"فشرب حتى رضيت".. هكذا روى أبو بكر الصديق لأصحابه تفاصيل رحلة الهجرة
كتبت – آمال سامي:
تحل غدًا ذكرى الهجرة النبوية الشريفة من مكة إلى المدينة المنورة، وتمتلئ كتب التاريخ والسير بقصة الهجرة وتفاصيلها، لكن بين تلك الكتب، راو مميز يحكي لنا كيف كانت الهجرة بحذافيرها، وهو سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فهو ثاني الاثنين في الغار، وصاحب النبي الذي تمنى صحبته فنالها..
تروي السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بشر أبا بكر بالصحبة بكى فرحًا فتذكر كيف جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر في وقت لا يعتاد زيارته فيه، وحين جلسا قال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبه: إنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ وَالْهِجْرَةِ، تقول عائشة : فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : الصُّحْبَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : الصُّحْبَةَ، فقالت عائشة:"فَوَاَللَّهِ مَا شَعُرْتُ قَطُّ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَحَدًا يَبْكِي مِنْ الْفَرَحِ ، حَتَّى رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ يَبْكِي يَوْمئِذٍ".
ويروي عنه البراء بن عازب في مسند الإمام أحمد القصة التي بدأت بشراء أبو بكر من أبيه عازب سرجًا بثلاثة عشر درهما، فطلب منه أبو بكر رضي الله عنه أن يحمله لمنزله فرفض ذلك قائلًا : لا حتى تحدثنا كيف صنعت حين خرج رسول الله ﷺ وأنت معه، وهكذا بدأ أبو بكر رضي الله عنه في رواية تفاصيل رحلة الهجرة..
السير ليلًا ونهارًا وتحت لهيب شمس الصحراء
بدأ أبو بكر الصديق رضي الله عنه رواية قصة هجرته مع النبي وكيف واصلا السير ليلا ونهارًا وتحت حرارة شمس الصحراء الحارقة فيقول: خرجنا فأدلجنا فأحثثنا يومنا وليلتنا حتى أظهرنا، وقام قائم الظهيرة فضربت ببصري هل أرى ظلا نأوي إليه فإذا أنا بصخرة فأهويت إليها فإذا بقية ظلها فسويته لرسول الله ﷺ وفرشت له فروة، وقلت اضطجع يا رسول الله، فاضطجع، ثم خرجت أنظر هل أرى أحدا من الطلب، فإذا أنا براعي غنم فقلت لمن أنت يا غلام فقال لرجل من قريش فسماه فعرفته فقلت: هل في غنمك من لبن؟ قال:نعم، قال: قلت هل أنت حالب لي قال نعم قال فأمرته فاعتقل شاة منها ثم أمرته فنفض ضرعها من الغبار ثم أمرته فنفض كفيه من الغبار ومعي إداوة على فمها خرقة فحلب لي كثبة من اللبن فصببت يعني الماء على القدح حتى برد أسفله.
هكذا كان يرعى ابو بكر الصديق رضي الله عنه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يخشى عليه من حرارة الشمس، ويحرص على أن يجعله يجد ما يشربه، بل يبرد له اللبن حتى لا يشربه ساخنًا، يتابع أبو بكر رضي الله عنه قائلًا: ثم أتيت رسول الله ﷺ فوافيته وقد استيقظ، فقلت: اشرب يا رسول الله فشرب حتى رضيت.
يعلق الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم على قول ابي بكر: "فشرب حتى رضيت" قائلًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب حتى تيقن ابو بكر انه شرب حاجته وكفايته، أما ابن حجر فيرى ان الحديث يظهر شدة حب ابي بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم وأدبه مع الرسول صلى الله عليه وسلم وإيثاره له على نفسه على شدة محبة أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم، وأدبه معه، وإيثاره له على نفسه، ويكمل ابن حجر في "فتح الباري": وفيه: أدب الأكل والشرب، واستحباب التنظيف لما يؤكل ويُشرب، وفيه استصحاب آلة السفر كالإداوة والسفرة، ولا يقدح ذلك في التوكل
سراقة بن مالك يدرك الركب!
في الحديث ذاته يخبرنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه كيف فزع عندما كاد أن يدركهما سراقة بن مالك على فرسه، فيقول: قلت يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا فقال "لا تحزن إن الله معنا"، حتى إذا دنا منا فكان بيننا وبينه قدر رمح أو رمحين أو ثلاثة قال قلت يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا، وبكيت، قال: لم تبكي قال: قلت أما والله ما على نفسي أبكي ولكن أبكي عليك، قال فدعا عليه رسول الله ﷺ فقال: اللهم اكفناه بما شئت، فساخت قوائم فرسه إلى بطنها في أرض صلد ووثب عنها.
وهكذا سقط سراقة بن مالك مستسلمًا لأعزلين! حتى أدرك أن هذا بسبب دعاء النبي حقًا، فقال له: يا محمد قد علمت أن هذا عملك فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه، فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب وهذه كنانتي فخذ منها سهما فإنك ستمر بإبلي وغنمي في موضع كذا وكذا فخذ منها حاجتك، قال: فقال رسول الله ﷺ: لا حاجة لي فيها قال ودعا له رسول الله ﷺ فأطلق فرجع إلى أصحابه.
أبو بكر يصف فرحة أهل المدينة بمقدم النبي
يمضي أبو بكر رضي الله عنه في روايته، فيحكي لنا كيف خرج الأنصار في الطرقات ليستقبلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنازعهم في منزل أيهم ينزل الرسول، فيقول: ومضى رسول الله ﷺ وأنا معه حتى قدمنا المدينة فتلقاه الناس فخرجوا في الطريق وعلى الأجاجير، فاشتد الخدم والصبيان في الطريق يقولون الله أكبر جاء رسول الله ﷺ جاء محمد قال وتنازع القوم أيهم ينزل عليه، قال: فقال رسول الله ﷺ أنزل الليلة على بني النجار، أخوال عبد المطلب، لأكرمهم بذلك.
ويروي ابن كثير في البداية والنهاية تفاصيل أكثر لهذا الحدث، فروي عن البخاري ان راحلة الرسول صلى الله عليه وسلم بركت في مكان مسجده، وكان مربدًا لغلامين يتيمين في المدينة وهما سهل وسهيل فابتاعه منهما، واتخذه مسجدًا، وكان ذلك في دار بني النجار رضي الله عنهم.
فيديو قد يعجبك: