في قنا.. "عم عارف" رُبع قرن من حراسة الفراعنة بمعبد دندرة (صور)
كتب - محمد مهدي:
تصوير - جلال المسري:
تحت الشمس الحارقة، يتجولون أمام وداخل المعابد، يمارسون مهنتهم المقُدسة؛ حماية تراث الأجداد، تأمين ما تبقى من عهد "الفراعنة"، لا ترمش أعينهم، الأخطاء غير واردة، الخرافات خلف ظهورهم والخوف يُترك على الأبواب قبل دخولهم ساحة المعابد "المكان بقى بالنسبة للواحد بيته، اللي اتعود عليه، وكل همنا يبقى أمان" يقولها عارف عبيد، أحد حراس معبد دندرة بقنا، الذي قضى في تلك المهنة نحو 25 عاما.
بخطوات بطيئة يتحرك عم عارف في المنطقة المخصصة له داخل المعبد، صار الرجل خبيراً في كل رُكن بالمكان، حكاية المعبد الذي يضم أثار تعود إلى مصر القديمة والدولة الرومانية "مكنتش أعرف أي حاجة عن الأثار قبل ما أشتغل" لكن تغير الأمر حينما تلقى خطاب من وزارة الأثار بالموافقة على عمله كحراس في 1996.
القرار جاء من القاهرة إذ تقدم قبلها بنحو عام في المبنى المُخصص للوزارة بمنطقة العباسية، وحين اتجه إلى المعبد كان عليه التعرف على دوره تحديدًا "إني حارس حجر، أبقى مسؤول عن جزء في المعبد، محدش يعمل حاجة غلط ولا يبوظ حاجة".
الجلباب والعمة هما الزي الثابت والمعروف عن حراس المعابد، لا يمكنهم ارتداء ملابس آخرى "بنحافظ على مظهر موحد ونبقى في أفضل صورة لأننا بنقابل ناس أغراب كتير، جاية من كل بلاد العالم".
اليقظة والانتباه وسرعة التصرف هي أسلحة "عارف" وزملائه من حراس المعبد "عيني دايماً تبقى صاحية، واللي يحاول يكتب على الحجر أو يشوه المكان نمسكه ونسلمه الشرطة" يحتفظ الرجل بسلاح داخل جلبابه لم يستخدمه قط.
"للأسف بتيجي من المصريين مش حد غريب" يتحدث عارف عن محاولة الكتابة أو تجريح الأثار داخل المعبد، فيما يحافظ السياح الأجانب على المكان "ومفيش غلط بيجي منهم" يتجولون في صمت مع الانصات إلى المرشد السياحي.
الأيام الصعبة التي تمر ثقيلة على قلوب حراس المعبد هي الأعياد، إذ يتوافد عليهم المئات من الأطفال في رحلات عائلية أو خاصة بالمدارس "بيكون زحمة جدًا، بنتحرك من هنا لهنا عشان نتابع كل الناس لحد ما اليوم يعدي على خير".
منذ أكثر من 20 عاما، لم يكن "عارف" يُدرك أهمية المعابد أو قيمتها "لكن لما اتعينت حبيت شغلي والأثار جدًا، حسيت إني حارس لحاجة مهمة".
بعد خبرة السنوات بات يمكن لـ "عارف" وزملائه الحديث عن تاريخ "الفراعنة" والرومان، وحكاية كل حَجر داخل المعبد "أي مُرشد بيتكلم مع المصريين أو حتى أجانب أفضل أسمع وأسأل لحد ما بقيت عارف كل حاجة هنا".
لم يكن الحال نفسه للمعبد الآن مثل العقود الماضية، حينما عمل الرجل الخمسيني في أواخر التسعينيات "كان الوضع مختلف، دلوقتي فيه أمن أكتر وإضاءة في كل مكان ونضافة، دا اتغير خالص".
لا يعمل "عارف" صباحاً فقط، لديه ورديات مسائية من حين لآخر، مايزال يتذكر ليلته الأولى في معبد دندرة، والأقاويل التي سمعها عن لعنة الفراعنة وتحرك التماثيل ليلاً، يضحك قائلًا: "لكن أنا راجل صعيدي وقلبي تقيل، مبخافش من الحاجات دي، ومر عليا سنين مشفتش حاجة".
طوال سنوات عمله مرت ساعات مُرة على "عارف" لكن أصعبها هو هجوم عدد من الإرهابين على في الأقصر ومقتل السياح "كنت بخدم وقتها، حسيت إننا لازم نكون قويين لأنهم ممكن يهجموا علينا، لازم أي حاجة تيجي علينا نهاجمها بقوة وشجاعة".
فيديو قد يعجبك: