الخطيب.. "القشة" التي يتمسك بها "غريق الأهلي" (بروفايل)
كتب - أحمد جمعة:
قبل أيام قليلة وإبان "كبوة الأهلي" الأخيرة، اهتز ملعب "مختار التتش" بهتاف آلاف الجماهير التي ملئت المدرجات من أجل عودة محمود الخطيب. لم يكن محددًا لدى هؤلاء الشباب ذلك المنصب الذي يدفعون "بيبو" لتقلده إن قرر هو العودة، لكنهم بأي حال شعروا أن ثمة استقرار سيعود للقلعة الحمراء التي شهدت خلال هذه الفترة عنفوان فورانها منذ سنوات ماضية اتسمت بالاستقرار الفني والإداري مكنها من حصد الألقاب الواحد تلو الآخر، معتقدين أنه "القشة" التي ستنقذ الأهلي من الغرق في بحر لُجي من الأزمات التي لا يعلم مداها إلا الله.
يقف الخطيب كـ"حجر زاوية" في بناء الأهلي الممتد جسوره عبر سنوات نضجت بأساطير احتضنها النادي العتيق على مدى تاريخه منذ عام 1907، لكنه يدين بالفضل للأهلي فيما آلت إليه أحواله منذ أن دخله صبيًا عمره 16 سنة "يتشعبط" في قطارات السكة الحديد من أجل اللحاق بمران فريقه، حتى ذاع صيته في القارة السمراء عندما فاز بالحذاء الذهبي كأفضل لاعب في إفريقيا عام 1983، والتي لم يحققها أي لاعب مصري دونه حتى الآن.
بدأ "بيبو" يدوّن اسمه في سجلات الأهلي عام 1971، عندما انتقل من صفوف فريق النصر إلى الأهلي بعدما احتضنته "عيون" الكابتن فتحي نصير مدرب الناشئين بالأهلي خلال هذه الفترة، بعدما ارتحل من قرية "قرقيره" بمحافظة الدقهلية للإقامة مع والده في القاهرة.
خلال 17 عامًا بين انتقاله للأهلي واعتزاله الكرة في عام 1988، يكتظ رصيد الخطيب الكروي بالعديد من البطولات، حيث نجح في التتويج مع فريقه بـ 10بطولات دوري عام، و 5 ألقاب لكأس مصر، والصعود على منصات إفريقيا في 5 مناسبات؛ مرتين لأبطال الدوري و 3 مرات لبطولة الأندية الإفريقية، حيث استطاع أن يقود الأهلي إلى نهائي البطولات الأفريقية لـ 6 أعوام متتالية من عام 1981 و حتى العام 1987.
وساهم الخطيب الذي يحتفل اليوم بذكرى ميلاده (مواليد 30 أكتوبر عام 1954)، في فوز مصر بلقب كأس أفريقيا 1986، وكذلك شارك في تأهل المنتخب الأوليمبي مرتين متتاليتين 1980 و1984، حيث شارك في الأخيرة بلوس أنجلوس، وساهم ببلوغ الفريق للدور ربع النهائي بالبطولة.
تهوى جماهير الأهلي أن تغازل معشوقها بـ"بيبو" الذي يذكر أنه تعود لتسمية صديقه عصام الصباغ نجل الكابتن كمال الصباغ مدرب منتخب مصر الأسبق، أثناء ممارسته كرة القدم في المرحلة الثانوية، حيث استخف هذا الأسم بدلا من الخطيب التي وجد بها ثقل في النطق أثناء المباريات، وكان يقول "بيب" وتم تحوير هذه الكلمة إلى أن أصبحت "بيبو"، لكن الخطيب يخجل حينما تناديه الجماهير بهذا اللقب، يعتبر أنها فترة قضت أجلها وهو الآن في سن الستين.
حكاية "الكارت الأصفر"
"الأسطورة الكروية" الذي خاض 266 مباراة طوال حياته، لم يتعرض للعقاب سوى في مرتين يعتقد الخطيب أنها كانا من الممكن أن تمران دون جزاء؛ الأولى في مباراة للأهلي مع المنصورة بالدوري، حين مرت أحداث المباراة بصعوبة على فريقه دون أن يسجل هدف الفوز، حتى بدأت الجماهير تنتظر بفارغ الصبر "المُخلص" من هذه الدقائق العصيبة، حتى استطاع شريف عبدالمنعم من تسجيل الهدف في الدقيقة 82، لتهيج المدرجات ومن شدة الفرحة قام بتسديد الكرة بقوة مرة آخرى إلى داخل الشباك، ليُشهر الحكم بطاقة صفراء في وجهه.
أما الحالة الثانية للعقاب كانت في لقاء الأهلي أمام المقاولون العرب، حين تلفظ أحد لاعبي المقاولون بكلام غير لائق بحق جمهور الأهلي أكثر من مرة، فقام بجذب اللاعب من يده إلى الحكم محمد حسام وشرح له ما قام به، فما كان من الحكم إلا أن أخرج بطاقتين صفراء للاعبين.
الاعتزال "المُر"
يوم 1 ديسمبر 1988، وقف الخطيب وسط ستاد القاهرة يستمع لمطالب جماهير "مصر" تتوسل تراجع اللاعب عن قراره، تهتف بقوة "لأ يابيبو لأ.. لأ ملكش حق"، لكن "ما خط قد خط" فالخطيب قد حسم أمره بعد إصابته لشهرين متتابعين وهو في سن الـ 34 ربيعًا.
وحكى بيبو عن تلك اللحظات في برنامج "صاحبة السعادة" بقوله: "تعبت كثيرا للعودة من هذه الإصابة، الأمر أصبح مرهق أن تحاول العودة بعد الإصابات بنفس القوة والحماس. كنا نستعد لخوض نهائي إفريقي عام 1987، وكان لأول مرة يقام في مصر، كنت أتمنى خوض المباراة، طلب مني أنور سلامة المدير الفني أن أشارك في مباراة أمام المحلة كانت قبل النهائي بـ9 أيام استعدادا للهلال السوداني، وبالفعل خضت المباراة".
لكن الخطيب الذي كان فريقه قاب قوسين أو أدنى من الفوز بالبطولة الإفريقية الأغلى أصبح خارج الحسابات بعد الإصابة في مباراة المحلة: "بعد نصف ساعة من بداية المباراة، ارتطم قدم لاعب المحلة بوجهي وعيني دون أن يقصد ذلك، خرجت من المباراة للإصابة وقبل دخولي غرفة العمليات قررت أنه لو كُتب لي وشاركت في 10 دقائق فقط من النهائي سأعتزل الكرة".
وبالفعل شارك الخطيب في الدقائق الأخيرة من المباريات: "قبل نزولي إلى الملعب تذكرت العهد الذي اتخذته على نفسي بالاعتزال، فترددت وطلبت منهم تأجيل مشاركتي، وقبل نهاية اللقاء بربع ساعة، دخلت الملعب وبدأت إجراء تمرينات الإحماء، استقبال الجمهور لي كان رائعا".
لن ينسى الخطيب "مشهد" تجمع الجماهير في المدرجات لتوديعه "كرويًا"، تحجر حلقه عن الرد مكتفيًا بـ 6 حروف خرجت غصبًا عن الدموع التي تساقطت: "ألف شكر".
قالوا عن الخطيب
"أنت من المهاجمين الذين لن يتكرروا في الكرة المصرية".. هكذا قال ماهر همام لمصراوي عن محمود الخطيب.
وعن الذكريات التي جمعته بـ"بيبو" قال: "لعبت بجوار بيبو عندما تم تصعيدي للفريق الأول وكان عمري 19 عام، والفريق كان معظمه نجوم وقتها، وكان يلعب الخطيب في نفس المكان الذي ألعب فيه، في خطوط الهجوم".
وتابع: "هناك فترات أقمت فيها مع الخطيب أنا ومختار مختار في منزله حوالي سنتين أو تلاتة، وكان يسكن بجواره الكابتن شطة. بيبو كان قريب جدا من كل لاعبي الأهلي، وعلى علاقة جيدة بلاعبي مصر كلهم، بجانب أنه ودود للنقاد وقتها مثل الأستاذ نجيب المستكاوي وعبدالمجيد نعمان، فكان يستشيرهم في الكثير من الآراء حول حالته الفنية والبدنية ومستواه المهاري وتقييمه في المباريات".
وتحدث همام عن اعتزاله مؤكدا أنه: "جاء بسبب كثرة الاصابات التي لحقت به، بسبب موهبته الفذة فكان معظم المدافعين يتعاملون معه بخشونة، وكان يتنبأ بمعظم الأهداف التي سيحرزها، وكل الأهداف التي أحرزها لم تكن نتيجة حظ، بل جهد طوال الـ 90 دقيقة".
رمضان السيد، لاعب الأهلي السابق قال: "كنا مجموعة أنا ومختار مختار ومحمد عامر وماهر همام، ومش بنسيب بعض إطلاقا، وكنا نقيم معسكرات سويا قبل المباراة بيومين ونفكر في طريقة إدارة اللقاء، وتعاملنا كمحترفين في وقت كان الدوري للهواة".
محمود الخطيب لم يكن لاعبا فذا فقط، بل إداريًا ناجحًا من الدرجة الأولى، هكذا تحدث "السيد" عن "بيبو إداريا"، ولذلك حين تولى منصب نائب رئيس مجلس إدارة الأهلي استطاع النادي أن يكون في مصاف المؤسسات الرياضية الناجحة في مصر والعالم العربي والإفريقي.
شادي محمد، قائد فريق الأهلي السابق، قال: "الخطيب أضاف كثيرا للأهلي، ورمز من رموزه والناس تعشقه على الرغم من أن الكثير من الجيل الجديد لم يشاهده في الملعب".
وأضاف: "عشق الجماهير له لم يقتصر على مصر وحدها بل والعالم العربي وإفريقيا، فكان المشجعون في البلدان يعرفونه عندما كان يرأس بعثة الأهلي في إحدى مبارياتنا الخارجية".
فيديو قد يعجبك: