شجرة الست كوثر.. كيف حول أطفال النوبة قصة صحفية لعمل فني؟
كتبت-إشراق أحمد:
تلاقت دعوة مهرجان "أشري نارتي" مع ما ينشغل به محمد مهدي "إزاي قصة صحفية توصل للناس وتعيش؟". رحب الصحفي بتقديم ورشة حكي للأطفال في النوبة، ورغم أنها المرة الأولى له لكن بعد نقاش مع القائمين عن مضمون الحكاية، لتكن عن الحيوانات أم خيالية. قرر مهدي أن تكون حقيقية ومن محيط الصغار وواقع عمله.
"حكاية الست كوثر مع شجرة الجوافة". اختار مهدي السيدة الستينية التي التقاها في رحلته إلى النوبة قبل نحو شهر من المهرجان، لتكون بطلة قصته للأطفال. "من فترة مهموم بقصص النوبة وعملت أكتر من حكاية عن ناس بعتبرها أشبه بالأساطير في الحياة" يقول الشاب العشريني.
كانت حكاية "الست كوثر" الخيار الأنسب لعناصرها القريبة من الصغار. سيدة من قرية غرب سهيل تزرع قبل 30 عامًا شجرة جوافة ترعاها كأبنها الوحيد لتؤنس وحدتها، أحبتها ودعت الجيران لمحبتها بوضع "زير" للمياه يشرب منه المارة، وتوزيع ثمارها، تعلقت بها وأصبحت مصدر سعادتها، حتى أنه أعياها المرض حينما أكلتها الماعز ذات يوم. انتقى مهدي التفاصيل التي يمكن تقديمها لأطفال تتراوح أعمارهم ما بين 7 إلى 13 عامًا.
وللتأكد من استقبال الأطفال للحكاية، عرض الصحفي على القائمين تقسيم الورشة إلى جزأين أحدهما للحكي وآخر يرسم فيه الأطفال القصة كما رأوها.
على ضفاف النيل كان التحدي الأول أمام مهدي؛ أن ينفض عنه القلق. سريعًا كسرت "الدردشة" مع الصغار الحاجز، واستمد الصحفي بما استعد به من قراءة عن كيفية الحكي للأطفال وطرق جذب انتباههم، فيتفاعل معهم حين يخبرهم أن الماعز أكلت الشجرة "سألتهم تفتكروا الست كوثر تعمل أيه؟"، وتلقى مهدي المفاجأة الأولى "إجابتهم كانت غير متوقعة منهم اللي قال تحط سور حوالين الشجرة أو تكلم جيرانها يخلو بالهم منها في غيابها".
في ربع الساعة وعلى مدار ثلاثة أيام يحكي مهدي حكاية "الست كوثر" لنحو 20 طفلا في كل ورشة، ينشد في كل مرة أن يصل إليهم المعنى "لو بتحب حاجة لازم تتعلمها وتحميها، ولو عايز الناس تحبها لازم تشاركهم. وفي النهاية كل هذا القدر من المحبة بيخلي في صورة سعيدة للست كوثر والشجرة والناس"، فيما يختبر ذلك حينما ينتهون من الرسم.
مع إمساك الصغار للأوراق والألوان تصل المتعة لذروتها مع حماسهم وخيالهم. حرصوا جميعًا أن يحاكوا القصة، كل منهم بتفاصيله، فهذا طفل يضع طبقًا لقطرات الماء المتسربة من الزير، وآخر قسم ورقته لجزأين؛ رسم الشجرة ذابلة حينما أهملتها كوثر وأكلتها الماعز وبعدما عادت مثمرة للاهتمام بها، وأطفال أخرين أضافوا لمسات من بيئتهم "اللي رسموا عواميد الكهرباء المنتشرة هناك والنيل والسمك وطابع البيوت".
حتى الأصغر عمرًا بين الأطفال ممن عبروا بخطوط بسيطة عن القصة، غمرتهم الفرحة للمشاركة بالرسم والتعبير، وهو ما انعكس على نفس مهدي، لاسيما حينما تعامل مع بعض الصغار بكوا لعدم قدرتهم على الرسم "بقيت أرسم معاهم وأقولهم أحنا بنلعب"، واكتملت السعادة بتجاوبهم.
وأما اللحظة الفارقة حينما تكرر سؤال الأطفال "عايزين نشوف الست كوثر؟"، ورغم مشاركتهم لرؤية صور ومقاطع فيديو لها، لكن حماس البعض لزيارتها لمسه مهدي في العيون.
في ختام المهرجان يوم 26 إبريل المنصرف، عُرضت رسومات الأطفال في معرض ضمن نتاج الورش المختلفة. سعد مهدي بالتجربة، وزاد شغفه من أجل تعلم المزيد عن الحكي وتكرار المشاركة في ورش للأطفال بالنهج ذاته "أحكي حكايات ناس حقيقية في النوبة والصعيد".
يؤمن الصحفي الشاب أن الكتابة عن الناس يمكنها التأثير في الآخرين بجعلهم أفضل أو حتى بإدخال السرور لنفوسهم، ومن ثم تزيد فرصتها بأن تحيا "يعني لما طفل يبقى عارف الست كوثر من وهو صغير ده شيء مفرح جدا".
فيديو قد يعجبك: