حكم تكبير العيدين.. متى يبدأ ومتى ينتهي؟
كتبت - سماح محمد:
ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية يقول: "ما حكم تكبير العيدين؟ ومتى يبدأ ومتى ينتهي؟ وهل يكبر الشخص منفردًا أم في جماعة؟ وما صيغته؟" وبعد العرض علي المختصين بالدار جاءت الإجابة علي النحو التالي:
التكبير لغة: التعظيم، والمراد به في تكبيرات العيد تعظيم الله عز وجل على وجه العموم، وإثبات الأعظمية لله في كلمة (الله أكبر) كناية عن وحدانيته بالإلهية؛ لأن التفضيل يستلزم نقصان من عداه، والناقص غير مستحق للإلهية؛ لأن حقيقة الإلهية لا تلاقي شيئًا من النقص، ولذلك شُرع التكبير في الصلاة؛ لإبطال السجود لغير الله، وشُرع التكبير عند نحر البُدْن في الحج لإبطال ما كانوا يتقربون به إلى أصنامهم، وكذلك شرع التكبير عند انتهاء الصيام بقوله تعالى: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾.. [البقرة: 185]؛ ومن أجل ذلك مضت السُّنَّة بأن يكبِّر المسلمون عند الخروج إلى صلاة العيد ويكبِّر الإمام في خطبة العيد، وكان لقول المسلم: (الله أكبر) إشارة إلى أن الله يعبد بالصوم، وأنه متنزه عن ضراوة الأصنام.
والتكبير في العيدين سُنَّة عند جمهور الفقهاء؛ قال الله تعالى بعد آيات الصيام: ﴿وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ علَى مَا هَدَاكُمْ﴾.. [البقرة: 185]، وحُمِل التكبير في الآية على تكبير عيد الفطر، وقال سبحانه في آيات الحج: ﴿وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾.. [البقرة: 203].
وبالنسبة للتكبير جهرًا وجماعة فإِنَّهُ لَمَّا كان رفع الصوت بالتكبير في أيام العيد من الشعائر، فالتكبير الجماعي أقوى وأرفع صوتًا بلا شك، فكان هو المناسب لهذه الشعيرة، وفقهاء الحنفية أوجبوا التكبير أيام التشريق على الرِّجَال والنِّسَاءِ ولو مَرَّة، وإن زادوا على المرة يكون فَضْلًا، ويُؤدى جَمَاعَةً أو انْفِرَادًا، ويكون التكبير للرِّجَالِ جَهْرًا، وتخافت المرأة بالتكبير.
أما المالكية فيندب عندهم التكبير للجماعة وللفرد؛ قال العلامة الصاوي في "حاشية الصاوي على الشرح الكبير": [ويُسْتَحَبُّ الانفراد في التكبير حالة المشي للمُصَلَّى، وأما التكبير جماعة وهم جالسون في المصلى فهذا هو الذي استُحسن. قال ابن ناجي: افترق الناس بالقيروان فرقتين بمحضر أبي عمرو الفارسي وأبي بكر بن عبد الرحمن، فإذا فرغت إحداهما من التكبير كبرت الأخرى فسئلا عن ذلك؟ فقالا: إنه لحسن].
وقد روى الإمام مالك أثرًا في الموطأ عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خرج الغد من يوم النحر حين ارتفع النهار شيئًا فكبَّر الناس بتكبيره، ثم خرج الثانية من يومه ذلك بعد ارتفاع النهار فكبَّر، فكبَّر الناسُ بتكبيره، ثم خرج الثالثة حين زاغت الشمسُ فكبَّر، فكبَّر الناسُ بتكبيره حتى يتصل التكبيرُ ويبلغ البيتَ فيُعْلَم أن عمر قد خرج يرمي، قال مالك: [الأمر عندنا أن التكبير في أيام التشريق دبر الصلوات، وأوَّل ذلك
وبالنسبة لصيغة التكبير فلم يرد شيء بخصوصه في السنة المطهرة، ولكن درج بعض الصحابة منهم سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه على التكبير بصيغة: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد) والأمر فيه على السعة؛ لأن النص الوارد في ذلك مطلق، وهو قـوله تعالى: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾.. [البقرة: 185]، والْمُطْلَقُ يُؤْخَذُ على إطلاقه حتى يأتي ما يقيده في الشرع؛ فجاء في "غمز عيون البصائر" للحموي: [والمطلق يجري على إطلاقه إلا بدليل].
ودرج المصريون من قديم الزمان على الصيغة المشهورة وهي: (الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلًا، لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وعلى أصحاب سيدنا محمد وعلى أنصار سيدنا محمد وعلى أزواج سيدنا محمد وعلى ذرية سيدنا محمد وسلم تسليمًا كثيرًا).
وهي صيغة شرعية صحيحة؛ قال عنها الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في "الأم": [وإن كبر على ما يكبر عليه الناس اليوم فحسن، وإن زاد تكبيرًا فحسن، وما زاد مع هذا من ذكر الله أحببتُه].
وزيادة الصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وأصحابه وأنصاره وأزواجه وذريته في ختام التكبير أمر مشروع؛ فإن أفضل الذكر ما اجتمع فيه ذكر الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، كما أن الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم تفتح للعمل باب القبول فإنها مقبولة أبدًا حتى من المنافق كما نص على ذلك أهل العلم؛ لأنها متعلقة بالجناب الأجلِّ صلى الله عليه وآله وسلم.
وبناءً على ذلك: فالتكبير سُنَّة عند جمهور الفقهاء، يبدأ قبل بداية أيَّام التَّشريق، على اختلاف في بدايته بين ظُهْرِ يوم النَّحْرِ وفجر يوم عرفة، ونهايته يكون عصر آخر أيّام التّشريق، ويجوز -على ما بيَّناه في البداية- أن يكون في جماعة أو فرادى، والجماعة أفضل لما بيَّناه، وصيغته لم يرد شيء بخصوصها في السُّنَّة الْمُطَهَّرة، والصيغة المشهورة التي درج عليها المصريون شرعية وصحيحة، ومن ادعى أن قائلها مبتدع فهو إلى البدعة أقرب؛ حيث حجَّر واسعًا وضيَّق ما وسعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وقيَّد الْمُطْلَق بلا دليل، ويسعنا في ذلك ما وسع سلفنا الصالح من استحسان مثل هذه الصيغ وقبولها وجريان عادة الناس عليها بما يوافق الشرع الشريف ولا يخالفه، ونهيُ مَنْ نَهَى عن ذلك غير صحيح لا يلتفت إليه ولا يعول عليه.
فيديو قد يعجبك: