الفتوى والبناء الأخلاقي في ظل الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة
بقلم-هاني ضوة:
نائب المستشار الإعلامي لمفتي الجمهورية
عالم متسارع أصبحنا نعيش فيه ويفرض علينا العديد من التحديات التي أصبح لزامًا علينا أن نواجهها، وأن نضع الحلول لما افرزته من مشكلات مجتمعية وتحديات أخلاقية، خاصة في ظل التقدم التكنولوجي السريع والتقنيات الحديثة، وهو ما يتطلب توجيهًا دقيقًا للحفاظ على القيم الأساسية للمجتمع وبناءه الأخلاقي.
ولعل الفتوى تعد واحدة من أبرز الأدوات التي تساعدنا على ضبط بوصلة الأخلاق ومواجهة السيولة الأخلاقية في المجتمع، حيث تسهم في ضبط سلوك الأفراد والمجتمعات وتوجيههم نحو الاستخدام المسؤول للتقنيات الحديثة. فهي تلعب دورًا حيويًا في الحفاظ على البناء الأخلاقي وتقديم إطار شرعي يتماشى مع متطلبات العصر.
تطرح التكنولوجيا الحديثة في عالمنا المعاصر السريع تحديات أخلاقية عديدة، منها قضايا الخصوصية والأمان الرقمي، وانتشار المعلومات المضللة، وتأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل والعدالة الاجتماعية. وعلى سبيل المثال قد يؤدي الاستخدام غير المسؤول للذكاء الاصطناعي إلى تزايد البطالة والتفاوت الاقتصادي.
ولكي تكون الفتوى شريكًا فعالًا في الحفاظ على البناء الأخلاقي، يجب أن تتفاعل بشكل حيوي مع التكنولوجيا والتقنيات الحديثة. ويتطلب هذا التفاعل فهمًا عميقًا للتطورات العلمية والتكنولوجية والقدرة على تقديم حلول شرعية تلبي احتياجات العصر. ويمكن تحقيق ذلك من خلال التعاون بين العلماء والفقهاء والخبراء في التكنولوجيا، لتقديم فتاوى تستند إلى معرفة دقيقة بالتحديات والفرص التي تطرحها هذه التقنيات الحديثة.
ورغم الدور المهم الذي تلعبه الفتوى، إلا أن إصدار فتاوى تتماشى مع التحديات الحديثة ليس بالأمر السهل. حيث يواجه العلماء والفقهاء تحديات تتعلق بفهم التكنولوجيا المتقدمة ومرجعياتها المتعددة وتقييم تأثيراتها الأخلاقية. لذلك، وجب على المؤسسات الدينية تطوير آليات حديثة تتيح لها متابعة التطورات التكنولوجية واستيعابها بشكل يمكنها من إصدار فتاوى معاصرة، دقيقة وفعالة.
وهذا بالفعل ما تقوم به دار الإفتاء المصرية التي تعقد نهاية هذا الشهر مؤتمرًا عالميًا مهمًا تحت عنوان: "الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع"، برعاية كريمة من السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي وبحضور علماء ومفتين من أكثر من 104 دولة، وتمثيل أممي كبير، حيث يناقش المؤتمر دور الفتوى في تعزيز الأخلاق والقيم الإنسانية في عالم يزداد تسارعًا، ومناقشة دَور الفتوى في مواجهة تحديات العصر الحديث، بالإضافة إلى تعزيز التعاون بين مؤسسات الفتوى والمنظمات الدولية والإقليمية.
ويعد هذا المؤتمر فرصة كبيرة ونموذجًا عالميًا للتعاون يجتمع فيه عشرات العلماء والمفتين من مختلف الدول الثقافات المتنوعة، حيث تتكامل الرؤى وتتلاقح الأفكار من أجل إطلاق مبادرات ومشروعات عالمية مهمة يتعاون فيها كافة المؤسسات والهيئات الإفتائية على مستوى العلم لمواجهة التحديات الأخلاقية وضمان تعزيز البناء الأخلاقي في عالم متسارع ملئ بالتحديات.
يحدونا الأمل في أن يقدم المؤتمر العالمي التاسع للإفتاء رؤى واستراتيجيات جديدة لمواءمة الفتاوى مع التطورات التقنية السريعة، والتوصل إلى آليات فعّالة لتعزيز الأخلاق والقيم الدينية في ظل التكنولوجيا المتطورة، وضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بما يساهم في نشر المعرفة الدينية الصحيحة بعيدًا عن التطرف أو الانحراف.
فيديو قد يعجبك: