مصراوي يحاور صاحبة صوت "كابتن ماجد": الثورة نتعلمها من الأطفال و"ماوكلي" صديقي المقرب
حوار- دعاء الفولي:
يقفز "ماوكلي" بخفة من هذه الشجرة إلى تلك، يوبخه النمر "باجيرا"، محاولا تعليمه فنون القتال، فلربما يلتقي بالنمر الشرير "شارخان"، بينما يستعد الكابتن ماجد، لخوض مباراة جديدة، يقابل فيها "بسام" منافسه الأشرس، يتطلع للفوز رغم إصابة قدمه، يتابع صاحبه "خفيف الدم" الذي يشوط الكرة، ثم يسقط أرضا، فيما تتصيد زوجة الأب الشريرة فرصة، لتقضي على "فُلّة"، لأنها تغار منها، ومن حب الأقزام السبعة لها. لسنوات عاش الأطفال العرب في عالم تلك الشخصيات الكرتونية، لكل منها صوت يعطيها سمت مميز، غير أن أحد لن يتخيل أن الثلاث شخصيات وغيرها، من أداء الفنانة السورية "أمل حويجة"، صديقة أطفال العرب.
بالنسبة لأمل، هؤلاء ليسوا خيال، بل أصدقائها الذين قابلتهم مرارا في استديو التسجيل، كم حلمت أن تبقى داخل الحجرة الصغيرة لتجسد أصواتهم، تغير صوتها بيسر كأنما تطير. ورغم أنها ممثلة مسرح في الأساس، إلا أن الدوبلاج للغة العربية، صار عشقها، فخاضت به تجارب كرتونية أخرى مثل "القناص"، "عبقور" و"روبن هود".
-بـداية، كيف جاء التحاقك بمسلسل كابتن ماجد؟
بعد أن أنجزنا "ماوكلي" وأعمال قبله، اعتمدت شركة الزهرة صوتي ليكون بطل أعمالها، وكنت أرى ضرورة تنوع الأبطال، كي لا يمل الجمهور من صوتي، رغم سماعي ما ينعشني "لا منافس لصوتك".
وقتها كان "كابتن ماجد" قد صار في الشركة، وكان البديهي أن تلعبه "أمل"، كنت لا أزال عند رأيي وكان عندي عرض للمسرح القومي "العنب الحامض"، وأنا راغبة بالتفرغ للمسرح، زائد أن المسلسل لم يستفزني وعندما اطلعت على حلقة منه لم أجد نفسي في كرة القدم، وكان إصراري هذه المرة كبير "اساعدكم في البحث عن صوت ملائم لماجد". وحجتي أن وقت التسجيل يتعارض مع وقت البروفة المسرحية، ولا يستطيعون التغيير بسبب انقطاع التيار الكهربائي. وفعلا اعتذرت منهم، لكن بعد مرور أسبوع اتصلوا وأخبروني أن صوتك هو المناسب لماجد، ووجدتهم قد ألحقوا بالاستديو بطاريات لدعمه بالكهرباء، وكان هذا غال على قلبي ومحرج في ذات الوقت، ووافقت.
-كيف كانت تجربة كابتن ماجد إذا؟
بعد الموافقة، تورطت بحب ماجد والدفاع عنه باستماته ومرح في الاستديو مع المنافس القوي بسام والذي كان يلعبه الزميل "مازن الناطور". رافقت ماجد في الجزئين الثاني والثالث، أما الخامس فقد بدأت به وكان ماجد قد نضج وصار شابا واستلمه الزميل العزيز مروان فرحات.
-في أي عام دخلتِ مجال الكارتون، وما عملك الأول؟
1987 وكانت مجموعة أفلام قصيرة أشرف على دبلاجها مخرجون سينمائيون تخرجوا من موسكو والأعمال كانت روسية وأولها فيلم "المهرة".
-صفِ لنا شعورك مع أول مرة تخطو قدماك استديو التسجيل؟
كان عمري وقتها 25 سنة، كنت قد لعبت حتى ذلك الوقت عدة بطولات مسرحية للأطفال، "سندريلا"، "فاطمة" وغيرهم. اتصل بي أحد الزملاء لأحضر إلى مبنى التلفزيون لإجراء تجربة للأطفال، لم أفهم ماهيتها، ذهبت وكان الاستديو معتما، والشاشة سينمائية كبيرة، نشاهد عليها فيلما كرتونيا روسيا قصيرا، عن دمية، ترغب أن تشارك في السيرك وفي اللعب بمدينة الملاهي، حكى لي المخرج القصة، وجربنا عدة جمل، وكان الفن وتقنياته جديدة علينا، وما كنت صبورة على الإعادة والتكرار. وجدت المهرة وحدها في مدينة الملاهي، هي في الضوء وأنا وحدي في العتمة، تركت النص جانبا ولحقت بها، مرتجلة الحوار والانطباعات حتى آخر الفيلم. كان قلبي حينها يرتجف طربا، إنه حلمي "كم تابعتك يا كرتون وكم حلمت بنفسي ممثلة فيه"، صفق الزملاء، وفورا التحقت بباقي الأفلام المجهزة للدبلجة في ذاك الوقت، بعدها بعدة أشهر تعرفت على الفنان مناع حجازي وكانت رحلة فن معه لا تُنسى؛ فأنتجت ماوكلي والكابتن ماجد والكثير من الأعمال.
-من الذي كنت تحرصين على معرفة رأيه في حلقات كابتن ماجد؟
أولاد أخوتي؛ فهم حكم حنون وقاسي وصريح.
-وماذا عن آخر مرة دخلتِ فيها استديو تسجيل الأصوات؟
آخر مسلسل كان في دمشق 2011، أغلب شخصياته بصوتي، مع الفنانة الجميلة والمعتقلة حاليا "سمر كوكش"، والتي نطالب بالإفراج عنها كما نطالب الإفراج عن جميع معتقلي الرأي في سوريا الغالية، المسلسل كان منتج محلي بالكامل، ولم أعرف بعد أخباره في التوزيع والعرض، كنت أقول بفرح "أنا أمثل في مسلسل كرتوني محلي عربي مئة بالمئة"، طبعا تحيزي ليس لأنه عربي فقط، بل لأن فن الكرتون صعب ومن المفرح أن ندخل وننافس العالم، اليوم الأخير في التسجيل كان مؤثرا وحالما بتجارب أخرى قادمة.
-دراستكِ الأساسية هي المسرح؛ فهل فكرتِ بالبدء في دراسة تخدم حبك للدوبلاج؟
المسرح يُعلم كل شيء، إضافة للتحليل والقراءة، يمنحنا تجربة تمارين الصوت والتنفس وأستمتع بها كثيرا وأجربها في استديوهات الدوبلاج بشكل دائم، ومعرفة فنون الدوبلاج جاءت بالتجربة مدعومة بثقافتي المسرحية في طريقة التعامل مع الشخصية وعوالمها.
-ولدت في سوريا، كيف أثرت طفولتك على حبك للفن، وكيف كان اغترابك عنها فيما بعد؟
أنا ابنة ريف. طفولتي كانت في حقل جدي بين شجرات التين والدراق والتوت. حشراتي أصدقائي؛ النمل والقنافذ والسلاحف. مخابئ الأفاعي ألغازي، حملت الطبيعة في داخلي حتى وأنا اعيش في دمشق والتي قضيت فيها نصف عمري. الاغتراب أبعدني عن المسرح، لأني أحب العمل في الفرق المسرحية وليس في عروض مسرحية، يعني أحب جو العائلة المسرحية وفي الاغتراب ليس سهلا أحيانا تحقيق ذلك.
-كيف ظهر حبك للدوبلاج؟
الأصوات تشغلني دائما، ومن الممكن أن أنسى الأسماء والأحداث لكن الأصوات ترافقني، منها ما يستفز حنجرتي لتحاكيه ومنها ما يستفزها للمرح والمبالغة في تقليده، أعيش الأصوات وأحيانا أرى أن الصوت هو أول بوابة أدخل منها إلى عالم الشخص الذي أمامي.
-بماذا تصفين أحوال الرسوم المتحركة العربية، سواء من جهة الإنتاج أو الأفكار الموجودة؟
لازلنا في أولى درجات السلم. ينقصنا الكثير بعد من الصبر والاهتمام.
- كيف كانت علاقتك بـ"ماوكلي فتى الأدغال".
ماوكلي هو صديقي، أحب أعمالي إلى قلبي، تشاركنا أنا وماوكلي الأسئلة في الحياة. عشت معه أكثر من أدائي التقني له، وتأثرت به جدا، وأحمل معه ولا زلت نفس الغضب والمطلب "كفوا عن العنف أيها البشر!".
-هل تشعرين أن شهرتك في مجال الدوبلاج، تظلم قدراتك الفنية الأخرى؟
كنت أغضب في البدايات، عندما يتذكر الناس الكابتن ماجد ولا يذكرون مسرحية العنب الحامض التي أديتها في نفس الفترة، أو سكان الكهف، أو حتى أعمال مسرحية قمت بها للأطفال، لكن ما يصل الجمهور الأوسع هو مسلسلاتنا الكرتونية.
-ما طقوسك التي تعودتِ عليها قبيل التسجيل؟
أشرب الماء فقط، وأقوم بتماريني كاملة، وأنا أحتاج التمارين أولا. وثانيا أحب أن أترك رسالة في أي استديو أمر فيه، أن الممثل عليه تحضير نفسه بشكل جيد والنجومية لا تعفيه من هذا الواجب وكثيرون في الكونترول يبدون الاستغراب والدهشة.
-ما الكرتون الذي توقف وتمنيتِ ألا يحدث ذلك؟
"نمور الرسام"؛ هو برنامج لتعليم الرسم، كان ممتعا ومفيدا جدا، وكنا انا والزميل مروان فرحات نقوم بأدائه.
-هل ترين أن حصولك على تكريم مهرجان الشارقة جاء متأخرا؟
• التكريم كان بتحضير كلمة أتحدث فيها عن تجربتي الخاصة، فرحت به وبمناسبته، أن تكون في مهرجان سينما الطفل الأول في الوطن العربي، شيء عزيز علي وأنا كرمت في الإمارات عدة مرات؛ فمجلة ماجد كرمتني في 2010 عندما ودعتهم وكرمت عندما قامت الفنانة نجوم غانم بإنجاز فيلم "أمل"، أنا اليوم أكرم من الجيل الذي رافقته في طفولته، لهذا أراه جاء في وقته.
-أيهما أهم بالنسبة لكِ؛ المسرح أم الدوبلاج؟
المسرح هو تمارين حياة. لا يقارن بأي فن آخر. هو ثقافة، وأعتبر نفسي ابنته وإن ابتعدت عنه. ففي مسيرتي طالما انقطعت عنه ورجعت، هكذا هي العلاقة معه.
-الطفل العربي حوصر بين ثورات وحروب، كيف سيؤثر عليه ذلك؟
الثورة نتعلمها من الأطفال، الطفل بطبيعته ثائر، عندما يظلم يبكي احتجاجا، الثورة هي جزء من الطبيعة الإنسانية، فلا نستكثرها على أنفسنا ونسميها "حروب".
أما الحروب فيصنعها الكبار بنرجسيتهم وخوفهم. الطفل عندما يثور يلجأ أهله أحيانا للضرب لأنها أسهل وسيلة لردعه وإخافته، وهذا ما يحدث الآن، فهو يطلب الأمان والسلام دوما، فكيف تكون الحروب مفيدة له؟ الثورات نحتاجها كي نحقق أكبر فرص للسلام والأمان لأطفالنا وكي نصل بمجتمعاتنا إلى مستويات إبداعيه تقارب إبداع الطفل، لهذا يجب أن نفصل بين الحروب والثورات.
-وما دور الفن بشكل العام في فك هذا الحصار ولو قليلا؟
للفن دور كبير في تأكيد هويتنا الإنسانية وأن الحرية حق والدفاع عنها حق، له دور بأن العنف ليس من ثقافتنا وليس من عندنا، الفن يذكرنا دوما بالموسيقى واللعب والحب، يفتح العقول المغلقة على بوابات المعرفة والثقافة. الفن يلعب الدور الأهم في الحياة ويخلده التاريخ فيما بعد.
-لو أردتِ توجيه كلمات للطفل العربي، ماذا ستكون؟
مهما رأيت من عنف حولك أنت الأقوى لأنك تعرف كيف تنهي مشاكلك بدعابة ومزحة ولعبة، مهما رأيت من عداء الكبار لبعضهم البعض لا تخف من الدنيا لأنك فيها؛ فأنت تعبر عن رأيك فورا، لهذا لا تعرف الحقد والضغينة. أنت الأقوى.
-ما الشخصية الكرتونية التي تطمحين لعملها؟
طفل من أطفال مخيمات اللجوء. طفل يعوم في بحر الموت ليصل شواطئ اللجوء. صغير تتركه أمه في بلد غريب ولا تعود، آملة أن يجد من يأخذه ويتبناه ويحميه لأنها عاجزة عن ذلك، أتمنى أن أحكي عن طفل يراقب البراميل المتفجرة والصواريخ تمر أمام عينيه كل يوم وهو في طريقه إلى مدرسته، صغير يغني ويرسم ويرقص، والدمار يحيط به، لكنه يدرس وينجح في ظروف القمع والحرمان.
-هل هناك فرصة للعودة لمجال الدوبلاج إذا توافرت ظروف أفضل؟
لم اتركه، لكنني أميل كثيرا الآن للعمل على إنتاج فيلم كرتوني، مسلسل كرتوني، برنامج، تتكون فيه الشخصية التي سألعبها من السيناريو، صوتي وخيال الرسام والمحرك معا.
-كيف تعاملتِ مع الحرب الدائرة في سوريا؟
أصحح لك، قامت في سوريا ثورة. وربما أكثر ما فعلته أنا كان الكتابة، انتهيت من رواية "هس" و"فتة سكر"، الثورة أثرت على كل شيء في حياتنا، بما فيها لغتنا ومفرداتنا وبديهياتنا. والحرب الآن تحاول أن تطمس ذاك الوليد "الثقافي".
-هل تتواصلين مع من تابعوا صوتك في طفولتهم؟
أحيانا، وأعتذر منهم لعدم تواصلي الدائم بسبب ضيق الوقت، لكني أقرأ وأطلع على الصفحات الشغوفة بنا، وأشكرهم من القلب، وكثيرا ما ألتقي بهم في المسرح أو مهرجانات السينما، وأدهش لمدى تأثير أعمالنا الكرتونية عليهم، لكن عبارة "ربينا على صوتك" أكثر ما يسعدني.
- بما أنك مشرفة على تحرير "منتدى موقع مجلة ماجد"، فما مميزات التجربة وما الذي ينقصها في نظرك؟
تجربة مجلة ماجد ذات حضور عربي كبير وملفت، وذلك لأنها موجهة للعائلة ومتنوعة المواضيع، وغنية بصفحات التسلية وبالمسابقات الكبيرة والجوائز، إضافة لمسابقاتها الأسبوعية، وبحكم قربي منها اكتشفت اهتمام فريقها وإدارتها بالتجديد والاستنارة بآراء قرائها عبر استفتاءات سنوية، وحلمهم حقيقي. في هذه المرحلة تواجه المجلة هجوم "القراءة الإلكترونية"، وجمهورها يطالبها بالحضور الإلكتروني, وأعتقد أنه من المفيد التفكير بطريقة يجعل حضورها إلكترونيا ممكنا دون التأثير على استمرار حضورها الورقي.
-لم توقفت تجربتك مع القصة القصيرة؟
لم أتوقف، لكني في 2012 كنت بصدد كتابة قصة قصيرة ووجدت نفسي أكتب قصة طويلة دون قرار مسبق أو تخطيط وتم إنجاز "هس". وفي هذا العام أنجزت نصا مسرحيا بعنوان "عطر الليل" وقصة طويلة بعنوان "فتة سكر"، إنهما قيد النشر. القصة القصيرة لازالت حبي ولدي مشروع أنجزت منه عدة قصص حتى الآن.
-ما مشاريعك الفنية القادمة؟
-لدي مشروع مسرحي، سوف أبدأ به قريبا. وهناك مفاجآت في الكرتون "العربي". لن أعلن عنها إلا في وقتها لكنها قريبة الظهور لجمهورنا، وتجربتي مع مهرجان المسرح المدرسي التابع لدائرة الثقافة والإعلام في الإمارات تتجدد هذا العام أيضا.
فيديو قد يعجبك: