"نفحات رمضانية" يقدمها الشيخ محمود الهواري: شهر الإخلاص (11)
كتب - محمد قادوس:
في حلقات خاصة لـ"مصراوي"، وعلى مدار الشهر الفضيل، يقدم الدكتور محمود الهواري، عضو المكتب الفنى لوكيل الأزهر، وأحد خطباء الجامع الأزهر، إطلالة رمضانية روحانية تتجدد مع أيام هذا الشَّهر الطَّيِّب، متعرضا لنفحات إيمانية قيمة ونصائح نبوية غالية، ومنها : شهر الإخلاص.
يقول الهواري، عبر فيديو خاص نشره مصراوى عبر صفحته الرسمية على فيسبوك:
من أعظم ثمرات شهر رمضان أنَّه يعلِّم الصائم الإخلاص، فيعلن الله –عزّ وجلَّ- أن الصوم له، لا لغيره، وما سمعنا بواحد من الناس صام لأحد، وينسحب معنى الإخلاص على كل عبادات الصائم في رمضان، فهو يتصدق بإخلاص، ويبالغ في إخفائها، ترى كثيرين يتصدقون دون كلام، ودون منٍّ أو أذى ، وترى الصائمين يذكرون بإخلاص، وتراهم يقرؤون بإخلاص، وتراهم يصلون ما انقطع من الرحم بلا معارك لفظية تجر إلى الخصومة والهجر.
وأعظم المقاصد أن يتوجه القلب إلى الله في كل العبادات وكل الطاعات، والابتعاد عما يضاد الإخلاص وينافيه من الرياء والسمعة والعجب والغرور والإدلال بالعمل؛ ولهذا كانت الحاجة إلى معرفة هذا الأصل العظيم والتفكر فيه من أجَلِّ المطالب، وأعلى المقاصد.
ومعرفة النيَّة، والإحاطة بدقائق القلب عمل ينبغي أن يكون له علماؤه المختصون به، المتخصصون فيه، يقول عبد الله بن أبي جمرة: «وددت لو كان من الفقهاء من ليس له شغل إلا أنْ يُعَلِّمَ الناس مقاصدهم في أعمالهم، ويقعد للتدريس في أعمال النيات ليس إلا، فإنه ما أُتِيَ على كثير من الناس إلا من تضييع ذلك».
وتأتي أهمية الإخلاص لأن أعمال القلوب هي الأساس الذي تقوم عليه الأعمال كلها، يقول -صلى الله عليه وآله وسلم-: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى».
إن القلب ملِكُ الجوارح، وهي له تبَعٌ، فإن صلح القلب صلحت الجوارح كلها، وإن فسد القلب فسدت الجوارح كلها، وهذا كلام نبينا -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب».
وتخليص النية من الشوائب، ومن مراعاة أنظار الناس، ومن قصد الناس، ومن حظ النفس، ؛ ولهذا قال سفيان الثوري -رحمه الله-: ما عالجت شيئا عليَّ أشدّ من نيتي؛ إنها تتقلب عليّ.
وسئل سهل بن عبد الله التستري: "أي شيء أشد على النفس؟! قال: "الإخلاص؛ لأنه ليس لها فيه نصيب".
وصدَقَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول: "لَقَلْبُ ابن آدم أشدُّ تقلباً من القدر إذا استجمعت غلَيانا".
وللعلماء عبارات نافعة في تحديد المقصود بالإخلاص، ومنها عبارة العز بن عبد السلام، يقول: "الإخلاص أن يفعل المكلف الطاعة خالصة لله وحده، لا يريد بها تعظيماً من الناس ولا توقيراً، ولا جلب نفع ديني، ولا دفع ضرر دنيوي".
قال أبو القاسم القشيري رحمه الله تعالى معرفًا الإخلاص: "الإخلاص إفراد الحق سبحانه في الطاعة بالقصد، وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله تعالى دون شيء آخر من تصنعٍ لمخلوق أو اكتسابِ مَحْمَدَةٍ عند الناس أو محبة مدحٍ لمخلوق أو معنى من المعاني سوى التقرب إلى الله تعالى".
ومن عجائب المخلصين أن الله يبارك لهم في إخلاصهم فيرفع ذكرهم في العالمين بأفعالهم التي قصدوه بها، يقول ابن الجوزي: وكذلك يخفي الإنسان الطاعة فتظهر عليه، ويتحدث الناس بها، وبأكثر منها، حتى إِنهم لا يعرفون له ذنبًا، ولا يذكرونه إلا بالمحاسن، لِيُعْلَمَ أن هنالك ربًّا لا يُضيع عَمَلَ عامل.
وإن قلوب الناس لَتَعْرِفُ حالَ الشخص، وتحبه أو تأباه، وتذمه أو تمدحه وَفْقَ ما يتحقق بينه وبين الله -سبحانه وتعالى- فإنه يكفيه كلَّ هم، ويدفع عنه كلَّ شر. [صيد الخواطر].
والقرآن يأمر بالإخلاص في كثير من آياته، ومنها قول اللهُ تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة: 5].
ومنها قوله تعالى: ﴿وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾[الأعراف:29].
ومنها قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ﴾ [الزمر:11].
وأشهر أحاديث الإخلاص قول أمير المؤمِنين أبي حَفْصٍ عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه، قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، يقُولُ: "إنّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امرِىءٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصيبُهَا، أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكَحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلى مَا هَاجَرَ إِلَيْه" [مُتَّفَقٌ عَلَيه].
أهل الإخلاص لا يعلنون الناس بطاعتهم، ولا يتفاخرون بعبادتهم، وقال رجل لتميم الداري رضي الله عنه: "ما صلاتك بالليل؟ فغضب غضباً شديداً ثم قال: والله لركعة أصليها في جوف الليل في سرّ أحب إلى من أن أصلي الليل كله، ثم أقصّه على الناس".
أهل الإخلاص يصححون النية مع كل عمل، وينطلقون من قوله تعالى: «قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له»، وقال بعض السلف: "إني لأستحب أن يكون لي في كل شيء نية، حتى في أكلي وشربي ونومي ودخولي الخلاء".
إن رمضان يقودنا إلى الإخلاص نسأل الله أن يرزقنا إخلاص النيات، وقبول الطاعات، وتفريج الكربات.
فيديو قد يعجبك: