ثم رحلت
كتب - عبد القادر سعيد:
"تندحر على خدي دمعة، أهيم كطيف غير مرئي، أطفو بلا حسٍ، أتحسس رقبتي وصدري للتأكد من أن قلبي ما زال ينبض، أكاد أختنق، تباغتني ابتسامتها في جزء صغير من مخيلتي، تتوغل ببطء شديد، أقاوم الانهيار فتستحوذ على كل عقلي وتقودني في عالمها، ابتسم معها، تفاجئني دمعتي الهابطة على شفتيها في صورةٍ أحتضنتها براحتي، تغيم بي الدنيا، ليس بوسعي فعل أي شيء سوى الاستسلام، كم أنا ضعيف، سأنام.. لعلي أراها ثانيةً".
قبل خمسة أشهر اكتشف لويس إنريكي إصابة "تشانا" طفلته ذات الأعوام التسعة بمرض السرطان، هلع أصابه وعائلته، كرسّوا حياتهم لإنقاذها في غرف المستشفيات والمراكز الطبية العالمية، لكن النهاية كُتبت بسرعة غير متوقعة، جسد تشانا النحيل لم يتحمل تلك المعركة غير المتكافئة.
"ما زالت تبتسم، أراها الآن بوضوح، ألمسها، أعانقها، أُقبِلُها، نظرت إلىّ فكشفت وجهي المبتل في بحر من الدمع، انتقع وجهها، راح الغنج من صوتها، عاتبتني، طمأنتني أنها بخير، طالبتني بالتماسك، أمرتني أن أتوقف، تظاهرت بالاستجابة، عانقتها مجدداً، تمنيت لو ظل عناقنا إلى الأبد".
ركل إنريكي الدنيا وما عليها بعيداً واختار ابنته، ترك المجد، وما الذي يساويه المجد بجانب ابتسامة "تشانا"؟، تقدم باستقالته من تدريب منتخب إسبانيا وكرّس كل وقته لطفلته، ولكن.. ولكن!
"يا ليتني لم أستفيق من غفوتي، يا ليتك ظللتي هُنا يا تشانا، الألم يُنخر جسدي المُنهك، لم يرض لي قضاء وقتاً أطول معكي في أحلامي، أتذكر أهم ليلة في حياتي، يوم أن فُزت مع برشلونة بدوري أبطال أوروبا، كُنتي معى، هُناك فوق المروج الخضراء التي تشبه جنتكي الآن، كانت تمرح وتفرح، لم تدرك أهمية الكأس ذات الأذنين بالطبع، لكنها فرحت لأنها رأت في عيني أبيها فرحة لم ترها ذات مرة، أعرف ذلك يا تشانا، لقد فرحتي لأجلي".
ثمة أشياء تحدث لا تصير بعدها الحياة كما كانت، لم تعد الدُنيا بتلك الرحابة التي كانت لإنريكي قبل صعود روح ابنته إلى خالقها بعد أن ترك كل شيء لأجل إنقاذها وفشل، هل يأتي يوماً تندمل به جراحه ويعود؟ هل يكون ذلك اليوم قريباً؟ هل يعود لقيادة منتخب بلاده؟ هل يُفكر في تقديم شيء يُسعده فتَسعد ابنته التي تطل عليه وتراقبه بابتسامتها المعهودة؟
"أُذعن للأمر الواقع، يرتجف قلبي قلقاً عليها، أنظر إلى صورتها في وجل، يُمزق الحزن أعماقي، زارتني لأخر مرة في غفوتي الأخيرة، تمتمت بكلمات أثناء لعبها على الشاطيء الأزرق الذي يُحيط به من كل النواحي عُشب أخضر ناضر يكتسي بالورود الحمراء، غلّفت ضحكاتها الكلمات، لم أُركز مع ما قالته بقدر ما شدهني صوتها الجميل، كم أفتقده، أتذكر أنها قالت :"واصل رحلتك، وسأنتظرك في نهايتها"، ثم رحلت".
فيديو قد يعجبك: