يورجن كلوب.. "ديكتاتور" ينشر السعادة (بروفايل)
كتب- محمد الصباغ:
لم يجمع يورجن كلوب لاعبيه حينما كان مدربًا لبروسيا دورتموند ليشاهدوا مقاطع فيديو لفريق برشلونة وأهدافه الجميلة، بدلا من ذلك أراهم صورًا لميسي ورفاقه يحتفلون بكل هدف وكأنما هو أول هدف يسجلونه في الحياة.
"لا أستخدم مقاطع الفيديو لتقليد طريقة برشلونة، لكن ليشاهدونهم وهم يحتفلون بالهدف رقم 5868 وكأنهم لم يسجلوا من قبل أبدًا. هذا ما يجب علينا جميعًا أن نشعر به، حتى الموت".
هكذا يفكر كلوب مدرب فريق ليفربول الفائز بدوري أبطال أوروبا، السبت، على حساب توتنهام بهدفين نظيفين. يفسر ذلك كيف ينكسر ليفربول أمام ريال مدريد في نهائي العام الماضي في كييف، ويعود قويًا مرة أخرى ليفوز باللقب في مدريد.
ويثبت أيضًا تفكير كلوب أن العودة أمام برشلونة في نصف النهائي برباعية نظيفة في ظل غياب نجوم بحجم صلاح وفيرمينو وكيتا، لم يكن أبدًا صدفة.
لا يتوف كلوب عن مطالبة لاعبيه بالقيام أشياء على أرض الملعب، ربما أكثر من يطلب منهم هم ثلاثي منتصف الملعب، لا يتوقفون عن الضغط على لاعبي الخصم طول المباراة، وكأنهم آلات مهمتها عدم إتاحة الفرصة للخصم أن يبنى الهجمات، وأيضًا السماح لأجنحة ليفربول بالهجوم بأريحية وتهديد المنافس.
"أب قاس"
نوربرت كلوب كان لديه ابنتين، وأراد حقًا أن تلد زوجته صبي. حينما تحققت أمنيته، أسموه يورجن.
كان مندوب المبيعات الذي يتحرك من مدينة إلى أخرى في ألمانيا، حارس مرمى واعد في مقتبل عمره، حصل على فرصة للاختبار في كايزرسلاوترن.
أراد أن يعوّض ما فاته في ابنه يورجن، فدربه على 3 رياضات منذ الصغر. التزلج في الشتاء، والتنس في الصيف، وكرة القدم على مدار العام.
"كان شديد القسوة"، وصف كلوب والده بهذه الكمات، فكان الأخير يهزمه في كل التدريبات بكل قوة لدرجة أن الابن كان يصرخ في وجه والده "هل تعتقد أن هذا ممتع لي؟"، فيرد الأب بنفس الجملة.
تربى كلوب بحسب حوار أجراه مع صحيفة "دي تسايت" الألمانية، على الانتقاد بشكل دائم من الأب الذي لا يتوقف عن مطالبة ابنه بالعمل، لكن حينما يأتي الدور على توجيه كلمات الإشادة، تكون نادرة.
اعتزل كلوب كرة القدم عام 2002 بنادي ماينز، وحينما جاءت اللحظات الأروع في حياته مع بروسيا دورتموند وليفربول وقبلهما ماينز، لم يكن الأب حاضرًا.
الابن الذي أراد أن يصبح طبيبًا في صغره، قال إنه يعتقد بشدة أن والده الذي توفي بالسرطان عام 2000 "يشاهده من أعلى.. ويعيش لحظات من المرح بسبب ما تركه هنا على الأرض".
تعلم كلوب من الأب الرغبة الكبيرة في الحصول من لاعبيه على أقصى قدر من العمل الجاد، لكنه تخلى عن الانتقادات الكثيرة واستفاض في مشاعر الحب والإشادة.
"كرة قدم عاطفية"
بكى يورجن كلوب كثيرًا حينما غادر لاعبه كاجاوا دورتموند إلى مانشستر يونايتد صيف عام 2012. يقول مدرب دورتموند لسبع سنوات بين عامي 2008 و 2015: "احتضنا بعضنا البعض وبكينا لمدة 20 دقيقة".
بكى كلوب قبلها أيضًا حينما ودع ناديه السابق ماينز الألماني ذاهبًا إلى دورتموند، وغنى في حفل الوداع الذي حضره حوالي 20 ألف مشجع للفريق "لا أحد يغادر بشكل كامل أبدًا". لعب كلوب مع ماينز لمدة 12 عامًا ودرب الفريق لسبع سنوات أيضًا.
ظل حب ماينز في قلب المدرب الذي لا يتوقف عن الحركة، وكذلك أحب دورتموند بشكل كبير، وحينما قرر الرحيل كان إلى نادٍ لا تختلف جماهيره عن عشاق دورتموند، فسكان آنفيلد يتنفسون حب ليفربول. كما أن أغنية ليفربول الشهيرة "لن تسير وحدك أبدًا"، يغنيها جمهور ملعب دورتموند "سيجنال إيدونا بارك".
في الثامن من أكتوبر عام 2015 تعاقد ليفربول مع يورجن كلوب لقيادة الفريق بعد إقالة براندن روجرز، الرجل صاحب الموسم التاريخي (2013-2014)، والذي خسر لقب الدوري في المباريات الأخيرة لأسباب أبرزها الانزلاقة التي لا تُنسى لقائد الفريق ستيفن جيرارد ضد تشيلسي.
خلال المؤتمر الصحفي لتقديمه مدربا لفريق ليفربول، قال كلوب إنه يريد لعب كرة قدم "عاطفية"، قال الرجل حينها "يمكننا البدء في دوري صعب بطريقة ليفربول الخاصة، ونستطيع النجاح. لو استمريت بالفريق حتى 4 سنوات سنكون قد حققنا لقبًا". وهو ما حدث بالتتويج السبت بأهم بطولة قارية للأندية في العالم.
قرر كلوب استلام مهام التعاقدات في الفريق، وبدأ في مهمة التخلص من لاعبين لن يصلحوا لطريقة لعبه المعتمدة على الضغط والسرعة والقدرة على التحكم في الكرة.
ليفربول في عام كلوب الأول كان يضم لاعبين مغمورين ربما لا نسمع أسمائهم حاليًا بعد خروجهم من النادي، على سبيل المثال (جوردان روسيتر، جواو تيكشيرا، وتياجو إيلوري، وأندريه ويزدوم).
كما تخلى عن أسماء لن يخدموا الفريق مثل ماريو بالوتيللي وجوي آلين ولوكاس ليفا ومارتن سكيرتل، وأيضًا كريستيان بينتيكي المهاجم البلجيكي الذي كان أنصار ليفربول في غاية السعادة بعد التعاقد معه.
قال بينتيكي خلال الأيام الماضية إن كلوب من أفضل المدربين الذين تدرب معهم، لكنه جلس مع وأخبره أنه يريد مهاجمين أكثر سرعة ليتناسبوا مع أسلوبه في اللعب.
كلوب أيضًا لم يرغب في إبقاء لاعب لا يريد الفريق، فقد وعد بتحويل النادي بكل أركانه من إداريين ولاعبين وجمهور إلى مؤمنين بأنفسهم لا متشككين بسبب الفترة الصعبة التي عاشها النادي، والتي لم يحصد فيها بطولة كبرى منذ 2005، ولم يحصل فيها على لقب الدوري منذ موسم 1989/ 1990.
يعتقد البعض أن النحس الملازم لكلوب لن ينفك عنه، فيما يراهن يورجن على الكفاح؛ غادر فيليبي كوتينهو الفريق في منتصف الموسم الماضي إلى برشلونة رغبة في الفوز ببطولات كبرى، فصعد ليفربول إلى نهائي دوري أبطال أوروبا في العام الماضي وخسر، لكنه عاد وفاز باللقب هذا الموسم.
تعاقد مع ساديو ماني، محمد صلاح، روبرتسون، فيرجيل فان دايك، وأليسون. وجاء ذلك بالتدريج خلال سنوات مشروعه.
على مدار أربع سنوات وحتى الجمعة الماضية لم يحقق كلوب أي لقب مع ليفربول، ونافس مرة واحدة هي هذه السنة على لقب الدوري لآخر جولة، وهو ما فعله براندن رودجرز في موسمه الذي شهد تألق لويس سواريز وستوريدج ورحيم ستيرلنج.
لكن من يتابع الفريق رأى الاختلاف والقتال على كل مباراة، والعاطفة الكبيرة بين المدرب والجمهور واللاعبين. عقب كل مباراة تبحث الكاميرا عن كلوب فيما لا يظهر وحيدًا هو داخل الكادر، في كل مشهد يعانق أحد اللاعبين في تلخيص واضح لقوة العلاقة بين القائد ورجاله.
أحبت جماهير آنفيلد كلوب ووثقت فيه وآمنت بمشروعه، وهكذا هو قرر التعاقد مع لاعبين يؤمنون بمشروعه لا يرغبون في الرحيل إلى أندية مثل برشلونة وريال مدريد.
كان كوتينيو آخر من أبدى رغبته في الرحيل بين لاعبي الفريق الأساسيين، وبالطبع كان إيمري جان اللاعب الألماني قرر الرحيل إلى يوفنتوس بنهاية عقده بداية الموسم الماضي.
"سعادة لن تدركها إلا بعد الرحيل"
لا ترتبط اللحظات السعيدة مع كلوب بالبطولات، لكن كل مجهود يقوم به الفريق يستحق الثناء. حينما تفعل كل ما عليك طيلة الموسم الشاق، فأنت تستحق السعادة حتى إن لم تحقق بطولة، وتحدث عن ذلك في المباريات الأخيرة للدوري الإنجليزي هذا الموسم الذي انتهى بوصول ليفربول إلى 97 نقطة دون تحقيق اللقب.
"السعادة"، هذا ما تحدث عنه لاعب دورتموند ماركو رويس عندما يتذكر عمله تحت قيادة كلوب. والأخير شرح رأيه في هذا الأمر في حوار سابق مع صحيفة الجارديان البريطانية "ما يكتشفونه حينما يغادرون هو أنهم رحلوا عن ناد يمتلك غرفة ملابس مميزة جدا".
لا يتوقف كلوب عن الحديث عن لاعبيه بكل فخر. بعد نهائي مدريد مباشرة قال كلوب في لقاء من أرض الملعب إن اللاعبين كانوا لا يصدقون والجمهور أيضًا.
"أنا رجل عادي، أحيانا أكون صديقا للاعبين، وأحيانا معلمهم. ليس من الصعب أيضًا أن تكون صديقهم في لحظة، ثم (ضاحكًا) ديكتاتور كوريا الشمالية"، تحدث كلوب في حوار الجارديان السابق.
أحب كلوب مساعدة الجميع "لدي متلازمة المساعدة. أهتم حقًا بالناس وأشعر بالمسئولية عن كل شئ".
يعتقد أيضًا أن لديه أحكام جيدة على الأشخاص، ولا يوقّع مع أي لاعب قبل الجلوس والحديث معه وجهًا لوجه. وحول تقييمه لشخصة محمد صلاح قبل التوقيع معه قال "كانت محادثة رائعة. منفتح ومبتسم دائمًا. تحدثنا عن كل شئ من عائلتي إلى عائلته واتفقنا خلال 3 ساعات على كيفية العمل سويًا".
يتحدث كلوب عن المشروع الخاص في ليفربول دائمًا بحب، وعن رغبته في تحقيق الألقاب لهذا النادي مع هذه الجماهير التي أحبته، وحصل على لاعبين يحبونه ويرغبون أيضًا في تحقيق ألقاب مع ليفربول.
قال مارتن كواست الصحفي الرياضي الألماني: "لو أراد كلوب الترشح كرئيس لألمانيا، سيتم انتخابه. هو قادر على لم شمل الناس، وقيادة الطريق وجعلهم سعداء".
فيديو قد يعجبك: