إعلان

من الإعلام إلى المواطن: ''سنة سودة يا جميل''

03:41 م الخميس 01 يناير 2015

كتبت-رنا الجميعي ودعاء الفولي:

ينتهي يوم العمل المزدحم، يجلس عيد رشاد أمام شاشة التلفاز مساءً، يمر بيديه بين البرامج التليفزيونية المصرية. مذيعون يتحدثون؛ هذا يطالب الرئيس بمحاسبة مرتكبي العمليات الإرهابية، آخر يوصي المشاهدين أن يكونوا ''مخبرين''، يبلغوا الجهات المعنية بأي شخص مشتبه بتورطه في ''الإرهاب''، ثالث يعلو صوته بشكل يجعل رشاد منفعلا بالتبعية.

2014 لم يكن عام موفق أمنيا، قضى عشرات المدنيين والعسكريين نحبهم جراء تفجيرات. مع الدماء التي أغرقت أرض الدولة، لم يؤدِ الإعلام دوره، ارتفعت لهجة الإعلاميين الحادة في التعامل مع الأحداث، خلطوا الأوراق والأحكام، ظهر خطاب الكراهية ضد بعض فئات الشعب، ومحصلة التخبط الذي ألمّ بالإعلام –كما يؤكد بعض الخبراء- أن المواطن لم يستفد شيئا من المواد المقدمة رغم كثرتها.

يمتلئ العام المنتهي لتوّه بتلك النوعية من الخطابات، والتي إن خلت من التحريض فإن أصحابها يهولون الأمور، كمذيع قناة التحرير أحمد موسى، الذي طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي، في أكتوبر الماضي بإعلان الحرب عن طريق تكوين مجلس دفاع وطني، عقب حادث الهجوم على نقطة ''كرم القواديس'' بشمال سيناء، والذي أسفر عن استشهاد 28 وإصابة 31 آخرين.

 

''أرجوكوا ارجعوا اتحركوا من الشباك ومن الكنبة ومن البلكونة''، ظهرت المذيعة أماني الخياط، بإحدى حلقات برنامجها على قناة القاهرة والناس لتقول تلك الجملة، تحث المشاهدين على الحذر من عودة الحكم الإسلامي مرة أخرى، دون تفسير ما يمكن أن يفعله المواطن في هذا الموقف.

 

 

قال الخبير الإعلامي، أيمن الصياد، إن الفزاعات التي استخدمها بعض الإعلاميين، لم تحل أزمة الحوادث الإرهابية، فالمبالغة أثرت سلبا على الوعي العام، ما جعل هواجس الإرهاب تترسخ في ذهن المواطنين؛ فنصب بعضهم نفسه حكما على أفعال الآخرين، موضحا أن تعرض الأجانب للمضايقات في الوسائل العامة أو واقعة القبض على صحفي بجريدة ''لوموند الفرنسية'' لتحدثه الإنجليزية بإحدى المقاهي، هي خير دليل على فوبيا المؤامرة التي يزرعها الإعلام مع كل مادة يبثها، مضيفا: ''لسنا في مجال نقنع فيه الناس أن تنظيم الأسرة مهم، لا يحتاج الإعلاميون سواء الصحف أو القنوات إلى تضخيم الأمور لإثبات أن الإرهاب سيء، ما عليهم سوى تأدية وظيفته في عرض المواد والتحليل''.

الظهير الإعلامي ضار بالدولة

في أغسطس الماضي، لم تكن المرة الأولى التي يتدخل فيها المذيع توفيق عكاشة في الشأن العربي، غير أنه في تلك المرة أقحم نفسه ومعه الجيش المصري، للدفاع عن دولة تونس حين قال: ''تونس لا يوجد فيها جيش.. ولكن فيها إرهاب.. لما نخلص ليبيا ندخل على تونس''. يظن رشاد أن كثير من الوجوه التي تظهر على التلفاز لتتحدث عن وضع مصر الأمني ''اتحرقت''، لا يمكن تصنيف المواطن الخمسيني على أنه معارض لسياسات الدولة، لكنه وفي نفس الوقت يرى أن الإعلام الخاص ''صوته عالي وبيجعجع كتير''، خاصة عقب كل حادث إرهابي، بعض المذيعين من وجهة نظره أصابهم الغرور ''بيقعدوا حبة من الحلقة يتكلموا هما بس ويحكوا عن نفسهم.. احنا جايين نسمع أخبار ولا نسمعهم هما؟''، رغم المآخذ التي يتبناها رشاد، فهو يعتقد أن ''جعجعة'' الإعلاميين لها دافع وطني.

يؤكد عمرو عبدالحميد، مقدم نشرة الأخبار بقناة الحياة والمذيع بقناة سكاي نيوز عربية، أن التعامل غير الاحترافي مع الحوادث يضر ''والدولة عندها قصر نظر لأنها سعيدة بالظهير الإعلامي حتى لو على خطأ''، مثلما حدث في تناول الإعلام لحادث تفجير مديرية أمن الدقهلية، واتجهت كل الألسنة صوب الإخوان، في حين كشفت التحقيقات أن فرد أمن متورط بالتفجير، مشبها الإعلاميين المؤيدين لسياسات الدولة بشكل مطلق بـ''الدب الذي قتل صاحبه''.

لا تخلُ السنون الماضية من نماذج قريبة لما يحدث بمصر، ففي الولايات المتحدة الأمريكية، وعقب ضرب برجي التجارة العالميين، وإعلان إدارة جورج بوش الحرب على الإرهاب، تبنت أغلبية وسائل الإعلام وجهات نظر موالية للسلطة، لكن لم تستطع أمريكا القضاء على الإرهاب، بل وازداد توغله في الفترة الأخيرة –كالعملية الانتحارية التي استهدفت مدرسة باكستانية في ديسمبر وقُتل فيها أطفال، يقول الصياد إن الشعب الأمريكي بعد سنوات حُكم بوش تأكد من فشل إدارته، حتى أن كثير من الحملات ظهرت تنادي بعدم معاداة المسلمين، واعترفت الوسائل الإعلامية مع الوقت بخطئها في موالاة السلطة بشكل مطلق، كجريدة ''نيويورك تايمز'' التي أيدت الحرب على العراق مستندة إلى مصادر صرحت بوجود أسلحة دمار شامل بالعراق، وهو ما اعتذرت عنه الجريدة فيما بعد لاستنادها لمصادر غير موثوق بها.

افتقاد المهنية وأشياء أخرى

أن يكون الإعلام إعلامًا؛ تلك هي المهنية كما أوضح الصياد، جنح الإعلام إلى التباهي والإعلان عن قدرات الدولة، يذكر الخبير الإعلامي مثالا لذلك بأخبار يتم نشرها في الصحف، عن القبض على خلية إرهابية جديدة دون معلومات واضحة، وتهرع الكثير من الوسائل بشكل عام إلى السبق، دون تمحيص في ما يُقال ''بالإضافة للأخبار المُجهلة المصادر التي تتحدث عن الإرهاب وازديادها في هذا العام بالصحف''.

كان الحديث عن دول بعينها تمول الإرهاب، كقطر وتركيا، مادة غنية للوسائل الإعلامية المصرية ''حثت الصحف والقنوات على معاداة قطر، وبعد إجراء المصالحة بينها ومصر تم ابتلاع تلك الاتهامات كأنها لم تكن''، على حد قول الصياد.

ثمة مانشيتات تداولتها الصحافة أيضا كانت ''غير منطقية''، كخبر نُشر يتحدث عن تورط الفاتيكان في عمليات إرهابية لجماعات إسلامية، ما يبدو للخبير الإعلامي استهزاءً بعقول المواطنين، خاصة مع عدم وجود أدلة.

يعتقد رشاد أن ''الإعلام بيعمم واللي بيتفرج مش دايما هيبقى عنده وعي''. خطاب الكراهية يرسخ مبادئ عدم المهنية كذلك، حيث أضاف ''الصياد'': ''إذا قلنا إن 2 مليون شخص ينتمون للإخوان ولو فكريا فإن فاستعداءهم لن يجعلهم أفضل ولن ينهي مشكلة الإرهاب.. ينسى الإعلاميون دائما أن التحريض على أي فئة يخلق إرهابيين محتملين''.

يرى حسام السكري، الكاتب الصحفي والرئيس السابق لبي بي سي العربية، أنه لا يمكن إصدار أحكام عامة على الإعلام بدون دراسة علمية وافية. موضحا أن هناك أوجه للقصور يمكن رصدها دون تعميم على الكل. من ذلك نشر تقارير مصورة عن دخول ''داعش'' إلى مصر، ثم يتضح أن الصور التي قيل إنها على الطريق الدائري هي في الحقيقة مأخوذة من دول أخرى. قد يفعل البعض هذا بدعوى الرغبة في إبراز خطر جماعات العنف المسلح لكن الكذب وعدم المصداقية يصبان في النهاية في صالح الإرهاب.

هناك أيضا إشكالية تتعلق بنشر وإذاعة بعض القنوات لرسائل جماعات الإرهاب كسبق صحفي وهو ما يقدم خدمة لا تقدر بثمن لهذه الجماعات عن طريق توسيع نطاق نشر وتوزيع رسالتها. وقال السكري إن نشر الصور أو الفيديوهات التي تحتوي على مشاهد العنف والقتل يحتاج لتعامل أكثر مسئولية من القائمين على الإعلام، ولابد من النظر في الهدف من وراء النشر وهل هو للإثارة، أم لتحليل خطط هذه الجماعات وأساليبها.

ما يتعامل معه بعض الإعلاميين بمصر على أنه انفراد، لا يعتبر كذلك دائما. فعلى حد قول السكري، لا يمكن اعتبار إذاعة أو نشر مخططات أمنية وضعت للوقاية أو الهجوم على أوكار إرهابية، لمجرد أننا تمكننا من معرفتها من مصادرنا. مثل هذا، إذا حدث، يضر بأمن المواطن والوطن وقد يترتب عليه احباط خطط مكافحة العنف. من جهة أخرى لا يمكن اعتبار أي انتقاد لأداء المؤسسات الأمنية تهديدا للأمن القومي. فالإعلام واجبه مساعدة الدولة في كشف مواطن الضعف وتصحيح الأداء.

ويضيف عبدالحميد الإعلامي بقناة الحياة، أن حرفية المذيع في التعامل مع المصادر، تأتي من مدى استفادة المشاهد مما يُقال، حيث يتعين عليه استخراج كلام غير نمطي من الضيف، رغم أن معظم وسائل الإعلام تتجه للمصادر النمطية ذو الكلام الواحد.

''تكميم الأفواه.. انتصار للإرهاب''

تحت هذا الاسم صدر بيان انطلاقا من استشعار الصحفيين المسئولية الإعلامية التي تقع على كواهلهم، بعد البيان الذي وقعه رؤساء تحرير الصحف منها الشروق، الوفد، ونقيب الصحفيين في نوفمبر الماضي للدفاع عن الثوابت الوطنية والمشروع الوطني الذي يقوده الرئيس والتوقف عن نشر البيانات الصادرة التي تدعم الإرهاب كما جاء في تفاصيل البيان، لذا وقع حوالي 600 صحفي رافضين له ومعتبرين إياه ''رِدّة عن حرية الصحافة وإرهاب عبر إعلان التخلي الطوعي عن حرية الرأي والتعبير''.

الصحفية الشابة هدير الحضري، ضمن الموقعين على البيان، حيث اعتبرت أن بيان رؤساء التحرير هو قيود جديدة على حرية الصحافة من داخل المؤسسة الصحفية، وترى أن المناخ العام للصحافة بمصر يشوبه اللغط حول مفهوم الأمن العام وعدم الوعي بحرية الصحافة ''اللي بيوقع الأمن العام هو المنع والخطوط الحمراء''، كما تؤمن أن من مهام الصحافة، الرقابة على جميع المؤسسات ومن بينها الشرطة والجيش.

العناوين الموحدة التي تكتبها الصحف أحيانا، منها ''من القاتل'' الذي ظهر بأكثر من جريدة عقب براءة مبارك أول هذا الشهر، هو ما تعترض عليه الحضري، تمنت إتاحة الفرصة بين الصحف للاختلاف وعرض الآراء المتباينة وهو مالم يحدث.

ما ذنب المواطن؟

من الطبيعي أن تتوفر آليات يستطيع بها المواطن محاسبة الوسائل الإعلامية، على حد تعبير السكري، ومن هنا تأتي ضرورة الاتفاق على معايير معلنة يتم التعامل بين الجمهور وبين الإعلاميين على أساسها.

وأوضح السكري: ''من المفترض أن تعلن كل وسيلة عن منهجها وميثاقها والتزامها أمام المشاهدين أو القراء''. هذه المعايير هي التي ستعين الجمهور على متابعة الأداء وستحدد مجال الشكوى ونوع الخروقات التي يمكن الشكوى منها. ينبغي أيضا على وسائل الإعلام أن تحدد آليات التعامل مع هذه الشكاوى، والمدى الزمني الذي ستلتزم فيه بالرد، وإن لم تفعل هذا في وقت محدد، يكون من حق المواطن رفع الشكوى لجهات لرقابية أعلى يحددها المجلس الوطني للإعلام.

في بعض الأحيان تأخذ المواطن رشاد نوبات تمنّي أن يرى جديدا في المعالجة الإعلامية لقضايا الإرهاب، وإن لم يعلم كيفية حدوث هذا؛ فهو غير متخصص، كل ما يعرفه هو ''بدأت أحس بالملل من الزعيق.. بتفرج بس بمر على كل واحد عشر دقايق.. بحاول مسلمش دماغي لحد.. نفسي يدونا أمل في اللي جاي مش كل حاجة لازم تبقى سودة''.

 

تابع باقي موضوعات الملف:

إرهاب 2014.. ما تيسر من سيرة الخايفين (ملف خاص)

2015_1_1_23_41_48_973

بعد 21 عامًا.. مصراوي يسترجع تفاصيل اغتيال ''الشيماء'' ضحية إرهاب التسعينيات

3maavoy1

حينما يتحول المواطن إلى ''إرهابي'' بدون أسلحة أو تنظيم

4dahej80

في 2014.. الرعب يبدأ من "يوم الجمعة والمترو والكاميرا"

9ejbxto8

بسمة عبد العزيز تحلل نفسية المصريين: المواطن مفعول به.. بمزاجه (حوار)

79rx28wm

7 وزراء داخلية واجهوا ملف "الإرهاب".. (ملف تفاعلي)

29zm4al7

حكايات على الهامش.. اللي يجاور الإرهاب ينكوي بناره

30t31wkr

مدير مفرقعات القاهرة: من يطلق خبرا كاذبا عن وقوع انفجار "عدو لمصر" (حوار)

m9gjl4wn

الإنترنت 2014.. شبكة ''معلومات'' و ''إرهاب'' أيضا!

1fcaut1t

ناجح إبراهيم: الشباب في حاجة للوقاية من التطرف.. وداعش تقرأ الإسلام من نعله (حوار)

nwxw6wlk

"زمن الإرهاب الجميل".. وما أدراك ما التسعينات.. (ملف تفاعلي)

e4x2f492

في "دولة المطرية".. الإرهاب رايح جاي

rb9b7m6u

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان