كيف بدأت حكاية "جمال وعلاء مبارك" مع كرة القدم؟
كتب- محمد مهدي:
منذ يومين، بينما كان الجمهور المصري يلتف حول الفريق الوطني لكرة القدم، في مباراته الودية مع فريق تونس، شتت تركيزهم عن مجريات ما يدور داخل الملعب، وجود علاء وجمال مبارك في مدرجات الدرجة الأولى.
التف حولهما عشرات المشجعين، انهالوا عليهما بالأسئلة الفضولية، عن الكرة والسياسية، غير أنهما التزما الصمت، واكتفيا بالتقاط الصور مع الراغبين في قُربهما، قبل أن يغادرا الملعب تاركين ورائهما فقاعة كبيرة من الأسئلة.
تلك ليست المرة الأولى التي يتواجد فيها جمال وعلاء في المدرجات. الاختلاف الوحيد أنهما كانا يشجعان في سنوات ما قبل الثورة من المقصورة الأساسية ومن حولهما الحاشية الرئاسية وسط احتفاء شديد بحضورهما إلى المباريات كونهما أبناء الرئيس.
قبل نحو عشرين عاما، كانت زوجة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، هي الوحيدة من العائلة التي تتصدر المشهد بجواره، لم يظهر نجلاه كثيرًا، ربما شائعات تنتشر عن أكبرهما "علاء"، نميمة لم ترتقِ لمعلومات مؤكدة، فيما غاب الأصغر "جمال" عن الصورة كونه كان وقتها يعمل في أحد بنوك لندن.
في أواخر عام 1998، طفا ذِكر "جمال" على الساحة، تحت مظلة "جمعية المستقبل" التي أعلنت عن بناء 15 ألف وحدة سكنية لمحدودي الدخل، ومن بعدها كُر خيط الظهور المتُكرر لابن الرئيس في المناسبات المختلفة، خاصة المتعلقة بكرة القدم برفقة شقيقة الأكبر.
أزمة الدراويش
الانتماءات الرياضية للرؤساء وأبنائهم ظلت محط اهتمام الناس في مصر، خاصة أن كرة القدم جزء من الوعي الجماعي للمجتمع.
لم يظهر لمبارك أي ميول كروية، غير أن ابنه "علاء" عُرف بعشقه للنادي الإسماعيلي، إذ تدخل ذات مرة في أزمة نشبت بين فريق الدراويش ومنتخب الشباب في 2003.
رفض الجهاز الفني لمصر بقيادة حسن شحاتة ترك "حسني عبدربه" و"أحمد فتحي" للمشاركة في نهائي بطولة أفريقيا للأندية أمام "انيمبا" النيجيري، نظرًا لاقتراب بطولة العالم للشباب في الإمارات.
باتصالات أجراها "علاء"، وفق رواية حرب الدهشوري، رئيس اتحاد كرة القدم حينذاك، سُمح للاعبين بمغادرة معسكر المنتخب والعودة للإسماعيلي للتواجد في المباراة الحاسمة، ثم اللحاق ببطولة العالم للشباب.
كانت المرة الأولى التي يتدخل فيها نجل الرئيس في شأن كروي، وتم الرضوخ لاقتراحه.
الشرارة الأولى
في مسار السلطة، كان "جمال" يقفز إلى الأمام بدلًا من السير، إذ انضم للحزب الوطني الديمقراطي عام 2000، ثم تولى منصب أمين لجنة السياسيات بعدها بعامين.
لاح شبح التوريث في الأفق بعدما طرح "مبارك" تعديلًا دستوريًا عام 2005 في المادة 76 التي اعتُبرت خطوة لإفساح الطريق لـ "جمال" نحو الحكم، غير أنه لم يكن يحظَ بشعبية أو حضور لدى الشعب.
بعد أشهر قليل نظمت مصر كأس الأمم الأفريقية في يناير 2006، الأحاديث في الشوارع والمحال والمنازل تدور حول البطولة وحظوظ المنتخب، والصُحف تنوه بين سطورها إلى دعم ومساندة أبناء الرئيس للاعبين والجهاز الفني.
حينما سدد "أبوتريكة" الكرة على يمين حارس مرمى كوت ديفور، في المباراة النهائية، علت أصوات التشجيع بالمدرجات، اندفع حشد من الجماهير إلى أرض الاستاد للاحتفال بالفوز مع اللاعبين، من بينهم جمال وعلاء مبارك، وفق إشارة صحيفة الأهرام في صفحتها الأولى في اليوم التالي للمباراة.
لم يعتد المصريون على هذا الظهور لعائلة الرئيس خارج إطار السياسة، لكن مع الوقت أضحى التصاق "جمال" وشقيقه بكل ما يتعلق بالساحرة المستديرة أمرًا اعتيادياً، ومحط اهتمام وسائل الإعلام كافة.
بدا أن كرة القدم هي الطريق السهل للوصول إلى الناس.
الصقور
داخل استاد خماسي بمدينة "بالم هيلز" بالسادس من أكتوبر، في 24 سبتمبر 2007 تحديدًا، عُلقت لافتة كبيرة مكتوب عليها "بطولة الأساتذة الأولى لخماسيات كرة القدم" للإعلان عن دورة رمضانية برعاية ومشاركة ابني الرئيس.
لعب جمال وشقيقه برفقة عدد من نجوم الكرة المعتزلين تحت اسم"الصقور". شارك في البطولة أندية "الأهلي" و"الزمالك"، و"بالم هيلز"، ومن أسبانيا "برشلونة" و"فالنسيا".
أُذيعت المباريات على الهواء مباشرة على التلفزيون المصري، وأفردت الصُحف مساحة خاصة لتغطية تفاصيلها، وكان "جمال" بطلا للعناوين الصحفية سواء خسر فريقه أو فاز.
التغطيات الصحفية نوهت إلى أن ابني مبارك لم يحصلا على أية امتيازات أو مجاملات من زملائهما أو الحكام، واستطاعا حصد صيحات الجماهير العاشقين للساحرة المستديرة.
كاميرا "ابن الريس"
بدا واضحًا أن "جمال" المُحاط بهالة التوريث، بات يضع المنتخب المصري صوب عيناه، لا يفوت فرصة لحضور المباريات الهامة من المقصورة الرئيسية لاستاد القاهرة الملعب الرئيسي للفريق الوطني. كان المصورون والمخرجون يركزون على المقصورة وجمال؛ إذ يسلطون نحوه الكاميرات بدلًا من الجماهير عقب كل فُرصة أو هدف.
في المباراة التي جمعت مصر والارجنتين التي جاءت للاحتفال بفوز المنتخب بكأس الأمم الأفريقية في غانا للمرة الثانية على التوالي في 2008، كانت الكاميرا تتوجه صوب المقصورة الرئيسية بين حين وآخر تلتقط انفعالات نجل الرئيس وزوجته.
"ضهر" المنتخب
بترقب خاض حسن شحاتة، مدرب المنتخب، التصفيات المؤهلة لكأس العالم بجنوب أفريقيا، كان عليه أن يتخطى مجموعته بامكانيات لاعبيه ودعم هائل من ابني مبارك الذي توطدت علاقتهما بالجهاز الفني وعدد من اللاعبين.
يقول شحاتة في وقت لاحق خلال لقاء تلفزيوني: "بحب جمال وعلاء بشكل كبير. لأنهم (لأنهما) وقفوا (وقفا) في ضهرنا وساندونا بشكل كبير جدًا في الفترة اللي منتخب مصر كان بيحقق فيها الانجازات".
في 14 نوفمبر 2009، امتلأ استاد القاهرة الدولي عن أخره. كان على مصر أن تحرز هدفين على الأقل في مرمى الجزائر للحصول على فرصة أخرى للذهاب إلى كأس العالم. عمرو ذكي منح المنتخب الأسبقية في الدقيقة الثانية من المباراة.
مر الوقت، أوشكت المباراة على الانتهاء، الأجواء متوترة، الصمت حلّ في المدرجات، ثمة ارتباك داخل الملعب، الكاميرا تحوم حول "جمال" القابع في المقصورة الرئيسية، ومن ثم تعود إلى أقدام اللاعبين، قبل أن يُرسل عماد متعب رأسية تجاه المرمى.
ببطء تعانق الكرة الشباك، تشتعل المدرجات، ويظهر ابن الرئيس منفعلًا بالفرحة، يحتضن كل من حوله.
واقعة "أم درمان"
في كل ما مضى، اكتفى أبناء مبارك بحضور المباريات داخل مصر، أو الإدلاء بتصريحات مقتضبة عن المنتخب كتهئنة أو تمنيات بالتوفيق.
لكن الحال تغير نسبيا. أقدم "علاء وجمال" على خطوة جديدة حينما توجها بصُحبة عدد من المشجعين إلى السودان لمؤازرة الفريق أمام الجزائر من داخل الاستاد.
كانت مباراة عصيبة، أداء المنتخب باهتًا، لم يظهر لاعبو مصر بالشكل الجيد، أحرز فريق الجزائر هدفا واحدًا ثم تراجع إلى الخلف، أغلق مرماه حتى الدقائق الأخيرة، أخفق المصريون في الصعود إلى كأس العالم، وخرج "جمال" وشقيقه من المدرجات سريعًا منطلقين نحو فندق الإقامة.
كان الوجوم حاضرًا، وعلى أكتاف الجميع ثُقل الهزيمة وحزن المصريين وسخطهم على ما جرى. لكن سريعًا ما تحولت دفة الغضب إلى مشجعي الجزائر بعد أن انتشرت معلومات عن تعديهم على المنتخب والمشجعين المصريين في "أم درمان".
على الهواء مباشرة، أزاح الإعلامون في مصر الهزيمة جانبًا، سواء في برامج "التوك شو" أو البرامج الرياضية، انصب اهتمامهم على صراخ وروايات من قِبل فنانين وعدد من الجمهور المصري عن ضرورة إنقاذهم من مجزرة وشيكة.
انتصار هشّ
بعد ساعات غادر أبناء مبارك والفريق المصري السودان عائدين إلى القاهرة، ونقلت الرحلة على إحدى القنوات الفضائية، بثت مشاهد لـ "جمال" يتحرك داخل الطائرة على خلفية غنائية مؤثرة "ماشافش الرجال.. السمر الشداد، وفي كل المِحن".
عقب الوصول إلى مصر، أغرق "علاء" البرامج التلفزيونية بمداخلاته الهاتفية هنا وهناك، كان أبرزها ما صرح به في برنامجي "البيت بيتك" مع خيري رمضان وتامر أمين و"الرياضة اليوم" مع خالد الغندور.
جاء صوته غاضبًا، ثورة تجلت في حديثه، خرج عن هدوئه المعتاد "أنا بتكلم بره السياسة دلوقتي.. الجزائر فيهم حقد وغل ضد مصر، لازم نأخد موقف، واللي يهنا يأخد على دماغه".
اعتبر الغندور كلمات ابن الرئيس انتصارا للوطن حتى أنه بكى انفعالا بكلماته معلقًا: "اتشرف إنك مصري.. ومصر أغلى من أي حد".
بعد أيام من الواقعة، علق جمال على ما جرى قائلًا: "هأقول جملة واحدة، إن اللي خطط أو ساعد أو سهل أو حرض على أعمال عنف حصلت ضد المشجعين المصريين لازم يتحمل تبعيات غضب الدولة والمجتمع بشكل عام".
ثم توارت التصريحات النارية والحكايات حول الحادث عن الأنظار.
استقبال الخاسرين
في كأس العالم للقارات 2009، لم يذهب الأخوان خلف المنتخب المصري، لكن الأخ الأصغر استقبل الفريق في المطار رغم خروجه من الدور الأول بعد هزيمتين من البرازيل وأمريكا وفوز وحيد على ايطاليا.
تبادل علاء القبلات مع اللاعبين الخاسرين، ثم ولى وجهه شطر الكاميرات التلفزيونية قائلًا: "احنا متواجدين جميعًا لاستقبال المنتخب اللي حقق نتائج تاريخية في البطولة وبقول لكابتن حسن وسمير زاهر واللاعيبة دا تمثيل مشرف".
منافسة جديدة يخوضها المنتخب المصري في أنجولا 2010، محاولًا الحفاظ على كأس الأمم الأفريقية للمرة الثالثة على التوالي. الانتصارات تدفع الفريق إلى مقدمة المجموعة، قبل أن يلتقي مع الجزائر في الدور قبل النهائي، ليثأر من هزيمته في السودان بفوز كبير بـ 4 أهداف دون مقابل.
الحالة الوطنية
يعود "علاء" للحديث مُجددًا في مداخلة هاتفية مع الإعلامي "مدحت شلبي"، يوضح أن الأسرة أقامت شبه مدرج صغير-بحسب تعبيره- بمنزل والده "مش عايز أقولك على الحالة جوه البيت، مع كل جون نتبادل الأحضان وطايرين من الفرحة".
يُمرر له المذيع سؤالا عن كيفية استغلال تلك الحالة الوطنية في إفادة البلاد ليرد: "بدإننا نعمل حاجة كبيرة ومحدش يبخل بالجهد للبلد، لأن فيه قوى خارجية عايزة تدخل تفتتنا".
وصل المنتخب إلى المباراة النهائية أمام غانا، طار الأخوان إلى أنجولا، وبرفقتهما 100 مشجع -وفق رواية الإعلامي أحمد شوبير- تواجدا مع اللاعبين لدفعهم إلى الفوز وبث روح الحماس بداخلهم. ولم يُضيع الفريق الفرصة من يده، إذ فاز بهدف "جدو" القاتل.
في غرفة تغيير الملابس المزدحمة عن أخرها رقص "جمال" هاتفًا وسط الحضور "زي ما قال الريس.. منتخب مصر كويس"، يستوقفه مراسل إحدى القنوات التلفزيونية، فيُصرح: "كنا عايزين نفرح مصر فرحة كبيرة". يقاطعه المراسل محتضنًا إياه قبل أن يتجه إلى "علاء" الذي صرخ فرحًا: ألف مبروك لمصر وللوالد".
صورة أخيرة جمعت الأخوين-علاء وجمال- مع المنتخب المصري بمطار القاهرة عقب استقبال "مبارك" لهم وتكريمهم لفوزهم بالكأس. توقف بعدها الفريق عن استكمال انتصاراته، ثم دبت ثورة في البلاد.
في ميدان مصطفى محمود، ومناطق أخرى، خرجت مظاهرات لتأييد "مبارك" ردا على مطالب الثوار في ميدان التحرير. كان من أبرز المتواجدين والهاتفين باسم الرئيس وابنيه، عددا من الجهاز الفني للمنتخب المصري ولاعبيه.
فوق حافلة، جلس حسن شحاتة بجوار مساعده شوقي غريب، يحتضن علم مصري، هاتفًا وسط عدد من أنصار مبارك: "يا جمال قول لأبوك.. الشعب المصري بيحبوك".
لفظت الثورة الرئيس الأسبق وأسرته وجزءً من حاشيته، اختفوا تدريجيا من المشهد، حتى أضحى ظهوره "علاء وجمال" من جديد في المدرجات بمباراة مصر وتونس الودية محل دهشة بدلًا من الاحتفاء المقترن بمكانتهما القديمة "ابني الرئيس."
فيديو قد يعجبك: