رحلة أسر قبطية من العريش للعاصمة.. 3 شهور "كعب داير"
كتبت- شروق غنيم:
تصوير-روجيه أنيس:
حين قرر أمجد نعيم -اسم مستعار- مغادرة مدينته العريش، لم يفكر في اصطحاب أية من "تحويشة عمره" هناك، تملك الرجل الخمسيني الرغبة في النجاة بأسرته، دون حتى أن يعرف وِجهته، أو مصيره.
وفي فبراير الماضي، نزحت أكثر من مائة أسرة قبطبة من العريش إلى الإسماعيلية، جراء شعورهم بالخوف على حياتهم، بعد مقتل 7 أقباط على يد تنظيم داعش الإرهابي.
وصل نعيم للقاهرة، في فبراير الماضي، رافقته 6 أسر تربطه بهم صلة القرابة، لم يدرك أنه سيقابل مشاكل عدة بمجرد وصوله، تردد على عدد من معارفه بالعاصمة للمبيت عندهم، لكنه أراد أن يحصل على سكن مستقر يأوي أسرته المكوّنة من أربعة أفراد.
طرق أبواب محافظة القاهرة، لكنها أبلغته بأن الجهة المخوّلة بمساعدته هي وزارة التضامن الاجتماعي، توجه إلى مكتبها بمجمع التحرير، فمنحت، في آواخر فبراير، كل فرد 250 جنيهًا ومبلغ إضافي بدل للسفر.
ويقول نعيم إن الست أسر، التي تسكن معه في نفس الحي، تتألف من "أسرتين كل أسرة منهم فردين، وأسرة معاهم طفلة والزوجة حامل، وأسرتين كل أسرة معاها 3 اطفال، وأرملة".
ومنذ أواخر فبراير؛ لم تقدم أيًا من الجهتين الحكومتين أيّة تسهيلات لنعيم، أو أحدًا من 55 أسرة قدمت من العريش إلى القاهرة، بحسب قوله. وجد أخيرًا منزل بالإيجار لكنه دون أثاث "جيرانا المسلمين هنا عطونا شوية أساسيات نمّشي بيها حالنا لحد ما نلاقي حل".
وفي محاولة أخرى، قرر نعيم أن يذهب غدًا الثلاثاء للمحافظة مرة أخرى، علّ هذه المرة تُجدي نفعًا "رايح أمثل باقي الأسر اللي في القاهرة، إحنا كل اللي طالبينه بدل سكن، وتوفير أثاث لبيوتنا الجديدة".
ورغم عدم توقف استلام نعيم لمرتبه الشهري كموظف في حيّ العريش "لكن مبيكفيش، لما كنت باخده هناك كان بيتصرف على أكل وشرب، إنما هنا محتاج إيجار وأجهز البيت".
ضاقت أحوال معيشة في القاهرة بالرجل الخمسيني "إحنا مشينا من بلدنا في الشتا، دلوقتي هّل علينا الصيف ومعناش لبس، ولو قررت اشتري هحتاج مبلغ معتبر عشان أجيب للـ 3 بنات ووالدتهم".
خلال تلك الأشهر، خاض نعيم رحلته إلى مكتب الوزارة 5 مرات، والمحافظة 3 مرات، لكن دون أن يصل لحل، وحينما توجه لإحدى كنائس العاصمة، وفرت-لمرة واحدة- دواء الأنسولين، لابنته الصغرى التي تعاني من مرض السكري.
كلما تشتّد الظروف الصعبة على نعيم، يتحسّر على أحواله، كيف خسر كل ما ملكه في مدينته، وأصبح بلا شئ في مكان غريب عنه، زادت حسرته عندما سمع من أسر قبطية بالجيزة، استلامها لقطع أساس لمنازلهم الجديدة، بالإضافة لمبلغ شهري.
كل يوم يمر، يشعر نعيم بأنه "بجري ورا سراب"، وبعد زيارة بابا الفاتيكان بأيام "قولت مبدهاش، الدنيا متأمّنة والعمليات ضد المسيحيين وقفت فترة في العريش"، فنوى العودة مرة أخرى "أحاول آخد أي حاجة من بيتي وأرجع بيها عشان أعرف أعيش أنا والعيال".
لكن بعد سماعه أول أمس بمقتل نبيل صابر، أعرض عن الفكرة "قولت طيب ومين هيربي العيال لو موت؟" فيما يقول نعيم إنه مع استمرار هذا الحال، سيتملّك الأسر المسيحية اليأس، ولن تجد حلًا سوى العودة للعريش، ومواجهة مصيرها.
ويذكر نعيم كيف عمّت الفوضى حياة شقيقه بسبب الأحداث، إذ أنه ترك تجارته في العريش ومخزن ممتلأ بالبضائع، إلى جانب قرض من البنك "والمفروض أقف جمبه لكن مش قادر، لإن وضعي أنا كمان مش مستقر".
وحينما تواصل مع مسئول لحل أزمة القرض "البنك أجل دفع الأقساط بعد 4 شهور، مع إلزام أخويا بدفع الفوائد، كل شهر 3.600 جنيه، وضعه دلوقتي يا يتقبض عليه يا يروح يصرف بضاعته وممكن يموت".
يتألّم نعيم لما آلت إليه الأمور، فيما يتساءل "أنهي أحسن لوزارة التضامن، تفضل تدفع في تعويضات لشهداء، ولا تساعد الأحياء وتنقذ أرواحهم"، ينتظر الرجل الخمسيني تجاوب أي مسئول في الدولة "ولو الحال فضل زي ما هو، هرجع ع العريش، وأسّلم أمري لله".
فيديو قد يعجبك: