ناديا شفشنكو: رمز المعارضة الأوكرانية في سجون روسيا
لندن (بي بي سي)
تحولت ناديا شفشنكو في أوكرانيا إلى بطل قومي ورمز لمقاومة روسيا منذ سقوط طائرتها وأسرها من قبل الانفصاليين الموالين لروسيا أثناء أداء مهمة قتالية في شرق البلاد.
أما في روسيا، فتوجه إليها اتهامات بالمساعدة في قتل اثنين من الصحفيين الروس أثناء تغطيتهم لأحداث الصراع بين الانفصاليين والقوات الحكومية في شرق أوكرانيا.
لكن بي بي سي اطلعت على بيانات من هاتفي الصحفيين المحمولين تعود ليوم وفاتهما، وهي البيانات التي يستند إليها دفاع ناديا في إثبات براءتها من الضلوع في قتلهما.
وكانت ناديا شفشنكو قد أعلنت إضرابها عن الطعام في السجن في ديسمبر الماضي، إلا أنها أبلغت بعض من توجهوا لزيارتها بأنها تتناول خليطا من البروتينات والكربوهيدرات، لذا "من الصعب أن يؤثر الإضراب على المخ".
لكنها أوقفت الإضراب يوم الخميس الماضي بعد 83 يوما امتنعت خلالها عن الطعام، ما أثار مخاوف حيال حالتها الصحية.
قالت ناديا شفشنكو في خطاب أرسلته إلى الشعب الأوكراني أعلن محتواه أحد أعضاء فريق الدفاع عنها في روسيا: "على المستوى البدني، أشعر بالافتقار إلى النظافة الشخصية، لكن الحالة ليست بهذا السوء. فحياتي أشرفت على نهايتها على أي حال".
وأضافت: "ولكني سأتناول المرق لفترة حتى أتمكن من الطيران إن عشت، وأنهي حياتي وأنا بصحة جيدة إن مت، وإذا ما اضطررت إلى القتال، أجد بي بعض القوة".
وأعلنت أيضا في خطابها إلى شعب أوكرانيا أنها سوف "تغير الأسلوب" الذي تتعامل به مع الموقف.
مختطفة
قبل رسالتها إلى الشعب الأوكراني بيوم واحد فقط، بدت ناديا وقد فقدت 20 كجم من وزنها منذ ديسمبر، إلا أنها تمكنت من الوقوف على قدميها لبعض الوقت أثناء جلسة التحقيقات التي شاركت في مجرياتها بفاعلية.
وحذرت الطيارة الأوكرانية، أثناء إجابتها على سؤال وجهته إليها مراسلة بي بي سي، من أن الإضراب عن الطعام قد "يودي بحياتها كلية عاجلا أو آجلا".
وفي اليوم التالي، قال محاميها إن حالتها الصحية تتحول من سيء لأسوأ وأنها سوف توقف إضرابها عن الطعام بناء على نصيحة الطبيب.
وتواجه ناديا (33 عاما) اتهامات بالمشاركة في قصف بمدافع الهاون أودى بحياة صحفيين روسيين كانا يعملان لصالح التلفزيون الرسمي الروسي في تغطية أحداث الصراع بين الانفصاليين وقوات الحكومة الأوكرانية.
وكانت المقاتلة الأوكرانية قد وصلت إلى المنطقة التي شهدت القصف قبل مقتل الصحفيين بيوم واحد فقط لتنضم إلى المتطوعين في كتيبة أيدار الموالية لكييف.
وقال محاميها إنها اختطفت من قبل الانفصاليين صباح يوم 17 يونيو الماضي في حين أُصيب عدد آخر من المتطوعين في كتيبة أيدار عقب وقوعهم في كمين نصبه الانفصاليون.
كان ذلك بالقرب من قرية ميتاليست حيث لقي الصحفيان حتفهما في نفس اليوم.
وظهرت المتطوعة الأوكرانية في مدينة فورونيز، جنوب غربي روسيا حيث ألقت السلطات القبض عليها.
وزعمت ناديا أنها نُقلت سرا عبر الحدود الروسية الأوكرانية معصوبة العينين، ما أثار غضبا على المستوى الدولي حيال اختطافها.
ويصر المحققون الروس على أنها اعتقلت "وفقا للقانون الروسي"، إذ تسللت إلى داخل البلاد بشكل غير قانوني على أنها من اللاجئين.
وتواجه ناديا تهمة إبلاغ القوات الأوكرانية بمكان الصحفيين الروسيين، ما أدى إلى مصرعهما، وهي التهمة التي تصل عقوبتها إلى السجن 20 عاما.
بريئة
كان الصحفيان إيغور كورنيليوك وأنتون فولوشين من التلفزيون الرسمي الروسي يصوران بالقرب من نقطة تفتيش تابعة لجمهورية لوهانسك الشعبية، التي أعلنت استقلالها عن أوكرانيا من طرف واحد.
وتظهر المادة التي سجلها المصور المرافق للصحفيين، والذي تمكن من الاحتماء خلف مركبة مصفحة، وقوع انفجار هائل جراء إطلاق كثيف لقذائف الهاون أودى بحياة زميليه اللذين سقطا على بعد أمتار قليلة منه.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أهدى اسم الصحفيين وسام الشجاعة.
وفي أوكرانيا، يتهم كثيرون التلفزيون الرسمي الروسي بأنه مؤيد للدعاية التي يقوم بها الكريملين. ولكن في المقابل، أشاد أحد كبار المسؤولين الروس بالصحفيين أثناء حفل تكريمهما في موسكو مؤكدا أنهما كانا يسعيان لكشف "الحقيقة" وراء الصراع في أوكرانيا لمواجهة الدعاية التي تروج لها قوى الغرب.
على أي حال، مازال موت الصحفيين يسبب الكثير من الألم لأسرتيهما.
قالت إيكاترينا كورنيليوك، زوجة أحد الصحفيين، إن "آخر ما قلته له هو أن يأخذ حذره لأننا ننتظر عودته".
وكانت إلى جوار إيكاترينا ابنتها داشا التي تذكرت والدها قائلة "لقد كان أبي شجاعا، إذ ذهب إلى هناك"، في شرق أوكرانيا.
وأضافت انه "كان طيبا جدا".
ومن جهته، قال إليا نوفيكوف، المحامي عن ناديا شفشنكو، إن بإمكانه أن يثبت أنها لا علاقة لها بقتل الصحفيين.
وكشف لبي بي سي عن بيانات على هاتف محمول، وفرتها له وكالة الاستخبارات الأوكرانية، تتضمن سلسلة من الخرائط موضح عليها بدوائر ملونة المواقع التي تنقل بينها فريق التلفزيون الروسي ومواقع تواجدت بها ناديا.
وأكد أنها "بريئة مئة في المئة".
وأشار إلى التوقيتات والدوائر الملونة على الخرائط قائلا إن "ناديا كانت رهن الاعتقال بالفعل وقت وفاة الصحفيين".
وأضاف: "أعتقد أن القصف استهدف لوهانسك، لا لأن الصحفيين كانا يعملان، فلم يكن أحد يعلم بأمرهما، وأرجح أن الأمر وقع مصادفة".
رد بوتين
منذ يونيو الماضي، وناديا شفشنكو تقبع رهن الاحتجاز في روسيا. ولم يُحدد موعد لمثولها أمام المحكمة، كما رُفضت طلبات عدة لإطلاق سراحها.
وفي المحاولة الأحدث لإطلاق سراحها هذا الأسبوع، دُفع بأنها تتمتع بالحصانة من المقاضاة باعتبارها موفد أوكرانيا للمجلس الأوروبي.
وكان هناك أيضا استثناء يتضمن إطلاق سراحها وفقا لاتفاقية مينسك ضمن أسرى الحرب الذين تم الاتفاق على إطلاق سراحهم أثناء محادثات وقف إطلاق النار، إلا أن أيا من تلك المحاولات لم تفلح في إطلاق سراح الطيارة الأوكرانية.
وفي تعليقه الوحيد على قضية ناديا شفشنكو، أوضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن القضية الخاصة بالطيارة الأوكرانية قضية جنائية وليست سياسية، ولابد من أن يأخذ القانون مجراه في المحاكم.
وثارت مخاوف دولية بشأن مصير ناديا، فيما طالبت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بإطلاق سراحها.
كما أرسل الرئيس الأوكراني بيترو بروشينكو خطابا مكتوبا إلى نظيره الروسي يطالبه بالإفراج عن ناديا "لأسباب صحية". كما منح السجينة الأوكرانية لقب "بطل أوكرانيا".
ومن جانبه، قال الكرملين إن ثمة رد "قيد الإعداد"، في ما يعزز احتمال الإفراج عنها في لفتة إنسانية.
لكن في الوقت الراهن، تظل ناديا خلف القضبان.
فيديو قد يعجبك: