تعرف على الصيام الواجب وأنواعه وهل يختلف عن صوم رمضان
القاهرة- مصراوي:
في سؤال ورد إلى دار الإفتاء يقول: هل هناك فرق بين صيام رمضان والصيام الواجب؟ وإن كان هناك ما يعرف بهذا المصطلح فما هو مع الدليل إن أمكن؟. وقالت الدار في ردها إن هناك فرقاً بين صيام رمضان والصيام الواجب، فدائرة الصيام الواجب أوسع من دائرة صيام رمضان، فبينهما عموم وخصوص مطلق، ومعناه: أن كل صيام رمضان واجب، وليس كل صيام واجب رمضان.
وإنما اشتهر رمضان فقط بالواجب عند غير العلماء؛ لأن رمضان هو الصيام الواجب ابتداءً على المسلم المكلف بشروطه، وهو من أركان الإسلام، ووجوب صيامه معلوم من الدين بالضرورة، أما غير ذلك فلا يكون إلا لعارض يأتي من قبل الإنسان نفسه، أو من قِبل الشارع كفارةً عن خطأ يرتكبه المكلف.
وهذا هو الفرق بين صيام رمضان والصوم الواجب.
أما أنواع الصيام الواجب في الشرع مع أدلته:
فالصوم الفرض في الشريعة هو صوم رمضان، وقد أمر الله تعالى بصومه بقوله جل شأنه: ﴿ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185]، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ...» ذكر منها صوم رمضان. متفق عليه.
وعن طلحة بن عبيد الله: أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثائر الرأس، فقال: يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله علي من الصيام؟ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ؟ فَقَالَ: «شَهْرَ رَمَضَانَ إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا» رواه البخاري.
وأجمع المسلمون على وجوب صيام شهر رمضان، فمن لم يصم وجب عليه القضاء؛ لقوله تعالى: ﴿ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾، إلا أن يكون لا يستطيع الصوم مطلقًا فعليه الفدية.
وهناك أحوال تقتضي وجوب الصيام لعارض:
منها صوم كفارة الجماع في نهار رمضان؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: هَلَكْتُ، يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «وَمَا أَهْلَكَكَ؟» قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: «هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟» قَالَ: لَا، قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ: «تَصَدَّقْ بِهَذَا» قَالَ: أَفْقَرَ مِنَّا؟ فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: «اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» أخرجه البخاري ومسلم.
ومنها صوم كفارة الظهار؛ لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ۞ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [المجادلة: 3-4].
ومنها صوم كفارة القتل الخطأ؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا﴾ إلى قوله تعالى: ﴿ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 92].
ومنها الصوم في كفارة اليمين؛ لقوله تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: 98].
ومنها الصوم المنذور به، وقد صرحت الآيات الكريمة بذلك؛ منها قوله تعالى: ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ [الحج: 29]، ومنها ما قاله سبحانه في شأن الأبرار: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾ [الإنسان: 7]، وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه» أخرجه البخاري، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعمر رضي الله عنه: «أَوْفِ بِنَذْرِك» متفق عليه.
ومنها الصوم في كفارة النذر؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: "مَن نذر نذرًا لم يسمِّه فكفَّارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا في معصية فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين" إسناده صحيح؛ إلا أن الحفاظ رجحوا وقفه؛ كما قال الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام".
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» أخرجه مسلم، والترمذي وصححه بلفظ: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ إِذَا لَمْ يُسَمَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ».
وأما مسألة عدم وجود الصيام الواجب في بعض الكتب:
فالجواب أن عدم الاطلاع لا يدل على عدم الوجود، وإنما مرد ذلك في الغالب يرجع إلى الرجوع إلى الكتب المختصرة أو المتون، ثم الاطلاع على كتب العلماء في عجالة، فينظر الباحث في أول كتاب الصيام فيجد المؤلف يتحدث عن شهر رمضان فيكتفي بهذه النظرة، أو ربما يمر فلا يلتفت إلى ما بين ثنايا الكلام خاصة إن لم تكن بنفس الألفاظ التي في ذهنه، وهذا ينطبق أيضًا على من يبحث في الموسوعات الإلكترونية.
وأما في واقع الأمر فالفقيه يذكر صيام رمضان مفصلًا؛ لأنه هو الأصل كما ذكرنا ويشير إلى سائر الصيام إشارة عابرة؛ لأن تفصيل كل نوع يأتي في بابه، وهذا مثال لذلك من كتاب "المغني"؛ حيث ذكر في بداية (كتاب الصيام) الكلام على رمضان، ثم ذكر بعد ذلك الكلام على الصيام الواجب في الكلام على النية.
وبناءً على ما سبق: فإن مصطلح الصيام الواجب يقصد به رمضان وغيره، وعدم وجوده في بعض الكتب لا يعني عدم وجوده في البعض الآخر.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
فيديو قد يعجبك: