الموت والحياة والثورة في "غيبوبة" عمرو علي (حوار)
حوار –يسرا سلامة:
كيف تمر حياة شاب مع والده الذي يمر بفترة غيبوية أثناء اندلاع الثورة السورية؟.. ذلك التساؤل دار في ذهن المخرج عمرو علي، 24 عاما، والذي حوله إلى قطعة سينمائية "فيلم قصير" كمشروع للتخرج من معهد السينما المصري، وسرعان ما تنقل إلى مهرجانات عالمية، وحصد عدة جوائز.
الفيلم لا يدور عن سوريا فحسب، وإنما تشابك مع حياة المخرج ذاته. يحكي العمل أنه في ظل الحرب السورية، يغرق رجل عجوز في غيبوبة طويلة، يصبح بين الموت والحياة، أما ابنه الشاب فيخوض أثناء ذلك صراعًا بين أفكاره وعواطفه من ناحية، وبين التزاماته تجاه والده ورغبته في الخروج إلى الحياة التي يشتهيها، فهو لا يقدر على البقاء أسيرًا في قوقعة الماضي، عن كواليس العمل يحاور "مصراوي" المخرج الشاب.
-كيف بدأت في عالم الإخراج؟
تخرجت في المعهد العالي للسينما بالقاهرة حيث حصلت على بكالوريس في الإخراج السينمائي عام 2016، ورغم ذلك فقد بدأت العمل في مجال الإخراج وكتابة السيناريو قبل الدراسة ببضع سنوات.
-شارك "الغيبوبة" في مهرجانات دولية عدة.. هل تُعد أول مشاركة لك كمخرج؟
ليست أول مرة؛ شاركت هذه الأفلام في مهرجانات سينمائية عديدة منها: دبي، القاهرة، دمشق، الدار البيضاء، نانت وسوسة، كما حاز فيلمي التسجيلي ومضة (2014) على جائزة و منحة يوسف شاهين المقدمة من شركة أفلام مصر العالمية، وهي جائزة مخصصة لمشاريع السنة الثالثة في المعهد.
-عن "الغيبوبة".. كيف جاءت لك فكرة العمل؟
الفيلم يقوم على فكرة واقعية قابلة للحدوث تحديداً في سوريا، الفيلم ليس مبني على قصة حقيقية، وعمومًا لا أملك إجابة واضحة عن كيفية ظهور الفكرة، فالأفكار بمعظمها تومض في لحظات معينة، ولكن يمكن القول أنه تمت الاستفادة من رواية "التحول" أو "المسخ" لفرانز كافكا و هي رواية تقوم فكرتها حول شخصية تنهض في الصباح من النوم لتكتشف أنها مجرد حشرة تحبو داخل غرفة مغلقة.
-فكرة "غيبوبة" أحد أفراد الفيلم تكررت في السينما.. هل تأثرت بأعمال سابقة؟
بالفعل؛ استفدت من مشاهداتي لأفلام "تكلم معها" لآلمادوفار و"الخروج إلى النهار" لهالة لطفي و"باب الشمس" ليسري نصر الله، وأفلام أخرى دارت أحداثها حول شخصيات تعرضت لغيبوبة دائمة أو مؤقتة، وبالتالي فكرة الفيلم تأثرت بكل ما سبق، دون أن يفقدها هذا التأثير أصالتها، فهي شديدة الصلة بزمان ومكان الحدث الذي يدور في سورية خلال سنوات الحرب، وقد بقي هذا التأثير في حدود منطقية لم تجعل – بكل تأكيد – من الفيلم نسخة عن فيلم أخر.
-لماذا اخترت أن يكون العمل قصيرا؟ وهل العمل مستقل؟
الفيلم تم إنجازه كمشروع تخرج من المعهد، ولا أعلم إن كان من الممكن تصنيف الفيلم كفيلم مستقل، ولكنه بكل تأكيد لم يُصنع لغايات تجارية أو دعائية، ورغم دعمه من قبل شركات إنتاج إلا إنه يمكن القول أن "الغيبوبة" فيلم مستقل.
-وماذا عن أعمالك السابقة؟
الغيبوبة هو خامس أفلامي القصيرة، فقد أنجزت قبل دخولي إلى المعهد ثلاثة أفلام روائية قصيرة، هي: 8 ملم ديجيتال (2008)، عيد ميلاد (2009)، وحوش العاطفة (2011)، أما ومضة (2014) و هو فيلم تسجيلي أنجزته كمشروع السنة الثالثة في المعهد، عملت في مجال الإعلانات التلفزيونية والكليبات وأنجزت أفلام سينمائية أخرى يمكن تصنيفها في إطار "سينما الهواة" حيث كانت تعتمد على ميزانيات ضئيلة وعلى جهود شخصية بحتة.
-فاز "الغيبوبة" بجائزة أفضل فيلم روائي قصير في "مهرجان الفيلم العربي في روتردام".. حدثنا عن وقع الجائزة؟
سعدت بالجائزة، وأهديتها لأهلي ووطني وأساتذتي في المعهد، ويحملني مسؤولية كبيرة تجاه السينما. والحقيقة أنني لم أكن أتوقعها، فقد كانت المشاركة في حد ذاتها هدفًا سعيت إليه وسُعدت به، ونفس الأمر يتعلق بجائزة "يوسف شاهين"، وقلت في أكثر من مناسبة أنني لم أكن أملك ترف التفكير في حصول الفيلم على جائزة، والأمر نفسه ينطبق على "الغيبوبة"، فقد كان هدفي الأول هو صناعة فيلم التخرج بشكل مشرف.
-كيف حضرت لفيلمك من البداية؟ التأليف والممثلين؟
استغرقت وقتًا طويلًا في التحضير للفيلم، فهدفي تقديم فيلم التخرج بشكل مشرف، عقدت جلسات عمل مع شركاء أثق بهم، في مقدمتهم مدير التصوير "عمر دغوظ" لتطوير الفكرة، وتناقشنا حول التصور البصري والديكوباج والخطة اللونية الخاصة بالفيلم، ثم عملت تجارب أداء لبطل الفيلم "يحيى أبو دان" الذي اخترته بناء على توافق صفاته الفيزيولوجية والجسدية مع الشكل الذي تخيلته للشخصية التي جسدها باقتدار.
-وكيف وجدت الدعم الانتاجي للعمل؟
الفيلم كان محظوظًا بتوفر ظروف إنتاجية مثالية، وعملت على تأمين دعم إنتاجي من خلال عدة شركات تولّت كل منها تغطية مرحلة من مراحل الفيلم، كما استفدت من منحة "يوسف شاهين" التي قدمتها شركة "أفلام مصر العالمية" في تغطية جزء من الإنتاج، كما قدمت شركة "فاين آرات" الإستديوهات والديكور وقدم المعهد مواد البناء والخشب اللازم لتعمير الديكور، وقدمت شركة "إيبلا" معدات الإضاءة والتصوير وقدمت شركة "NIS" العمليات الفنية وتصحيح الألوان وغطّت شركة "صورة" التكاليف الإنتاجية أخرى.
-كيف دعمك الوالد المخرج حاتم علي؟
كان والدي حاضرًا في المشروع منذ مرحلة الكتابة، قدم ملاحظات أخذتها في عين الاعتبار، وكذلك في مرحلة الإنتاج من خلال شركته "صورة للإنتاج"، التي قدم دعما ماديا للفيلم، والحقيقة أن تواصلا فكريا يجمعني دوما بوالدي، إلى جانب علاقتي الأسرية المتينة به، التي تدفعني دائماً للمزيد من الإنجاز.
-حدثنا عن طاقم الفيلم؟
الشخصية الرئيسية هي شخصية الشاب التي أداها يحيى أبو دان، أما الشخصية الثانية التي أداها أحمد الرفاعي فهي غائبة عن الوعي طوال الفيلم، و لكن ثقلها الدرامي حاضر من خلال تأثيرها العاطفي على ابنه، وهي السبب الرئيسي للصراع الدرامي الداخلي الذي يعانيه الشاب طيلة الفيلم. ووقف وراء الكاميرا مجموعة من الفنيين السوريين والمصريين هم: "عمر دغوظ" مدير التصوير، "صلاح طعمة" المنتج الفني، مهندس الديكور عادل المغربي، مهندس الصوت يوسف الشندويلي، المؤلف الموسيقي آري جان سرحان.
-كم مهرجان شارك فيه "الغيبوبة".. وماذا تتوقع له في المهرجانات القادمة؟
شارك "الغيبوبة" في أربعة مهرجانات سينمائية حتى الآن، هي "روتردام للفيلم العربي"، و"سيلفر أكبوزات لسينما الأعراق و القوميات" في روسيا، و"أيام قرطاج السينمائية" ومهرجان "الفكيج" لأفلام مدارس السينما في روسيا، وأنتظر مشاركته في سوق مهرجان دبي وأيام بيروت السينمائية ومهرجان الدار البيضاء للفيلم القصير في شهر ديسمبر المقبل.
-ما أكثر المواقف التي لا تنساها من كواليس العمل؟
صورت مشهدًا لحشرة زاحفة صغيرة تجري داخل غرفة في المنزل، بينما يقوم بطل الفيلم بملاحقتها وكان صعبًا إحضار حشرة حقيقية والتحكم بها، ولذلك استعنا بمجسم بلاستيك لتلك الحشرة، وقمنا برطبه بخيط رفيع وتحكمنا بحركتها من خلال الخيط، وكان ذلك المشهد صعبًا وممتعًا في آن واحد.
-أين تم التصوير؟ وما التحديات التي واجهتك؟
تم التصوير في استديوهات المغربي بسقارة خلال ثلاثة أيام، والفيلم يدور كاملاً في موقع تصوير واحد هو الشقة التي يحيا فيها البطل، وتم تصنيعها داخل الاستديو، وهي المرة الأولى التي أصور فيها فيلما داخل استديو، وكانت تجربة لا تخلو من التحدي؛ لأن الاستديو لا يقدم خيارات كثيرة لزوايا الكاميرا، و يضع السبب الدرامي للتقطيع واختيار الزاوية في المرتبة الأولى قبل الأسباب الجمالية؛ بسبب تشابه الزوايا وقلة تنوعها، ويجعل المخرج شديد التأني في اختيار الزواية وحجم اللقطة بما يخدم مضمونها.
-الفيلم تم رفضه من مهرجان القاهرة السينمائي.. ما السبب وكيف استقبلت ذلك؟
الفيلم رُفض لمشاركته في مهرجان الإسكندرية، ومهرجان القاهرة عزيز على قلبي، والقصة أن المسؤولين في مسابقة "سينما الغد" بمهرجان القاهرة طلبوا مني سحب الفيلم من مهرجان الإسكندرية، ليكون العرض الأول للفيلم داخل مصر في مهرجان القاهرة، والتزمت بهذا الشرط وسحبت الفيلم من الإسكندرية قبل شهرين؛ لرغبتي بالعودة إلى مهرجان القاهرة، لكنني لم أجد الفيلم ضمن أسماء الأفلام المشاركة، و مع ذلك آثرت الصمت خصوصاً مع اشتعال أزمة فيلم "أخر أيام المدينة" – الذي مُنع عرضه أيضا-، فشعرت أنه لا فائدة من الاعتراض.
-عن "الغيبوبة".. ما هى الدلالات التي أردت إبرازها بتلك القصة؟
أظن أنه من الأجدى تركها للنقد السينمائي، فقد كتب الناقد الفلسطيني "بشار إبراهيم" عن الفيلم بعد أن شاهده في "قرطاج" أنه فيلم عن الوطن والانتماء، فالبطل يقرر مغادرة شقته التي تحولت إلى ما يشبه الخرابة، ولكنه سرعان ما يعود من جديد ليتمدد إلى جوار والده الغارق في الغيبوبة، فهو لا يملك مكانًا يذهب إليه وقد أدرك أن خروجه من البيت لن يطهره نهائيًا من ارتباطه العاطفي بالبيت والأب، وبالتالي سيقضي حياته الباقية في حنين وشوق لا نهاية لهما، ما سيجعله معذبًا و فاقدًا للملاذ، واختبرت بنفسي هذه المشاعر خلال ابتعادي عن سورية وإقامتي خارجها، حيث كنت وما زلت أرى أن العودة هي الحل الأمثل لمعاناة الإنسان، حتى لو كانت عودة إلى "خرابة" أو أطلال الماضي الجميل.
-من أكثر المخرجين الذي تأثرت بهم؟
أعتقد إني كسينمائي أنتمي إلى عائلة كبيرة هي عائلة السينمائيين، منذ الأخوين لوميير وحتى اليوم، تأثرت بالعديد منهم، والحقيقة أن كل فيلم أشاهده بما في ذلك الأفلام التجارية يثير في داخلي أحاسيساً ويقدم إليّ شيئاً جديداً، وتأثرت بمن أحب مثل "رومان بولانسكي" و "كيشلوفسكي" و "جيم جارموش" أما عربياً فأنا أتابع الجميع.
فيديو قد يعجبك: