من قلب اليمن بعد مقتل صالح.."انقلب السحر على الساحر فانشق الشعب على نفسه"
كتبت- علياء رفعت:
في رُكنٍ قَصي من غرفة واحدة بمنزل صغير، جلس "مدين" مُحتضنًا زوجته وأولاده وهو يطلب من أبنائه الصِغار أن يسدوا آذانهم تارة عن أصوات أمطار الرصاص بالخارج، ويحاول أن يُلهيهم بحَكي القصص تارة أخرى عَلَ وقعها على نفوسهم يُنسيهم تلك الأصوات التي تبث الرعب في نفوسهم منذ ثلاثة أعوامٍ مضت، بينما ترِد الأخبار المتلاحقة أمامهم على القنوات الإخبارية بأنباءٍ تفيد مقتل رئيس اليمن السابق "على عبدالله صالح".
قبل ثلاثة أعوام، ومنذ بدأ الرئيس على عبد الله صالح تحالفه مع الحوثيين لاسترداد سيطرته على البلاد مرة أخرى؛ انتشرت ميليشات الحوثيين مع قوات صالح في أرجاء اليمن يقبضون على المواطنين بشكلٍ عشوائي ويقتلون آلاف من الصحفيين، الساسة، والأبرياء. كان وقتها أعمار صِغار "مدين" الثلاثة لا تتجاوز الـ7 سنوات. يفزعون لأصوات الرصاص ويبكون بُكاءً متواصلًا وهم يرجون أبيهم بالتوجه إلى مكانٍ أكثر أمانًا. وبدلًا من أن يحيوا طفولة آمنةً مُطمئنة، صار صوت الرصاص والأخبار السياسية المُتلاحقة لأوضاع بلادهم جُزءً لا يتجزأ من حياتهم اليومية.
"خَرب البلاد، شردنا، وشوه حياة أطفالنا.. بيستاهل الحرق مش بس الموت" قالها مدين وهو يصُب غضبه على صالح بسبب تحالفه مع الحوثيين الذين عاد للانقلاب عليهم فقتلوه ليعيثوا في البلاد فسادًا، كما يري، حتى أن من لم يذق التشريد أو يتعرض أحد أفراد أسرته للإصابة أو الموت في حروب تلك المليشيات؛ لم ينجو من المرض "قضوا علينا برصاصهم وغربلتنا الكوليرا بدون ما نلاقي أكل أو علاج بسبب تناحرهم على السلطة.. اليمن ما ضل فيه اللي يحكموه".
مَدين: "صالح خرب البلد وشَردنا.. ويا ويلنا إذا بيستولوا الحوثيين على البلاد"
ووفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية فإن وباء الكوليرا قد تفشى بشكل غير مبسوق باليمن مطلع العام الجاري، وارتفعت الوفيات جراء تفشيه إلى حوالي 1966 حالة تم تسجيلها في 22 محافظة و298 مديرية، بالإضافة إلى إصابة نحو نصف مليون شخص، منذ أبريل الماضي.
ورغم أن "مدين" يرى بأن صالح، الراقص على رؤوس الثعابين، لقي المصير الذي يستحقه بالقتل، إلا أنه لا يرى في الحوثيين البديل "يا ويلنا إذا بيستولوا على اليمن.. يا ويلنا".
إلى جانب شاشة التلفاز؛ جلست "ريحان" مُحدقة تستقبل أنباء الأحداث في اليمن بفزعٍ شديد. منذ عامين انتقلت الشابة العشرينية مع زوجها من اليمن لألمانيا بسبب ظروف عمله ولكن باقي عائلتها وقلبها بقى مُعلقًا ببلادها. أخبارٌ تتلاحق من كُل حدبٍ وصوب، وأنباء عن اغتيال الرئيس السابق الذي ترى فيه "ريحان" الخلاص الوحيد لليمن، خاصةً بعدما انقلب على الحوثيين ودعا إلى تحرير اليمن من قبضتهم.
ريحان: "اليمن تعاني حصار انقطاع الكهرباء والانترنت.. والحوثيون يقتلون اليمنين بشكلٍ عشوائي"
"بعد ما الأخبار أكدت مقتل الرئيس، حاولت أتواصل مع أهلى أطمن عليهم لكن مفيش فايدة" تقولها "ريحان" وهى تصف حصار انقطاع الخدمات عن اليمنين الذين يعانون من انقطاع الكهرباء بالساعات وقطع خطوط التليفون والانترنت مما يجعلهم في عُزلة تامة عن العالم لأيام متواصلة.
بمرور الوقت استطاعت الفتاة التواصل مع أهلها بصنعاء ليطئنوها على سلامتهم المؤقتة بعد أن أخبروها أن مليشيات الحوثيين تنتشر بكل مكان، وأن القتل عشوائي لا يُفرق بين طفلٍ أو مُسن بينما تنتشر الأخبار عن المستشفيات المُكدسة بالجرحى والمصابين. "خليكوا بالبيت" هكذا أوصت ريحان أهلها بعد أن ازداد قلقها أضعافًا بمعرفة الوضع على أرض الواقع بدلًا من شاشات التليفزيون.
" دلوقتي ولا حدا عنده أمل أو ثقة بأحد.. مش عارفين بكرة هيحصل ايه" تقولها ريحان وهى تُشيرإلى أنه برغم الأخطاء التي ارتكبها صالح بحق اليمن إلا أنه كان طوق النجاة الوحيد في تلك الظروف لأن له رصيد كبير لدى أغلبية الشعب اليمني، مؤكدة بأنه لم يكن يستحق ذلك المصير الذي وصفته بـ"البشع"، لأنه انتفض من أجل تصحيح أخطاءه، ولكن القدر لم يُمهله الفرصة.
وكانت المعارك الدائرة في اليمن قد أجبرت المواطنين على التزام منازلهم نتيجة للقصف العشوائي، والذي استهدف مستودعاً للجنة الدولية للصيب الأحمر يضم مواد طبية كان يفترض ايصالها لثلاث مستشفيات في المدينة. ولم يتمكن الصليب الأحمر الدولي حتى من إيصال عدة جراحة للمستشفيات التي تواجه "تدفقاً هائلاً" لجرحى الحرب. فيما يواجه أغلب الشعب أزمة غذاء ودواء طاحنة.
في تَعز، استقبل "محمد الحاكم" خبر مقتل على عبد الله صالح بفرحة عارمة مُرددًا "انقلب السحر على الساحر"، في إشارة لانقلاب الحوثيين عليه بعدما سعى للتحالف معهم ثم انقلب عليهم. فرحة محمد تلك لم تكن إلا ثأرًا خالصًا لأخيه الأصغر الذي أدرته قوات صالح قتيلًا أثناء الثورة اليمنية التي سعى صالح لقمعها، وقتل خلالها الآلاف من الأبرياء، بينما أصيب وجُرح الملايين.
الحاكم: "صالح يستحق مصيره.. وهتبقى بداية نهاية اليمن إذا انتصر الحوثيين"
"أجيبه منين عشان احكيله اللي حصل في الظالم من بعده" أطلقها محمد بتنهيدة كادت أن تحرق صدره الذي اشتعلت فيه النيران بفراق أخيه منذ سِت سنواتٍ مضت، لم تشهد اليمن خلالهم سوى حروبٍ أودت بحياة مواطنيها ومزقت قلوب ذويهم.
لأسبابٍ عديدة يقول "الحاكم" إن نهاية صالح تلك منطقية ومتوقعة، بل وشافية لصدرور الكثيرين، نتيجة للتحالفات السياسية التي سعى لتكونيها والعهود التي أبرمها ثم أنقضها، والمُقدرات التي نهبها "طبيعي تكون نهايته مأساوية بعد كل الجرايم اللي ارتكبها"، لكن أكثر ما يُقلق "الحاكم" بعد مقتل صالح أصبح استيلاء الحوثيين الكامل على البلاد وترأسهم لها "هتبقى بداية نهاية اليمن.. الله يحفظنا".
ووصل عدد القتلى منذ بداية تلك الحرب الطاحنة التي يشهدها اليمن منذ الأول من ديسمبر، بحسب الأمم المتحدة، إلى حوالي 770 شخصأ، بجانب تشريد أكثر من مليون آخرين.
الناشط السياسي مطهر الريدة: "ستقوم حرب بالوطن العربي إذا انتصر الحوثيون وتحكمت إيران"
ويرى الكاتب والناشط السياسي اليمني، "مطهر الريدة"، أن الحوثيين في الأصل هُم صناعة على عبد الله صالح، هو الذي أدخلهم وفتح لهم المعسكرات وساعدهم ليستعين بهم للقضاء على "حزب الإصلاح" والذي يُشكل ذراع الاخوان المسلمين باليمن. مُضيفًا أن الحوثيين الآن في حالة من التخبط الشديد إذ يقومون بالقبض العشوائي على أعضاء حزب المؤتمر وتصفيتهم عقب اغتيال صالح بشكلٍ وصفه الريدة بالـ"مهين لا يليق برجل عكسري محنك"، وبأن حالتهم تلك هى الفرصة الوحيدة أمام التحالف العربي والجيش اليمني الشرعي للقضاء عليهم بشكلٍ كامل.
"ستكون اليمن ولاية من ولايات إيران في منطقة الجزيرة العربية بتحكمهم بالبوابة الجنوبية للملكة العربية السعودية" قالها الريدة مُشيرًا إلى خطورة الوضع في حال إحكام الحوثيين سيطرتهم على اليمن بشكلٍ كامل وتوليهم الحُكم، مُضيفًا بأن المملكة العربية السعودية لن تسكت لأن هذا الوضع "سيهدد أمنها القومي".
ويتوقع "الريدة" أنه في حال فوز الحوثيين بتلك الحرب، ستتأثر المنطقة العربية بالكامل لأن اليمن في مركز حساس لكونها تطل على باب المندب، خليج عدن والبحر الأحمر إذ يتم اعتبارها بوابة للملاحة والتجارة العالمية. وأن تحكم الحوثيين يعني إحكام إيران السيطرة السياسية والاقتصادية الكاملة على الوطن العربي، مُستطردًا "سيكون القرار السياسي في يد إيران وإلا منعت عن الدول العربية الماء، الغذاء، والدواء".
وبحسب الريدة فإن هدف إيران الأساسي من إحكام سيطرتها على اليمن عبر الحوثيين هو تفريخ مليشيات أخرى بالدول العربية لكي تقوم بزعزعة استقرار تلك الدول ونشر المد الشيعي في كُل دول الوطن العربي، وصولًا لـ"مكة والمدينة". وأنه في حال تحقق ذلك "ستقوم حرب بالوطن العربي".
فيديو قد يعجبك: