزاح سلواهم، يعلمون جيدًا أن يوم شاق سينتظرهم، يحكوا عن آخر أخبارهم، وما فاتهم من ثرثرة، متسائلين عن رفقائهم المتغيبين، اليوم كان عيد الأم، هناك من يفكر كيف سيستقبل والدته الليلة، الأجر الذي يتحصل عليه لا يكفي لشراء هدية تليق بها، ولكنه يعلم أن قبلة على يديها تُرضيها ويفيض منها سيل الدعاوي التي تكفيه شرور الأيام.
لم يفكر فيهم أحد عن إحصائيات حوادث الطرق، وأن دولته هي الأولى عالميًا في عدد ضحايا الطرق، كما كان طريق المريوطية الذي يتخذه العمال أحد الطرق الريفية التي تكثر عليها تلك الحوادث، فيما كان عمال آخرون من نفس الشركة ضحايا الشهر الماضي على الطريق ذاته.
ولن يعلم أحدهم أنه بعد وفاتهم تضاربت الأقوال حول عددهم، والكيفية التي ماتوا عليها، فانفجار إطار عجلة الأتوبيس سبب عند البعض، وما جاء في بالهم بتلك اللحظات الأخيرة، ماذا قالوا للسائق حتى يتفادى السيارة بجواره، وهل مرّ بذهنهم أن تلك السيارة ستكون السبب في مقتلهم بترعة المريوطية، وأن الأتوبيس ستحاول معداته تفادي العربة، لكنه سينقلب رأسًا محطمًا سور الكوبري، ليغرق بالترعة، وبعدها تنتشله الأيادي، ويسعى الناس مع فرق الإنقاذ لإخراج الأرواح التي تلفظ أنفاسها الأخيرة.
فيديو قد يعجبك: