الاعتكاف عبادة.. يفسدها عند السنة الخروج من المسجد.. وعند الشيعة التلذذ بشم الريحان
مصراوي:
الاعتكاف من العبادات والسنن التي كان يحرص عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أوقات عدة وخاصة في شهر رمضان المبارك في العشر الأواخر منه، وقد روى الإمام أحمد والترمذي أن "النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فلم يعتكف عاما، فلما كان في العام المقبل اعتكف عشرين".
والاعتكاف تناولته المذاهب الفقهية والإسلامية بالتفصيل وخصصت له أبوابًا في كتب الفقه، ولكل مذهب فيه أحكام ودقائق، فالاعتكاف عن فقهاء أهل السنة يختلف في بعض الأحكام عنه عند فقهاء الشيعة أو الإباضية مثلًا، ويستعرض مصراوي في هذا الموضوع الاعتكاف عند مذهب أهل السنة والمذهب الشيعي والتي تتشابه أحكامه فيما بينها، رغم بعض الاختلافات الظاهرة:
الاعتكاف عند أهل السنة: اقتداء بالرسول والتابعين
يرى أهل السنة والجماعة أن الاعتكاف سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل وقت وأنه مستحب في العشر الأواخر من رمضان فقد ورد في صحيحي البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده".
وقد اشترط أهل السنة شروطاً لصحة الاعتكاف: منها الإسلام، والعقل، والتمييز؛ فلا يصح الاعتكاف من الكافر، ولا من المجنون، ولا من الصبي غير المميز، لأنه ليس من أهل العبادات.
ومن شروط الاعتكاف كذلك عند أهل السنة الطهارة من الجنابة والحيض والنفاس.
ومن شروط الاعتكاف أيضًا النية، فلا يصح الاعتكاف بغير نية، لأنه عبادة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) رواه البخاري ومسلم.
كما أن الاعتكاف يشترط أن يكون في مسجد تقام فيه الجماعة؛ لئلا يخرج لكل صلاة، وأما المرأة فلها أن تعتكف في كل مسجد، ولو لم تُقَمْ فيه الجماعة؛ وليس لها أن تعتكف بغير إذن زوجها، كما نص على ذلك فقهاء المذاهب السنية.
كما لا يجوز للمعتكف أن يغادر المسجد الذي يعتكف فيه إلا لأمر لا بد له منه، كقضاء حاجة من بول، أو غائط، أو للإتيان بطعام أو شراب، إن لم يكن هناك من يحضره له، ومثله الخروج للتداوي والعلاج، ونحو ذلك من الضرورات التي لا غنى للإنسان عنها.
كما أن عليه أن يحذر مما يُفْسِد عليه اعتكافه؛ كمباشرته لزوجته أو مجامعتها، ويفسد الاعتكاف كذلك بالخروج من المسجد لغير ضرورة.
وليس للمعتكف أن يزور مريضاً، أو يشهد جنازة إلا أن يشترط ذلك في اعتكافه؛ ولا حرج في زيارة أقاربه له في مكان اعتكافه، خصوصاً إن كان ثمة ما يدعو لذلك؛ وليس له أن يتجر ويبيع ويشتري حال اعتكافه.
الاعتكاف عند الشيعة: لا يجوز التلذذ بشم الريحان ولا الاعتكاف في مسجد إمامه غير عادل
يُشترط لصحة الاعتكاف عند الشيعة الصوم، فلا يصح بدونه، فلو كان المكلف ممن لا يصح منه الصوم لسفر أو غيره لم يصح منه الاعتكاف، ولا يصح الاعتكاف عند الشيعة- بحسب المرجع الشيعي علي الحسيني السيستاني- إذا قل عن ثلاثة أيام، ويصح الأزيد منها وإن كان يوماً أو بعضه، أو ليلة أو بعضها، وتدخل فيه الليلتان المتوسطتان دون الأولى والرابعة وإن جاز إدخالهما بالنية، فلو نذر الاعتكاف كان أقل ما يمتثل به ثلاثة أيام، ولو نذره أقل لم ينعقد إذا أراد به الاعتكاف المعهود وإلاّ صح.
ومن شروط صحته كذلك التي ذكرها المرجع الشيعي السيستاني أن يكون الاعتكاف في أحد المساجد الأربعة: المسجد الحرام، ومسجد المدينة، ومسجد الكوفة، ومسجد البصرة، ويجوز إيقاعه في المسجد الجامع في البلد أيضاً إلا إذا اختص بإمامته غير العادل فإنه لا يجوز الاعتكاف فيه حينئذٍ على الأحوط، والأحوط استحباباً ــ مع الإمكان ــ الاقتصار على المساجد الأربعة.
أما عن الأمور التي لابد للمعتكف أن يتركها فيقول السيستاني: " لا بد للمعتكف من ترك أمور منها: الجماع، والأحوط وجوباً إلحاق اللمس والتقبيل بشهوة به، فضلاً عما يصدق عليه المباشرة بما دون الفرج كالتفخيذ ونحوه، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة.
ومنها: شم الطيب مطلقاً ولو للشراء، وشمّ الريحان مع التلذذ ولا مانع منه إذا كان بدونه، والريحان هو كل نبت طيب الرائحة.
ومنها: البيع والشراء بل مطلق التجارة على الأحوط وجوباً، ولا بأس بالاشتغال بالأمور الدنيوية من المباحات ــ حتى الخياطة والنساجة ونحوهما ــ وإن كان الأحوط استحباباً الاجتناب، وإذا اضطر إلى البيع والشراء لأجل الأكل أو الشرب مما تمس حاجة المعتكف إليه ولم يمكن التوكيل أو ما بحكمه ولا النقل بغيرهما جاز له ذلك.
فيديو قد يعجبك: