رئيس الجمعية الجغرافية المصرية: تيران وصنافير سعوديتان بالخرائط.. والإعلام قام بتسييس القضية (حوار)
حاوره-أحمد الليثي ودعاء الفولي:
منذ 141 عامًا وفي شهر مايو، أسس الخديوي إسماعيل الجمعية الجغرافية المصرية، كأقدم جمعية متخصصة خارج أوروبا والأمريكتين، وتوالى على رئاستها عدد كبير من الشخصيات، منهم الملك أحمد فؤاد، أما أعضاء مجلس إدارتها فكان منهم سعد زغلول، طلعت حرب، والكاتب طه حسين. تحتوي الجمعية على حوالي 40 ألف كتاب بين اللغة العربية والإنجليزية، وتضم أكثر من 12 ألف خريطة وأطالس متنوعة، وهي ليست تابعة للدولة، بل جمعية خيرية أهلية.
مصراوي حاور السيد الحسيني، رئيس الجمعية الجغرافية، للحديث عن القضايا الشائكة المطروحة على ساحة الإعلام، على رأسها أزمة جزيرتي "تيران وصنافير"، لمعرفة كيف يرى المتخصصون الوضع، ولطرح قضايا أخرى كمنطقة "حلايب وشلاتين" التي عادت للصورة مرة أخرى بعد مطالبات بضمها للسودان، ولفهم أسباب بُعد الجمعية الجغرافية عن ساحة الحوار فيما يتعلق بالجزيرتين رغم التخصص.
-كيف تعاملتم كمتخصصين مع أزمة تيران وصنافير؟
عكفنا على دراسة الأمر؛ شكلنا لجنة من أساتذة الجمعية من السابعة صباحًا حتى السابعة مساءً على مدار أكثر من أسبوع، بحثنا في أكثر من 160 خريطة مختلفة، ولم نجد في إحداها تبعية الجزيرتين لمصر.
-البعض يشير إلى اتفاقية ترسيم الحدود 1906 لإثبات تبعية الجزيرتين لمصر؟
في 1906 لم تذكر تيران وصنافير في اتفاقية ترسيم الحدود، لدينا مئات الخرائط لم نجد في أي منها ذكر للجزيتين.
-كيف تتم عملية ترسيم الحدود؟
هي عبارة عن 4 مراحل، الأولى وصفها على الورق، الثاثية وضعها على الخريطة، ثم التنفيذ على الأرض من خلال وضع الحواجز، والأمر الرابع حمايتها على الأرض. وفي قرار رئيس الجمهورية رقم 27 لعام 1990
بتحديد نقاط الأساس المصرية لقياس البحر الإقليمى والمنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر، تخرج جزيرتا صنافير وتيران من البحر الإقليمى المصرى.
-ثمة خرائط تم طرحها تتحدث عن تبعية الجزيرتين لمصر؟
رسم الخرائط ليس أمرًا مُعقدًا، من الممكن أن يختلق أحدهم خريطة، أو تكون "فوتوشوب"، لذلك نعتمد في بحثنا على الخرائط الرسمية الصادرة عن أماكن تابعة للدولة، مثل هيئة المساحة، أو الإدارة العامة للمساحة العسكرية، ثم يتم الاستعانة بآراء الجمعيات المتخصصة، لكن يأتي رأيها في المرتبة الثانية.
-هل يعني هذا أن "وجهة النظر" قد تؤثر في رسم الخرائط؟
بالطبع. فأنا بنفسي اطّلعت على بعض الخرائط التي تقول إن سيناء تابعة لإسرائيل، وأثناء الاستعانة برأيي كحكم في مراجعة إحدى الموسوعات الأجنية وجدتهم قد اعتبروا "حلايب وشلاتين" تابعة للسودان، فعدّلت لهم المعلومة، رغم أن تلك المنطقة في جميع الوثائق والخرائط المصرية تابعة لمصر.
-في رأيك لماذا أثيرت أزمة حلايب وشلاتين من جديد، طالما تتبع الأراضي المصرية؟
لأنها أرض مُتنازع عليها، فالمسئولون المصريون يقولون إنها تابعة لنا والسودانيون يقولون إنها ملكًا لهم، لكننا نعرف أنها واقعة تحت السيادة المصرية، وكانت تديرها الحكومة السودانية، والإدارة لا تعني السيادة، وهو نفس الوضع الحادث في تيران وصنافير، فالملكية للسعودية والإدارة لنا، مع الاختلاف أنه لا نزاع بيننا وبينهم.
ويجب القول إنه في عام 1899 وبعد عام من الغزو المصري الثاني للسودان تم ترسيم الحدود بين البلدين وتم تحديد خط عرض 22 كحد فاصل لحدود مصر الجنوبية، وعليه تقع منطقة حلايب شمال خط عرض 22 بمساحة حوالي 20 ألف كيلو متر مربع. وتضم حلايب وشلاتين وابورماد. إلا أن بعض التسهيلات الإدارية تتم منحها لتيسيير تحركات أفراد قبائل البشارية السودانية والعبابدة المصرية على جانبي الخط، وقد أفرزت التعديلات ما يسمى بمشكلة حلايب وشلاتين، وقد بدأت تلك الأزمة فى الظهور بعد استقلال السودان وانفصالها عن مصر عام 1956، وفى يناير 1958 أرسلت القاهرة مذكرة للخرطوم تخطرها بأن منطقة حلايب تقع داخل الدوائر الجغرافية المصرية المقسمة للاستفتاء على رئاسة الجمهورية، وفي نفس الوقت كانت الخرطوم قد أدرجت حلايب كدائرة جغرافية في الانتخابات السودانية وكان هناك وفد من الداخلية السودانية يشرف على المنطقة حين وصلها الوفد المصري، لكن أهل حلايب وشلاتين شاركوا في الاستفتاء على الدستور 2014 وغيره، لذلك جغرافيًا لا شك لدينا بمصرية حلايب وشلاتين.
-لماذا توجد في مصر تحديدًا أراضي تختلف إداراتها عن السيادة عليها؟
لأن الاستعمار البريطاني فتت أجزاء من الأرض المصرية، كما حدث مع الاحتلال الإسرائيلي وفلسطين.
-ألم تستعن بكم الدولة في الأزمة الأخيرة؟
لم يتواصل معنا أحد من مسئولي الدولة، رغم أننا متاحين للكل، ولكن أخيرًا اتصلت بنا وسائل الإعلام حينما تبادر لذهنهم دورنا في استعادة طابا، حتى أننا عرضنا على مجلس النواب أن نكون بيت خبرة لهم "ولكل اللي عايز يعرف معلومة عن السكان أو الجغرافية أو السياسة، ولنا في جمال حمدان مثال في إعجازه لأنه باع الجغرافيا لغير الجغرافيين".
-بعض المعترضين اقترحوا لجوء مصر للتحكيم الدولي في قضية "تيران وصنافير".. ما تعقيبك؟
يتم ذلك حين يكون الأمر محل نزاع، ولكن الدولة معترفة بعدم الملكية والوثائق والمراسلات تشير إلى ذلك، وإذا لجأنا للتحكيم ستعتد اللجنة بالوثائق الرسمية، والتي لا تأتي على ذكر الجزيرتين كأرض تابعة لمصر، وحتى لو أخرج أحدهم خرائط أخرى، فالتحكيم الدولي لا يبني سوى على تلك الممثلة للحكومة.
- البعض يقول إن الحكومة تجاهلت الرأي العام المصري؟
كان من المفترض أن تقوم الحكومة بتوعية المواطنين بتفاصيل الجزيرتين. لكن في المقابل فمجلس النواب والرئيس هم ممثلين عن الشعب الذي قام بانتخابهم، وبالتالي لهم الحق في اتخاذ القرارات نيابة عنه، والمادة 151 من الدستور واضحة في تلك النقطة، فلا يجوز الاستفتاء إلا في حال التنازل عن الأرض وتلك الحالة لا تمت بصلة للجزيرتين لأنهما ملك للسعودية.
-معنى ذلك أنك ترى في الاستفتاء مضيعة للوقت؟
تلك القضايا لا تحسمها العواطف وإنما القانون الدولي "لو عملنا استفتاء مثلا على ضم حلايب وشلاتين في السودان سيصل الأمر لنسبة 100%".
-كيف ترى تناول الأمر إعلاميا؟
الإعلام قام بتسييس القضية ولم يستعن بمتخصصين لشرح الوضع، على العكس تأتي الفضائيات بأناس كي يملئون ساعات الهواء وليس بغرض التوعية، وفي النهاية أقول إن الكل لا يرضى بالتنازل عن حبة رمل وكذلك لا يجب أن نجور على حقوق الآخرين.
-ثمة دلائل أخرى تُستخدم للتدليل على تبعية "تيران وصنافير" لمصر.. منها أن وزير الداخلية المصري حسن أبو باشا أنشأ نقطة شرطة تابعة لجزيرة تيران في 1982.. ما رأيك؟
نقطة الشرطة لا تُثبت شيئًا، فمثلا لا يوجد فنار في "تيران" ولا "صنافير"، كما أنه أثناء حُكم عبد الناصر، عندما أراد وضع قاعدة للمدفعية لم يكن مقرها في الجزيرتين. الحدود البرية واضحة وهي لصالح السعودية، المشكلة كانت في الحدود البحرية، غير أن دخول اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، حيز التنفيذ عام 1994 حسم الأمر وجعل الجزيرتين في المياه الإقليمية السعودية.
-يستند البعض إلى فيديو للرئيس الراحل جمال عبد الناصر يتحدث عن مصرية الجزيرتين؟
كان ذلك جزء من الاتفاق بين عبد الناصر والسعودية وقتها، حيث يحميها الرئيس المصري بسبب عدم وجود أسطول سعودي، مؤقتًا حتى يشتد عود السعودية، وبحمايتها يكون لعبد الناصر الحق في إغلاق مضيق تيران أمام إسرائيل، فالمسألة سياسية.
حديث الرئيس جمال عبد الناصر إلى ممثلى أجهزة الإعلام العالمية والعربية فى المؤتمر الصحفى من ...
-لكن لم نر وثائق تُثبت صحة تلك الأقوال؟
ليس هناك وثائق، لن توقع السعودية على ورقة تُفيد أن "تيران" و"صنافير" ليسا ملكًا لها، لذا كان الاتفاق شفهيًا، في 1950 خشي عبد العزيز آل سعود على مصير الجزيرتين، فكان الاتفاق مع الملك فاروق بحمايتهما، وفي 1967 كان الأمر سياسي محض، وهو أن مصر أحبت أن تغلق مضيق تيران وكان الاتفاق مع السعودية على أن يدير ناصر المعركة، في 73 انضمت الجزر ضمن المنطقة ج في اتفاقية كامب ديفيد، ولم تشر إلى تبعيتها لمصر أو السعودية. وكل فترة ترسل السعودية لمصر بشأن الجزيرتين وترد مصر بأنها لا تنكر تبعية الأرض ولكنها ترجئ الأمر لدواع الأمن القومي، وأخيرًا في 1990 صدر قرار جمهوري بترسيم الحدود دون إشارة لتبعية تيران وصنافير لمصر.
-البعض يقول إن الدم المصري اُرهق على تلك الجزر .. كيف ترى ذلك؟
لا أحب أن يزايد أحد على وطنيتي أو وطنية غيري، المصريون حاربوا من أجل سيناء ولم يحاربوا من أجل الجزيرتين تحديدًا، كما حاربوا من قبل من أجل فلسطين، أكثر ما يُحزنني هو التفريط في شبر من أرض مصر لكن العلم لا يقوم على العواطف. العلم أمر بحثي بحت، يُفضي إلى نتائج وله خطوات بعينها، وذلك ما تعلمناه في الجغرافيا، بعض الناس لا تستطيع التفرقة بين العلمي والشخصي، فيمكن أن أقول
كمواطن يحب بلده إن "مصر أم الدنيا"، لكن هذا كلام غير صحيح علميًا.
-ساهمت الجمعية في حتمية عودة طابا.. كيف تم ذلك؟
خرائطنا ساهمت من خلال الدكتور يوسف أبو الحجاج، رئيس الجمعية الجغرافية وقتها، فهو من شرح للمحكمة النقطتين 90 و91 وتفاصيل موقعهما، الأمر الذي دعم بشكل كبير عودة طابا لمصر.
-من أي المصادر تم تجميع الكتب والوثائق الموجود بالمكان؟
معظمها إهداءات من الأسرة المالكة، للأسف منذ 1952 حتى الوقت الحاضر لا تلقى الجمعية بالاهتمام المناسب.
-وما أبرز الأنشطة التي تقام في الجمعية؟
نشاطنا البحث العلمي، تمتلك الجمعية آلاف الخرائط والكتب، لدينا موسم ثقافي في جميع الموضوعات المطروحة في الوطن العربي وبمصر، ونصدر مجلتين في السنة باللغتين العربية والإنجليزية ونحو 10 أعداد خاصة.
-في رأيك ما سر غياب الجمعية الجغرافية عن الساحة رغم أهميتها التاريخية؟
الجغرافيون يحبون أن يُدعوا، ولا يبتغون شهرة أو "شو"، وللأسف الوضع في مصر بشكل عام وفي الإعلام خاصة لا يلقي بالا بالعلم، لكن نحاول من خلال صفحتنا على موقع فيسبوك أن ننشر مواعيد الفعاليات، وصيتنا ذائع جدًا في العالم. إذ تـأتينا وفود علمية من دول مختلفة، ويعتريهم الإعجاب بسبب الكنوز الموجودة لدينا، وبعض الدول تضع الجمعية على خريطة السياحة العلمية؛ فعلى سبيل المثال هناك 4 سفراء لدول أجنبية زاروا الجمعية في الشهر الماضي.
-ما هي مصادر تمويل الجمعية؟
هناك 600 فدان وقف خيري لصالح الجمعية-من أجود أراضي الغربية- تركهم راتب باشا عام 1913، علاوة على الهبات والتبرعات من الأعضاء وبعض الوزارات. ويساهم الباحثون بنسبة من طباعة الأبحاث، ولدينا ودائع ننفق منها، لكن في عام 2003 سطا البعض على المكان "أحفاد حارس المدفن بتاع راتب باشا"، لكنهم خسروا القضية واسترددنا الوقف وتم الحكم عليهم بالتزوير، لكن الأموال لا تزال عند الأوقاف تحصل هي على نسبة والباقي يعود بالنفع على الجمعية.
-كيف تتم عملية انتخاب مجلس إدارة الجمعية.. وكم عدد المنتمين لها؟
هناك أكثر من 600 عضو في الجمعية العمومية التي تعقد اجتماع سنوي في مارس، والأعضاء مقسمون لدينا لثلاثة أنماط؛ الأول هو العضو العامل وخاص بكل من يحصل على ليسانس وماجيستير وما فوق في الجغرافيا، وهناك عضو منتسب وذلك للمنتمين لتخصصات أخرى مثل الجيولوجيا والنبات، والأخير باسم "مراسل" لأعضاء يعيشون خارج مصر.
وتعقد الجمعية اجتماعًا شهريًا لمجلس الإدارة، ويتم انتخاب المجلس من 15 عضو، وكل عامين تتم الدعوة لانتخاب 5 أعضاء جدد ويسقط 5 أعضاء بالقرعة، وبمرور 6 سنوات يحدث انتخاب كلي، وأنا أتمنّى أن يجلس على مقعد رئاسة الجمعية شاب أقل من 40 سنة.
فيديو قد يعجبك: