عالم نفس: على الدولة الحوار مع الملحدين.. والثورة سمحت للشباب بالتمرد دينيا (حوار)
حوار- سـارة ثـروت:
مع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي صارت الأحاديث مفتوحة الأفق، نقاشات غير نمطية من أنحاء شتى، وقضايا مغلفة بالجدل، الكل يطرح أفكاره دون توجس أو خوف، ومن بين تلك القضايا "الإلحاد". في مجتمع محافظ، يشير مواطنوه دوما إلى عبارات الإيمان في أحاديثهم، بينما يعتقد بعض الشباب أن له مطلق الحرية في الجهر به دون قيود أو نظرات استغراب.. وفي الحوار التالي يوضح أستاذ علم النفس ماهر صموئيل والحاصل على ماجستير الفلسفة والدين من جامعة ترينتي، سبب انتشار الظاهرة مؤخرا، وكيف يجب أن يتعامل معها المجتمع دون صدام، وهل للثورات دور في ذلك.
بداية.. من هو الملحد؟
التعريف الأكاديمي للملحد هو الشخص الذي يرفض وجود إله بناءً على أطروحات فكرية، فهو لديه بعض محاجات يصل بها الى خلاصة أنه "لا يمكن وجود إله".
ما أبرز تلك الأطروحات؟
يوجد الكثير من الأطروحات فمثلا من يؤمنوا بالفكر الإلحادي يقولون إن هناك مئات الأديان طبقا لتعريف كلمة دين، وكل ديانة منها تفترض مفهوم معين عن الله، وبالتالي لا يوجد اتفاق على تعريف كلمه إله، وإذا كانوا علميين تجريبيين فهم يؤمنوا فقط بالشيء الذي يمكن أن يروه فيعرفوه تعريف صحيح. وبما أن مفهوم الله غير قابل للامتحان فهم لا يؤمنوا به؛ فالملحدون يرفضون وجود أي شيء خارج ما تراه العين.
هل هذا التعريف ينطبق على الملحدين في مصر
لا أعتقد، فنسبة الملحدين قليلة في مصر لكن أيضا القليل منهم من وصل إلي هذه القناعة بأنه لا يوجد إله بناءً على أطروحات فكرية عميقة وأسئلة لم يجدوا من يجيب عنها.
وماذا عن نسب الملحدين عالميا؟
التوجه العام للبشر منذ وجوده هو التوجه للخالق، نسبة الإلحاد في العالم لا تزيد عن 11% و هذا يعني أن 89% من المجتمع يؤمن بشكل أو باخر بوجود قوة تتجاوز هذا الكون اياً كان ما يطلقوا عليها.
إذن.. كيف يمكن تعريف الملحد في مصر؟
يمكننا ان نقسم الملحدين في مصر الي 4 أنواع ، النوع الأول: "البـاحثون عن الحـقيقة" وهم أشخاص مفكرين، يرفضون الانسياق للعقل الجمعي، يرفضون الأيمان بشيء لمجرد أنه موروث أو شيء مجتمعي يعطيهم قيمة فهم لديهم حجج خاصة ويؤمنوا بها.
وما الذي يميز هؤلاء البـاحثين عن الحـقيقة؟
الذي يميزهم هو أنه لا يوجد لديهم يقين من جهة إلحادهم وهذا بصفة عامة ما يميز الملحد الحقيقي، فهو يكون متشكك في كل شيء حتي متشكك في إلحاده و يكون لديه أسئلة ولم يجد إجابة لها.
كيف نتعامل مع هذا النوع من الملحدين؟
يجب علينا احترامهم وتقدير أسئلتهم و يجب أن يكون لدينا الإمكانية للتفاعل الجاد والراقي مع الاسئلة التي يطرحونها.
عن ماذا يبحث النوع الثاني من الملحدين؟
الشعب المصري يعاني من أزمه الهوية، طبقاً لتفسير من يعملوا في مجالي علم النفس وعلم الاجتماع أن أزمه الهوية تنشأ من غياب البدائل، فالأسرة المصرية تعودت على فرض أيدولوجيات معينة على أبنائها نتيجة لظروف اقتصادية أو مجتمعية وتكون النتيجة فقد هويتهم، وذكر العالم الإسباني جيمس مارسيا ان هناك أربع حالات لفاقدي الهوية، أحد هذه الحالات أن الشخص يبيع هويته لينتمي لجماعة فيتخلى عن هويته الشخصية مقابل هوية هذه الجماعة.
ماذا غيرت الثورات في البحث عن الهوية؟
كانت الهوية الدينية هي أكبر الهويات التي كان الناس يبحثون عنها، و لكن بعد الثورة ظهرت هويتين "هوية ثورية" و"هوية إلحادية" وهذه الهوية لها جاذبية لأن هناك فكر شائع عند الشباب أن الملحدين أحرار ويفكرون دوما، بينما لا يستخدم المتدينون عقولهم ويسيرون بغريزة القطيع.
ولكن البعض يعتبر الأمر بحثا عن حرية مزعومة؟
هذا يأخدنا إلي النوع الثالث من الملحدين "البـاحثين عن الحرية الوهمية" فهم من يتعبوا من فكرة وجود إله سيحاسب ووجود عقاب لمن يخطأ، ويريدوا ترك العنان لغرائزهم فيبحثون بشدة عن التحرر بأي شكل، ويرون أن ما يقيد هذه الحرية هو فكرة وجود إله.
ماذا عن النوع الرابع؟
هو أسوأ الأنواع "البـاحثين عن الأضواء"، فلقد أصبحت مشكلة الإلحاد تسبب الجدل في وسائل الاعلام، وارتأى البعض المشهد مناسب للقفز في دائرة الضوء من خلال مجاهرته بانتمائه لجماعة إلحادية، وذلك جذب عدد ليس بقليل للإلحاد.
الإعلام يطلق على هذا النوع "مرض نفسي".. كيف ترى ذلك؟
أراه شيئا سخيفا، فلا يجوز اعتبار شخص مريض لمجرد أنه فكر؛ حتى وإن كان يبحث عن الأضواء، لأن هناك نسبة غير قليلة من المتدينين يبحثون ايضا عن الأضواء ولا نطلق عليهم لفظ مرضى.
إذاً بماذا تصف الباحث عن الأضواء بتبني فكرة مثيرة للجدل؟
نستطيع أن نصفه بتصرف غير ناضج.. لكن قولنا إنهم مرضي تفسيره الهروب من الاسئلة التي يطرحونها أو الاستسهال لتوفير المجهود الذي يبذل في البحث عن إجابات منطقية.
في مجتمعاتنا دوما ما يكون الملحد مرفوض اجتماعياً؟ هل يشكل أي خطر على استقرار الدولة؟
هذا يرجع لتعريف الدولة؛ إذا كانت دولة دينية فهنا الملحد يكون في الاتجاه المعارض لأنه لا يخضع للدين، لكن إذا كانت دولة علمانية فهنا هو لا يسبب أزمة كونه لا يستغل الدولة لصالح الدين .
ذكر استطلاع لجامعة إيسترن ميتشيجان الأمريكية أن عدد الملحدين فى مصر وصل إلى 3%، أى نحو أكثر من مليونى ملحد بعد الحراك الشعبي الأخير الذى أعقب ثورة 25 يناير 2011 .. هل كانت الثورة تربة جيدة للإلحاد؟
الثورة أعطت الشباب فرصة الشعور بحقه في التمرد على ما هو غير مقتنع به، بدءا من النظام الذي شعر معه بالقهر، وفجأة استطاع أن يعبر عن تمرده ونجح في الانتصار عليه. واستمد شجاعته من هذا النجاح، فأصبح مقتنعا بأن حقه التمرد على النظام الديني الذي تربى عليه ولم يكن له اختيار فيه.
ما هو تأثير الثورات علي شخصيات الجيل القادم؟
ثقافة هذا العصر مرتبطة بالثورة المعلوماتية، وذلك كان واضح في ثوره 25 يناير حتى أنها سميت ثورة الـFacebook، فهي لها تأثير قوي للغاية بأنها أعطت الشباب فرصة الاطلاع على ثقافات الأخرين، وأعطتهم هامش كبير من الحرية في فضاء الانترنت للتعبير عن أنفسهم، وفي اعتقادي اذا لم تتطور كل من المؤسسة السياسية والمؤسسة الدينية بسرعة على مستوى هذه التغيرات الثقافية ستظل في صدام مستمر مع الشباب، فلابد من التخلي عن الروح الأبوية التي تنصح وتعظ دون تواصل حقيقي مبني على التفاهم والاستيعاب.
فيديو قد يعجبك: