سبيل نفيسة البيضاء.. أحد أشهر الأسبلة العثمانية في مصر
كتبت – سارة عبد الخالق:
بالطرف الجنوبي من شارع المعز لدين الله الفاطمي داخل باب زويلة، وتحديدا في المنطقة التي كانت تعرف إجمالا باسم "السكرية" يوجد هذا الأثر الإسلامي التاريخي، الذي يعد أحد المشروعات الخيرية الاجتماعية الموجودة بالمنطقة والباقية حتى الآن.. إنه "كتاب وسبيل نفيسة البيضاء" المعروف أيضا بـ "سبيل وكتاب نفيسة خاتون".
يعتبر هذا السبيل نموذجًا رائعا للطراز المعماري العثماني في أواخر عهده بالقاهرة، فقد عرف العثمانيون الأسبلة وشيدوا العديد منها، وتأثروا في بنائها ببناء الأسبلة من المماليك في مصر والشام، وقد تميزت الأسبلة العثمانية عن غيرها من الأسبلة المملوكية بتخطيطها المعماري والعناصر الزخرفية الموجودة بها، ويعد سبيل "نفيسة البيضاء" واحدا من أشهر الأسبلة العثمانية في مصر، وفقا لما جاء في كتاب (الفنون والآداب) لأحمد عبد الوهاب الشرقاوي.
فالأسبلة في الأصل هي منشآت خيرية اجتماعية أبدع المعماري المسلم في تشييدها وزخرفتها وتزيينها، وكانت تلحق بالمدارس والمساجد والجوامع والوكالات أو الكتاتيب.
ينسب "سبيل وكتاب نفيسة البيضاء" إلى السيدة "نفيسة قادن بنت عبد الله البيضاء" صاحبة السبيل والكتاب الملقبة بأم المماليك، وهي جارية شركسية اشتهرت باسم "نفيسة البيضاء" نسبة إلى لون بشرتها، وكذلك أطلق عليها البعض اسم "نفيسة المرادية" نسبة إلى زوجها الثاني مراد بك ، وكانت من أغني أغنياء مصر، وقد أنفقت الكثير من أموالها على أعمال الخير، فقد قامت بإنشاء وكالة تجارية يجاورها مكان لسكن فقراء الحرفيين، وألحقت بهما سبيلا للماء يعلوه كتاب لتعليم الأطفال اليتامى القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة.
وكان الغرض من بناء هذا السبيل هو توفير وتقديم مياه الشرب للمارة كعمل خيري، حيث كان العاملون بالسبيل يقومون بملأ الأكواب من أحواض رخامية ويقدمونها للناس المارين في الخارج، حيث كان الماء يأتي من صهريج تحت الأرض مليء بماء النيل الذي كانت تجلبه الجمال، ويختلف هذا السبيل عن باقية الأسبلة في أن صهريجه لا يوجد أسفله وإنما أسفل مبنى مجاور.
يطل "سبيل نفيسة البيضاء" على الطريق العام، وتقع واجهة السبيل والكُتاب على القصبة العظمى للقاهرة، ويتكون السبيل من الصهريج، الذي تعلوه حجرة التسبيل التي تحوي أحواضًا رخامية لتسبيل المياه، ويغلق على واجهة الحجرة ثلاثة شبابيك معدنية نحاسية مقوسة يتقدمها رف رخامي لوضع كيزان الشرب عليه لسقاية المارة، - وفقا لما ذكره موقع وزارة الآثار المصرية، وموقع الهيئة العامة للاستعلامات المصرية.
ويوجد على جانب السبيل لوحة رخامية مصاصة تم تخصيصها لشرب الأطفال وكبار السن عليها كتابات نصها "يا وارد الماء الزلال الصافي، اشرب هنيئا صحة وعوافي".
و"تزخر واجهة السبيل والكتاب بروائع وجماليات الزخارف الحجرية والرخامية والنحاسية والخشبية من الوحدات الهندسية والنباتية المجسمة التي انتشرت في العصر العثماني التركي بمصر والمتأثرة بالطرز الأوروبية الفنية في عصر النهضة بالقرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين"، وفقا لموقع الآثار السابق ذكره.
وتكمن أهمية موقع هذا السبيل والكتاب في أنهما مشيدان في مبنى من طابقين يلاصق وكالة نفيسة البيضاء، وقد أقيما على شارعٍ رئيسي بالقرب من باب زويلة، حيث كانت ينطلق موكب الحج السنوي إلى بيت الله الحرام، وفقا لما جاء مقال (أوقاف النساء: المرأة، المعرفة، السلطة) - جزءمن مشروع لإعادة تاريخ المرأة المسلمة لزينب أبو المجد.
كان السبيل قد تعرض لأعمال ترميم استغرقت نحو ثلاث سنوات تقريبا، في إطار مشروع لترميم عدد من المواقع الهامة في القاهرة التاريخية.
والسبيل منقوشة عليه بعض الأبيات الشعرية، حيث نُقشت على واجهته كلمات تمتدح فضائل نفيسة البيضاء، جاء فيها:
سبيلُ سعادةٍ ومرادٌ عزٍ وإقبال لمحسنة رئيسة
يُسرُك منظرٌ وصنع بديع وتَعجبُ من محاسنِه الأنيسة
جري سلساله عذبٌ فرات فكم أحيت به مهجا بئيسة
نؤرخه سبيل هدى وحسُنَ لوجه الله ما صنعت نفيسة
فيديو قد يعجبك: