من كييف إلى الحدود البولندية.. معاناة الطلاب المصريين للهروب من الحرب مستمرة (فيديو)
كتبت- مروة محيي الدين:
في مدينة إيفانو فرانكيفسك، استيقظ يحيى زكريا فزعًا على أصوات القصف الروسي الأوكراني، الذي يبعد عن منزله نحو كيلو متر فقط، مهرولًا إلى النافذة التي لم يرَ منها غير الدخان؛ إثر القذائف المُطلقة من قبل الروس، ليحاول الفرار ورفاقه إلى الملاجئ الموجودة تحت الأرض، إلا أن اشتداد الوضع منعهم من الوصول إليها.
عقب ساعات تحمّلها زكريا بين الذعر والهلع جراء ما حدث، وصلت سيارة لتنقله ورفاقه في رحلة تستغرق نحو 3 ساعات من محل سكنه في أوكرانيا متجهًا مع آخرين، إلى الحدود البولندية؛ سعيًا في الهرب من جحيم الحرب.
قبل نشوب الحرب بنحو ثلاثة أسابيع، فكر زكريا الذي يدرس بالفرقة الرابعة في كلية الطب البشري، وزملاؤه المغتربون في مغادرة أوكرانيا واستكمال الدراسة عبر الإنترنت، فيما طمأنتهم السفارة المصرية حينها، لكن ازداد الوضع سوءًا، الأمر الذي جعلهم يترددون ما بين العودة إلى بلادهم وترك أحلامهم أو البقاء في ظل الوضع الراهن.
بعد تفكير، صوب زكريا وجهته نحو الحدود البولندية بلا تراجع، والتي تبعد عن ايفانو فرانكيفسك الواقعة على الحدود الغربية لأوكرانيا حوالي 200 كيلومتر حاملاً ورفاقه القليل من الطعام والماء، بالكاد عثروا على سيارة للانطلاق إلى بولندا.
قبل أن يصل الشاب ذو الـ 22 ربيعًا وزملاؤه إلى الحدود البولندية، فوجئ بحشد كبير من جميع الجنسيات "أفارقة وجزائريين وهنود" تعطّلت السيارة عن التحرك خطوة أخرى إلى الأمام "كان فاضل 40 كيلو على الحدود خدنا 3 ساعات كمان في العربية ولو فضلنا في الوضع ده محتاجين أيام عشان نوصل للحدود البولندية"؛ لذا اضطروا إلى استكمال الطريق سيرًا على الأقدام، كما يقول لمصراوي.
اشتد ظلام الليل، البرد القارس، ازدادت تجمعات النازحين من المُدن الأخرى، وتنقل عربات الإسعاف من أُصيبوا بالإغماء إثر انخفاض درجة الحرارة، بينما يحاول زكريا ورفاقه عازمين الوصول "معرفناش ناخد راحة ولو ربع ساعة عاوزين نلحق الحدود البولندية بحيث ندخل مع الناس".
في اليوم التالي للحرب وصل الطالب المصري باكرًا إلى نقطة تفتيش بالقرب من الحدود الأوكرانية البولندية "انتظرنا طابور التفتيش حوالي 12 ساعة"، ومن ثم استكملوا سيرهم 8 كيلو مترًا للاتجاه نحو المعبر البولندي "اتحشرنا لا عارفين نرجع بيوتنا ولا عارفين نعبر الحدود" بسبب عدم توافر وسائل النقل.
أيام ثقيلة تمر على زكريا وزملائه عالقين في معبر ميديكا بالقرب من الحدود الأوكرانية البولندية، بعدما قل الطعام، تنقطع كل وسائل الاتصال بسبب نفاد شحن هواتفهم، ورصيدهم من الانترنت، عاجزين عن التواصل.
ما كان يهون عليهم مرور الساعات إمدادات الأسر الأوكرانية من الخبز والمشروبات الدافئة "في مساعدات بطرق تانية، مثلا ساب الناس أكياس فيها ملابس أطفال ونسائية على الأسوار بحيث لو حد محتاج حاجة يلبسها" إضافة إلى لعب الأطفال التي يتم توزيعها لتهدئة روعهم.
كان الوضع أسوأ بالنسبة إلى بسام أشرف، المقيم في كييف، الذي أجري عملية جراحية في ساقه قبل سفره إلى أوكرانيا "والمفروض يعمل عملية تانية في أسرع وقت" حسب قول شقيقته لمصراوي.
فجر الخميس الماضي، قبل بدء الهجوم الثاني، اضطر بسام وأصدقاؤه إلى استئجار سيارة خاصة؛ لتبعدهم عن العاصمة المستهدفة من قبل القوات الروسية، وتنقلهم إلى الحدود البولندية.
انتفض الشاب العشريني وثلاثة من رفاقه إثر سماع أصوات الحرب محاولين الفرار مما يلحق بهم "كان في طيران نزل على كييف وقالوا لنا الهجوم الثاني هيبدأ الساعة كذا"، اتجهت السيارة في طريق محفوف بالمخاطر من جميع الاتجاهات "طول ما احنا ماشيين أي مدينة بنعدي عليها بيضرب فيها كل شوية".
لم يكن الفرار سهلًا إذ تعطّلت السيارة في الطريق على بعد 34 كيلو مترًا من الحدود البولندية، بحسب قول بسام لمصراوي، ما عرقل وصولهم. اضطر إلى استكمال الطريق برفقة أصدقائه سيرًا، إلى أن قابلتهم محطة وقود "رضيوا يبيتونا من الساعة 2 بالليل إلى الساعة 7 الصبح".
أيام قضاها الطلاب في الشارع بدون طعام أو ماء "احنا بنشحت الأكل والشرب مواردنا خلصت من يومين".
مرّت ساعات شاقة على بسام ومن معه، حيث مروا على أربع مداخل ماشين على أقدامهم قبل الوصول إلى معبر بولندا "عدينا مرحلة الخطر الجامدة لكن بالإجهاد البدني".
محاولات عديدة لجأ لها زكريا منذ أن وصل بالقرب من الحدود البولندية ومُنع من العبور؛ بسبب تصريحات السفارة الأوكرانية بالسماح للسيدات والأطفال وكبار السن مغادرة البلاد، ومنع الشباب تحت سن الـ 60 عامًا "مكانش قدامنا غير أن يكون لينا حد أوكراني بس تكون بنت سايقة العربية أو راجل أكبر من ستين"، موضحًا أنهم عرضوا مبالغ على بعض السيدات "يعدونا الحدود لكنهم رفضوا".
ويناشد الطالب السفارة المصرية بالتدخل السريع لإنهاء الوضع القائم "قصة إننا نروح من المدن للحدود كانت أكبر عقبة لينا".
حالة من الذعر تعيشها راندا شقيقة بسام الذي سافر إلى أوكرانيا قبل عام بعد انقطاع إجازته لاستكمال الدراسة بكلية طب أسنان، فيما ينتظر زكريا فتح المعبر البولندي ليطمئن أهله "خايف إنهم يموتوا من الخوف عليّ.. أنا والدتي بتبكي دم"، نادما على قراره بالمغادرة "كان أهون لينا نفضل في المدن اللي عايشين فيها ناخد صاروخ أحسن من البرد والوقوف من غير أكل وشرب".
فيديو قد يعجبك: