"نفحات رمضانية" يقدمها الشيخ محمود الهواري: تسع نيَّات لقراءة القرآن (8)
كتب - محمد قادوس:
في حلقات خاصة لـ"مصراوي"، وعلى مدار الشهر الفضيل، يقدم الدكتور محمود الهواري، عضو المكتب الفنى لوكيل الأزهر، وأحد خطباء الجامع الأزهر، إطلالة رمضانية روحانية تتجدد مع أيام هذا الشَّهر الطَّيِّب، متعرضا لنفحات إيمانية قيمة ونصائح نبوية غالية، ومنها نيَّات قراءة القرآن.
يقول الهواري، عبر فيديو خاص نشره مصراوى عبر صفحته الرسمية على فيسبوك:
لا يتصوَّر شهر رمضان بلا قرآن، فإنَّ الله –سبحانه وتعالى- لـمَّا عرَّف عباده على شهر رمضان أخبر عنه بنزول القرآن فيه، فقال –عزَّ وجلَّ-: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: 185]، وأفضل ما يتقرَّب به الخلق إلى الله في هذه الشهر الطيِّب وفي غيره من الشُّهور هو تلاوة كتاب الله الَّذي يرتقي بقارئه في درجات الجنان.
ولكنَّ المسلم الذَّكيَّ يمكنه أن يعدِّد النِّيَّات في العمل الواحد، وكلَّما كثرت النَّيَّات، واستحضرها القلب كثرت الأجور، ومن أهمِّ نيَّات قراءة القرآن:
الأولى: نيَّة عمارة القلب، فإنَّ الدُّنيا وشهواتها تأخذ الإنسان بعيدًا عن الله، فيأتي القرآن فيربط القلب بالله، ويجعل فيه الطمأنينة والرَّاحة، ومن عمَّر قلبه بالقرآن استحقَّ لفظ الحياة، ومن خلا جوفه من القرآن فهو إلى الخراب أقرب، يقول رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ القُرْآنِ كَالبَيْتِ الخَرِبِ» [مسند أحمد].
الثَّانية: نيَّة أن أكونَ من خيار النَّاس، وإذا كان النَّاس يتفاوتون في الدَّرجات، فإنَّ أعلاها، وخيرها أهل القرآن، يقول رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» [البخاري]، ولعلَّ الملاحظ من النَّص أنَّ الخيريَّة مشروطة بالانتفاع والنَّفع.
الثَّالثة: نيَّة أن أكون من أهل الله -تعالى-، والله ليس له والد، ولا ولد، ولكن له أهل يحبُّون كتابه، ويرتِّلون كلامه، ويأتمرون بأمره، وينتهون عمَّا نهى عنه، يقول رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ» قِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللهِ، وَخَاصَّتُهُ» [مسند أحمد]، فأي نسبة أشرف وأفضل وأعلى من هذ؟
الرَّابعة: نيَّة حفظ الصِّحة، وتمام العافية، فإن َّ أهل القرآن لا يردُّون إلى أرذل العمر، يقول الله -تعالى-: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾[النحل: 70]، وكان رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يتعوَّذ بالله من أرذل العمر، فيقول: «وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ» [متفق عليه]، وأرذل العمر: حالة الهرم، والعجز عن خدمة النَّفس، وكان ابن عبَّاس –رضي الله عنهما-: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجل: ﴿ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [التين: 6] قَالَ: إِلَّا الَّذِينَ قَرَؤُوا الْقُرْآنَ» [مستدرك الحاكم].
الخامسة: نيَّة أن أتاجرَ مع الله، والتِّجارة مع الله رابحة، لا خسارة فيها، يقول الله -تعالى-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ [فاطر: 29، 30].
السَّادسة: نيَّة تفريجِ الهموم، وكم من هموم تصيب الإنسان يطلب لها كشفًا، والقرآن يكشف الهمَّ، ويذهب الكرب، وإذا كان الدُّعاء بوجود القرآن باب فرج، وباب فرح، فكيف بالقرآن نفسه، يقول رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ؟ قَالَ: «أَجَلْ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ» [مسند أحمد].
السَّابعة: نيَّة زيادة الحسنات، والحسنات مع القرآن كثيرة جدا، فلا تحسب باليوم، ولا بالسَّاعة، ولا حتَّى بالدَّقيقة، وإنَّما تحسب بالحرف منه، وبطل حرف حسنات مضاعفة، يقول رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ» [الترمذي].
الثَّامنة: نيَّة أن يكونَ سببًا في سعادة والديّ في الآخرة، وقد يفكر الإنسان كثيرا فيما يبرُّ به أبويه، وينفعهما ، وأفضل نفع، وأكبر برٍّ أن يُكَرَّم والداه يوم القيامة، يقول رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:«مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَتَعَلَّمَهُ وَعَمِلَ بِهِ أُلْبِسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَاجًا مِنْ نُورٍ ضَوْءُهُ مِثْلُ ضَوْءِ الشَّمْسِ، وَيُكْسَى وَالِدَيْهِ حُلَّتَانِ لَا يَقُومُ بِهِمَا الدُّنْيَا فَيَقُولَانِ: بِمَا كُسِينَا؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ" [مستدرك الحاكم].
التَّاسعة: نيَّة أن يشفعَ القرآن فيَّ عند الله، ولا يستغني إنسان عن الشَّفاعة والشُّفعاء يوم الحساب، يوم الأهوال، يقول رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: رَبِّ إِنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ.
فيديو قد يعجبك: