بالأدلة الشرعية.. المفتي يوضح حكم صلاة المسلمين في الكنائس
كـتب- عـلي شـبل:
في أحدث فتاواه، أكد الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية، أن صلاة المسلم في الكنيسة جائزة شرعًا كغيرها من بقاع الأرض، وأجمع العلماء على صحتها بالشروط المعتبرة في صحة الصلاة؛ إذ هي داخلة في عموم ما امتنَّ الله به على هذه الأمة المحمدية؛ من أنه جعل لها الأرض كلها مسجدًا.
وأشار فضيلة المفتي إلى أن العلماء سلفًا وخلفًا يطبقوا ذلك ورخَّصوا فيه عبر القرون. وما ورد من امتناع بعض السلف عن الصلاة في الكنائس فإنما هو لوجود التماثيل، وهو محمول على الكراهة لا على التحريم.
وفي نص فتواه، ردًا على سؤال تلقته دار الإفتاء يقول صاحبه: ما حكم صلاة المسلمين في الكنائس؟ أوضح مفتي الجمهورية أنه مما امتنَّ الله تعالى به على هذه الأمّة: أن جعل لها الأرض مسجدًا وتربتها طهورًا؛ فأيّما مسلم أدركته الصّلاة في أي موضع طاهر فله أن يصلي فيه، بالشروط المعتبرة في صحة الصلاة، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي الغَنَائِمُ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ» متفقٌ عليه.
واشار علام، في بيان فتواه، عبر بوابة الدار الرسمية، إلى أنه يدخل في عمومِ الأرضِ: الكنائسُ والصوامع وغيرها من دور العبادات، والتي يُذكَرُ فيها اسمُ الله كثيرًا؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: 40-41].
واستند علام إلى قول ابن عباس رضي الله عنهما: "الصوامع: التي تكون فيها الرهبان، والبِيَع: مساجد اليهود، وصلوات: كنائس النصارى، والمساجد: مساجد المسلمين" أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير.
وقول الإمام ابن بطال في "شرح صحيح البخاري": الحديث يدل أن هذه الأبواب المتقدمة المكروه الصلاة فيها ليس ذلك على التحريم والمنع؛ لأن الأرض كلها مباحة الصلاة فيها بكونها له مسجدًا، فدخل في عمومها الكنائس والمقابر] اهـ.
واكد فضيلة المفتي أن علماء الأمة مجمعون على جواز الصلاة في الكنائس ودور العبادة لغير المسلمين، ما دامت شروط الصلاة متحققة؛ قال الإمام ابن عبد البر في "التمهيد": [أجمعوا على أن من صلى في كنيسة أو بيعة في موضع طاهر أن صلاته ماضية جائزة] اهـ.
وقد طبَّق ذلك العلماءُ سلفًا وخلفًا، ورخَّصوا فيه عبر القرون؛ لدخوله في عموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» رواه البخاري.
وقول الشيخ ابن تيمية الحنبلي في "شرح العمدة": [روي عن عمر رضي الله عنه: "أنه صلى في كنيسة بالشام" رواه حرب.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أنه لم يكن يرى بأسًا بالصلاة في البيع إذا استقبل القبلة".
وعن أبي راشد التنوخي قال: "صلى المسلمون حين فتح حمص في كنيسة النصارى حتى بنوا المسجد" رواهن سعيد.
ولم يبلغنا عن صحابيٍّ خلاف ذلك، مع أن هذه الأقوال والأفعال في مظنة الشهرة.
وأوضح علام أن من امتنع من العلماء من الصلاة في الكنائس فإنما ذلك إذا كان فيها تماثيل، غير أن ذلك على سبيل الكراهة. وأجاز جماعة من العلماء الصلاة في الكنائس ولو كان فيها تماثيل من غير كراهة.
ففي "صحيح البخاري" أن عمر رضي الله عنه قال: "إنا لا ندخل كنائسكم من أجل التماثيل التي فيها الصور"، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يصلي في البيعة، إلا بيعة فيها تماثيل.
واستشهد في ذلك بما رواه الإمام ابن بطال في "شرح صحيح البخاري": [اختلف العلماء في الصلاة في البيع والكنائس:
فكره عمر وابن عباس رضي الله عنهم الصلاة فيها من أجل الصور، وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: انضحوها بماء وسدر وصلوا، وهو قول مالك.. وكره الصلاة فيها الحسن.
وأجاز الصلاةَ فيها النخعيُّ، والشعبي، وعطاء، وابن سيرين، ورواية عن الحسن، وهو قول الأوزاعي، وصلى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه في كنيسة يوحنا بالشام.
وواشار فضيلة مفتي الجمهورية إلى أن الحنابلة نصّوا على جواز الصلاة في الكنيسة ولو كان فيها صور؛ قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني": [فصل: ولا بأس بالصلاة في الكنيسة النظيفة، رخص فيها الحسن، وعمر بن عبد العزيز، والشعبي، والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، وروي أيضًا عن عمر وأبي موسى رضي الله عنهما، وكره ابن عباس رضي الله عنهما ومالك الكنائس من أجل الصور.
وتابع علام في نص فتواه: ولنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى في الكعبة وفيها صور، ثم هي داخلة في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَأينمَا أدْرَكَتكَ الصَّلاةُ فَصَلِّ؛ فإنه مَسْجدٌ»] اهـ.
وقال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف": [وله دخول بِيعةٍ وكنيسةٍ والصلاةُ فيهما، مِن غير كراهةٍ، على الصحيحِ مِن المذهبِ] اهـ.
وصلاة المسلم في الكنيسة مع وجود التماثيل فيها لا تقتضي إقراره على ما يخالف الإسلام من عقائد؛ ولذلك سمح النبي صلى الله عليه وآله وسلم لنصارى نجران بالصلاة وإقامة طقوسهم في مسجده الشريف، على الرغم من الخصوصية الدينية لهذه الطقوس والشعائر، ولم يقل أحد إن ذلك يوجب دخولهم في الإسلام.
وكما أن السماح لغير المسلمين بممارسة شعائرهم لا يقتضي الرضا بها، فكذلك الصلاة في الكنائس لا تقتضي الإقرار على ما يخالف العقيدة الإسلامية.
وفي خلاصة فتواه، أكد الدكتور شوقي علام أنه بناءً على ذلك: فصلاة المسلم في الكنيسة جائزة شرعًا كغيرها من بقاع الأرض، وأجمع العلماء على صحتها بالشروط المعتبرة في صحة الصلاة؛ إذ هي داخلة في عموم ما امتنَّ الله به على هذه الأمة المحمدية؛ من أنه جعل لها الأرض كلها مسجدًا، وقد طبَّق ذلك العلماءُ سلفًا وخلفًا ورخَّصوا فيه عبر القرون. وما ورد من امتناع بعض السلف عن الصلاة في الكنائس فإنما هو لوجود التماثيل، وهو محمول على الكراهة لا على التحريم.
اقرأ أيضا:
بعد الجدل حول صلاة علماء الأزهر "جماعة" في مطرانية طنطا.. أحمد كريمة يعلق
فيديو قد يعجبك: