"أحلام مؤجلة".. كيف تعامل طلاب السنة النهائية بالجامعات مع أزمة "كورونا"؟
كتب - رنا الجميعي ومحمد زكريا:
صار مُستقبلهم مُعلقًا، كانت مرحلة التخرج لطلبة الجامعات لحظة هامة، تحوّلت لمجهول، لا يعلمون متى التخرج، تعلّق كل شئ بسبب انتشار فيروس كورونا المُستجد في مصر، وصار لزامًا على الجميع البقاء في المنزل، حتى الأحلام توقف تحقيقها، الخطط التي قضى بعض الطلبة الليالي يُفكّرون فيها تبدّلت، أو تأجلت لوقت غير معلوم.
في مارس الماضي بقيت هاجر رمضان داخل منزلها، لا تتخيل كيف لزمت البيت منذ العاصفة الترابية التي ضربت مصر في 11 مارس الماضي، ومن بعدها بفترة قصيرة انتشرت الإصابات بفيروس كورونا، حتى تعدّت الاثنين وعشرين ألف حالة، فيما توقفت الدراسة الجامعية تمامًا، ومعها احتارت هاجر في أمرها، فقد كانت لديها خطة أساسية لما بعد التخرج.
تحلم هاجر باستكمال دراستها في أوروبا، تحديدًا ألمانيا "عشان دي لغتي التالتة"، حيث تدرس الطالبة الجامعية بكلية حقوق إنجليزي، بجامعة عين شمس، وقبل أزمة الكورونا كانت هاجر تُفكر في التقديم لإحدى المدارس الصيفية التي تؤهلها للمنحة الدراسية "وبتكون مش محتاجة شهادة التخرج ساعتها"، لم تعتقد أن وباء سريع الانتشار سيأتي ليوقف كل خططها.
لتضطر بعدها للبقاء في المنزل، وعلى مدار ثلاثة أشهر لم تنزل الفتاة من بيتها خوفًا على والديها كبار السن، فيما أعلنت الكلية أن الدراسة ستكون عبر الإنترنت "لكن الدكاترة اللي بيشرحوا لينا بعضهم معندهمش خلفية قوية عن النت، وحصلت أعطال فنية كتير، ملقتش حاجة أستفاد منها".
لم تيأس هاجر من حالة التوقف تلك، لكنها شعرت بحيرة شديدة، فيما سيكون عليه شكل أيامها المقبلة،منتظرة موعد امتحاناتها التي قررت وزارة التعليم العالي أن يكون في يوليو القادم، غير أنها ترفض تمامًا اجراء الامتحانات "أنا خايفة أكون خطر على بابا وماما"، فلا معنى من بقاءها بالمنزل طيلة الفترة الماضية، إذا كانت ستضطر للنزول في مرحلة صعبة بعدما ازدادت أعداد المصابين أكثر، كما أنها ليست مُتفقة مع زملائها في الحلول البديلة مثل تقديم الأبحاث أو قياس درجة الترم الأول "أنا عايزة أجيب درجات عالية عشان دا بيفيد لما أقدم للسفر برة"، لا تملك هاجر حلول حقيقية "لكن متوترة"، بينما يُصلح تأجيل الامتحانات حتى مرور الأزمة كحل أفضل من المطروح "يعني مش شايفة فيها حاجة لو أجلنا خالص الامتحانات، ماهو كدا كدا العالم واقف".
وقد أعلنت وزارة التعليم العالي منذ أيام قليلة عن موعد امتحانات طلبة السنة النهائية للجامعات، في يوليو المقبل، مع ضرورة اتخاذ عدد من الاحتياطات والاجراءات الوقائية على رأسها التباعد الاجتماعي.
كذلك توقفت خطط اسراء حسن تمامًا، التي تدرس في كلية الإعلام بالجامعة البريطانية، كانت تحلم بالتقديم على منح دراسية في الخارج، حتى خططها البديلة تأجلت "كنت بفكر إن لو مفيش منحة أشتغل في مصر لفترة"، لكن مع انتشار فيروس كورونا المستجد باتت أحلامها في الهواء "حتى لو عايزة أقدم على شغل فالورق بتاعي سايباه في القاهرة"، حيث التزمت اسراء منزلها الواقع بمدينة المنصورة، مسقط رأسها، منذ فرض حظر التجول في مارس الماضي.
لم تتأجل خطط اسراء العملية فقط، بل زواجها أيضًا "كنا هنتجوز في أكتوبر الجاي"، لكنها اضطرت برفقة خطيبها لتأجيل الزواج بسبب شعورهم بعدم الاستقرار نتيجة تلك الأوضاع.
ورغم كل الخطط المؤجلة لكن اسراء تتمكن من التكيف على الوضع الحالي، على العكس من جرجس ابراهيم الذي يشعر بالهمّ الشديد، الطالب بجامعة المنصورة، لأنه لا يدري أي ملامح لمستقبله بعد التخرج، ومن بين قرارات كان سيتخذها بعد انهائه الامتحانات هو زواجه أيضًا، فقد كان إبراهيم يعدّ خططه لأن يتخرج ثم يذهب للجيش، وبعدها يتم زواجه، أما الآن فيشعر بمسؤولية شديدة تجاه موعد الزفاف الذي حدده مع أهل عروسته "حياتي كلها اتأجلت".
حتى أنه لا يدري كيف سيُنفق خلال فترة الجيش، اعتاد إبراهيم الاعتماد على نفسه منذ دراسته الجامعية "وأنا بشتغل محاسب دلوقت وبصرف على نفسي"، فيما كان يخطط لتأسيس مشروعه الخاص بعد التخرج "ودا اللي كنت ناوي إني اصرف منه وأنا في الجيش"، لكن الآن الوضع أصبح صعبًا بالنسبة لإبراهيم" لحد ما ييجي معاد التخرج أنا هاروح جيش بعدها على طول مش هلحق حتى أعمل المشروع"، ولا يعلم ماذا سيفعل حينها.
لا يؤيد إبراهيم تحديد الامتحانات في يوليو المُقبل، حيث سيضطر حينها للسفر من مدينته ميت غمر إلى المنصورة "وأنا خايف من السفر بسبب كورونا، أنا لما بييجي سفر عشان شغلي برفضه"، ولذا يُرّجح الطالب الجامعي عمل الأبحاث، وهي واحدة من الحلول البديلة التي نادى بها اتحاد طلاب عدد من الجامعات المصرية.
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء فقد بلغ إجمالي عدد الطلاب المقيدين بالتعليم العالي نحو 3 ملايين 104 آلاف طالب، في العام 2018 - 2019.
ومن بينهم عدد الطلاب المقيدين بالجامعات الحكومية والازهر الذي وصل عددهم نحو 2 مليون و263 ألف طالب، بنسبة تصل إلى 72.9% من إجمالي طلاب التعليم العالي، فيما سجل عدد الطلاب المقيدين بالجامعات الخاصة 195 ألف طالب، يمثلون 6.3% من إجمالي طلاب التعليم العالي.
من جامعة القاهرة يشارك يوسف صلاح زملائه مطالبهم، الشاب لا يرى ما يستدعي المخاطرة بصحته وأسرته، من أجل إتمام امتحانات السنة النهائية في كلية التجارة "إنهم يخلونا نمتحن في الظروف دي، كأنهم بيضحوا بينا"، وعينه تتابع منحنى الإصابات المتصاعد يوميا، كما أن ذلك يفرض عليه أسئلة، لا يعرف لها إجابة، لكن تخّيل إجابات لها يُرعبه "طيب أفرض حد حد جاله كورونا لا قدر الله، هيأجلولوا الامتحان ولا هيسقطوا.. اللي هو تعيد السنة وجالك كورونا"، ولم تقدم وزارة التعليم العالي إجابات، فقط رسائل طمأنة للطلاب بأن الحرص على صحتهم في مقدمة أولوياتها، فيما يرى أن الحل الأنسب بالنسبة له هو تقديم أبحاث بدلًا من الامتحانات.
لا يعرف صلاح، أي منهج دراسي محسوب عليه، ومطالب بالامتحان فيه "مخدناش حاجة، يدوبك درسنا شهر ونصف، والجامعة وقفت، كمان في تجارة انا متعود اجيب ملازم آخر شهر قبل الامتحان واذاكر، لكن السنة دي الواحد اتغفل"، كما لا يملك الشاب أي أوراق تحوي مادته الدراسية حتى الآن، ولم تفيده الدراسة عن بُعد "مفهمتش حاجة من المحاضرات الأونلاين، عشان مفيش تواصل خالص، أنت بس بتسمع لدكتور بيقرأ كلام".
لم تخرج مواقف اتحادات طلاب عددا من الكليات، عن رأي صلاح، من بينها اتحاد طلاب كلية الهندسة في جامعة بنها الذي أصدر بيانًا لمطالبة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بإلغاء الامتحانات النهائية، واستبدالها بأحد البدائل أسوة بزملائهم في سنوات النقل، ودشن آلاف الطلاب هاشتاج على "تويتر" يطالبون بالأمر نفسه، كـ"#انقذ_طلاب_التخرج_ياريس"، و"#انقذوا_طلاب_التخرج_من_كورونا".
في الظروف العادية، لكان صلاح انهى امتحاناته، وخطى نحو مستقبله، فالشاب معفي من التجنيد الإجباري، قبل أزمة الكورونا فكّر في سيناريو حياته بعد التخرج "كنت هاخد كورسات عشان أقدر أقدم في وظيفة في البنوك بعد كدا، لكن الدنيا باظت، واديني قاعد في البيت مش عارف بكرة فيه ايه".
لم يُفكّر محمود ذكي أن رسوبه في إحدى مواد كلية التجارة العام الماضي، ستكون ذات مشقة بهذا الشكل العام الحالي، ولم يحسب أن وباءً عالميًا سيأتي ليضع خطته للمستقبل في تأجيل مستمر "وأهو أنا متعلق بسبب مادة، لا هعرف أدخل جيش ولا أعمل حاجة"، لكن ذكي يُفكر ألا يُختبر في المادة بالموعد الذي سيقرره الكلية "همتحنها ملاحق"، دفعه لذلك القرار خوفه من النزول خلال تلك الفترة الصعبة، ليصبح عرضة للإصابة بفيروس كورونا.
خططّ ذكي للمستقبل، أعد لها قبل سنوات، الشاب يملك محال لإصلاح المحمول، مشروع افتتحه وهو يدرس التجارة، لكن عطلت الجائحة "أكل عيشه"، فيما هو يتنظر انتهائها بفارغ الصبر "عشان أَخّلص من المادة اللي فاضلة لي في الكلية، وادخل الجيش"، ويركز انتباهه لتطوير مشروع الموبايل.
فيديو قد يعجبك: