المفتي: المصريون لم يعرفوا النزاع الطائفي على مر التاريخ
كتب - محمود مصطفى:
قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، إن المجموعات الإرهابية تنزع معنى المواطنة من سياقها، مدِّعين خطئًا وزورًا، أنه لا قيمة لها، متغافلين عن كون المواطنة مبدأً إسلاميًّا أقرَّته الشريعة الإسلامية، وأصبحت نواة أساسية للدساتير القانونية على مر العصور داخل مصر وخارجها.
وأضاف المفتي في الحوار اليومي الرمضاني ببرنامج "مع المفتي" المُذاع على "قناة الناس"، أن الإسلام رسَّخ قيم التعايش ومبدأ المواطنة منذ أربعة عشر قرنًا، وتجسد ذلك فيما قام به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وثيقة المدينة المنورة، التي نَصَّت على التعايش والمشاركة، والمساواة في الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن الواحد دون النظر إلى الانتماء الديني، أو العرقي، أو المذهبي، أو أي اعتبارات أخرى.
وأضاف أن المجموعات الإرهابية باستهدافها المساجد والكنائس، تريد إسقاط مصر وليس دينًا بعينه، بل تسعى إلى ضرب التعايش بين المسلمين وغير المسلمين.
ولفت المفتي إلى أن المصريين -مسلمين ومسيحيين- عاشوا عبر التاريخ جنبًا إلى جنب؛ بيوتًا متجاورة، ومصالح مشتركة، وأهدافًا واحدة، متضامنين متحابين في سبيل الوطن، رخاءً وأمانًا، حربًا وسلامًا، حتى يئست منهم كل محاولات الوقيعة التي تتعمد نشر الفوضى وزعزعة الاستقرار، فهؤلاء المغرر بهم لم يقرءوا التاريخ جيِّدًا ولم يعرفوا تلاحم هذا الشعب الصامد عبر العصور ضد الوقيعة.
ونوه المفتي إلى أن نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم، طبَّق هو وأصحابُه الكرام مبادئ العيش السلمي المشترك في أرقى صوره، تنظيرًا وتطبيقًا في نماذج حياتهم كلها، مظهرين عدالة الإسلام وسماحته في التعامل مع المخالف في كل حال، وهذا يبرهن على رغبتهم في التعايش والحوار مع الآخر وليس الصدام والتضاد، فقد تفاعلوا مع المجتمع من غير المسلمين برغم تعرض بعض الصحابة للأذى.
وأوضح مفتي الجمهورية أنه عند استعراض المسيرة المباركة للنبي الأمين والصحابة الكرام نجد أنها تقدم أعلى صور التعايش، منها موافقة النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة بالذهاب للحبشة، ودعوته للبعض الآخر بالصبر على أذى المشركين، ما يبرهن على أن الإسلام لم يُفرض بالقوة أو السلاح، بل دخله الغني والفقير والكبير والصغير، والقوي والضعيف؛ فكانت تركيبة فريدة من نوعها.
وأكد على أن التجربة المصرية رائدة في تحقيق وإرساء مبادئ وقواعد المواطنة والعيش المشترك، حيث نجد الشعب المصري بجناحيه مسلميه ومسيحييه عاش ويعيش المواطنة الحقيقية دون تفرقة بين المواطن المسلم وأخيه المسيحي، وهذا يعود للمراحل الأولى من دخول الإسلام مصر فقد قام القائد الفاتح سيدنا عمرو بن العاص بإرجاع قادة المسيحيين الذين اضْطَهَدَهم الرومان، كما قام بإعمار الكنائس التي هُدِّمت، وسار على هذا النهج السلمي المتعايش العلماء المسلمون والفقهاء الكبار أصحاب المذهبية الفقهية، ولعل أبرزهم الإمام الليث بن سعد وسائر العلماء حتى وقتنا هذا.
ونوّه المفتي بمصر صاحبة أعمقِ تجربة تاريخية ناجحةٍ في التعايشِ والمشاركةِ في الوطنِ الواحدِ بينَ أبنائها، فأهلُها على مدارِ تاريخهم، لم يعرفوا مظاهر النزاع الطائفي؛ لأنهم أهل اعتدال وسماحة واحترام للخصوصيات الثقافية والاجتماعية والحضارية، وهي سمات نبيلة وقيم راقية.
وقال المفتي لا ريب أن مشاركتنا لشركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم وتبادل الفرحة معهم هي من قبيل السلام والتحية وحسن الجوار، ومظهر من مظاهر البر والرحمة والتعامل بالرقي الإنساني الذي كان يفعله سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع من جاوره أو تعامل معه منهم، وعلى ذلك سار المسلمون سلفًا وخلفًا عبر تاريخهم المُشَرِّف وحضارتهم النقية وأخلاقهم النبيلة السمحة التي دخلوا بها قلوب الناس قبل أن يدخلوا بلدانهم.
واختتم مفتي الجمهورية حواره بدعوته للدول التي تفتقر للمواطنة أن تستفيد من تجربة مصر في التعايش والمشاركة.
فيديو قد يعجبك: