"نفحات رمضانية" يقدمها الشيخ محمود الهواري: صلاة الفجر براءة من النفاق (14)
كتب - محمد قادوس:
في حلقات خاصة لـ"مصراوي"، وعلى مدار الشهر الفضيل، يقدم الدكتور محمود الهواري، عضو المكتب الفنى لوكيل الأزهر، وأحد خطباء الجامع الأزهر، إطلالة رمضانية روحانية تتجدد مع أيام هذا الشَّهر الطَّيِّب، متعرضا لنفحات إيمانية قيمة ونصائح نبوية غالية، ومنها
صلاة الفجر.
يقول الهواري، عبر فيديو خاص نشره مصراوى عبر صفحته الرسمية على فيسبوك:
أوقن أنَّ كثيرًا من المسلمين يحبُّون الصَّلاة لله، وأعرف أنَّ كثيرًا منهم يعشقون الوقوف بين يدي ربِّهم خاشعين، ولكنِّي أعرف أيضًا- أنَّ كثيرًا من النَّاس لا يعرفون صلاة الفجر إلَّا في شهر رمضان المبارك، وربَّما غاب عن المتكاسلين عن صلاة الفجر أهمِّيتها، ومنزلتها.
إحدى العادات السَّيئة أن ينام النَّاس عن صلاة الفجر، خاصة في هذا العصر، الَّذي غيَّر النَّاس فيه قانون القرآن، وامتد سهرهم لأوقات متأخِّرة، حتى أوشك أن يكون الليل معاشًا والنَّهار سباتًا.
ولا شك أنَّ الإنسان نفسه هو المسئول عن نفسه، وعن تأخير عبادته، وتضييعها، وذلك باستجابته إلى ما يبقيه إلى وقت متأخِّر بلا داعٍ مقبول، ولا مبرِّرٍ معقول.
وأسوق لأولئك الَّذين لا يصلُّون الفجر، متكاسلين أو جاهلين فضله، ولهؤلاء الَّذين يصلُّون الفجر دون أن تشتمل قلوبهم على النيَّات المتعدِّدة لصلاة الفجر، لهؤلاء ولأولئك نسوق هذا الكلام.
إنَّ العمل قد تتعدَّد النِّيَّة فيه، وكلَّما زادت النيَّات دلَّ ذلك على وعي القلب ويقظته، وصلاة الفجر إحدى الصَّلوات الَّتي أمر الله، وإذًا سنجيب عن هذا السؤال: «لماذا تصلِّي الفجر؟»
أصلِّي الفجر لأسباب، وعلل، وأملأ قلبي بنيَّات، وأرجو الله أن يأجرني بها كلَّها.
الأولى: إنَّ النَّاس يتقاتلون لأجل شيء من الدُّنيا، وقد يكون قليلًا، ومهما عظم فإنَّه سيبقى شيئًا واحدًا، ولم يؤثر عن إنسان أنَّه ملك الدُّنيا وما فيها، من أموال وقصور، وأنهار، وزوجات، ولكنَّ صلاة الفجر لأصحابها خير من هذا كلِّه، يقول رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» [مسلم ].
الثَّانية: إنَّ كثيرًا من النَّاس يتمنَّون الأجور الكبيرة، ويحبُّون أن يدركوا أجر قيام اللَّيل، وصلاة الفجر تكفل لأهلها هذا، يقول رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ» [رواه مسلم].
الثَّالثة: وربَّما يلقى من يصلِّي صلاة الفجر أهل الخير، الَّذين يوقظهم حبُّهم لربِّهم لصلاتها، لكنَّ أجمل ما يلقاه أهل الفجر أنَّ ملائكة الله المطهَّرين تدعوا لهم يقول رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ جَلَسَ فِي مُصَلاَّهُ، صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ، وَصَلاَتُهُمْ عَلَيْهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ» [مسند أحمد].
فأيُّ دعوة أصدق وأقرب من هذه؟
الرَّابعة: ومن الأجور العالية الَّتي يحوزها أهل الفجر أنَّ الله يكتب لهم أجر حجَّة وعمرة تامَّة، يقول رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ - الفجر - فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ» [الترمذي].
الخامسة: ومن أراد الحفظ والصِّيانة، فعليه بصلاة الفجر، فإنَّ أهل الفجر في ذمَّة الله وحفظه، يقول رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَلَّى صَلاَةَ الصُّبْحِ فَهْوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ، فَلاَ يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيءٍ، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَىْءٍ يُدْرِكْهُ، ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ» [مسلم].
السَّادسة: ومن أراد أن يقدِّم دليلًا على إيمانه، وبراءة من النِّفاق فعليه بصلاة الفجر، فإنَّ رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: «إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوً» [مسلم].
السَّابعة: إنَّ أهل الفجر تكتب آثارهم، وتسجل أعمالهم، في ديوان لا يمحى عند ملائكة الله، بل إنَّ الملائكة تشهد لأهل الفجر، يقول رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، قَالَ: فَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، قَالَ: فَتَصْعَدُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ، وَتَثْبُتُ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ، قَالَ: وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ، قَالَ: فَيَصْعَدُ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ، وَتَثْبُتُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ، قَالَ: فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: أَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَتَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ» [مسند أحمد].
الثَّامنة: إنَّ أهل الفجر لا تؤثِّر فيهم ظلمات القيامة، وإنَّما يغشاهم النُّور التَّام يوم القيامة، يقول رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ، بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ] [أبو داود].
التَّاسعة: صلاة الفجر تشتري بها الجنة، وتنجو بها من النَّار، يقول رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ» [متفق عليه]، والبردان: الفجر والعصر، وقال أيضًا: «لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا يَعْنِى الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ» [رواه مسلم]
العاشرة: وأمَّا أفضل عطاء لأهل الفجر أنَّهم لا يحجبون عن رؤية ربِّهم يوم القيامة، يقول جَرِير بْن عَبْدِ اللَّهِ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فَنَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةً - يَعْنِي البَدْرَ - فَقَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ، كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ، لاَ تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا» ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الغُرُوبِ﴾[متفق عليه].
فهل نصلي الفجر، أم نتركه بعد هذه الأجور العظيمة؟.
فيديو قد يعجبك: