النائبة الكويتية صفاء الهاشم وحيدة في مجلس الرجال
لندن – (بي بي سي):
ليس لصفاء الهاشم سقف في النقد السياسي الشرس، لاسيما تحت قبة البرلمان.
عادت الهاشم، الشهيرة في الكويت بالنائبة المستقيلة، لمجلس الأمة الكويتي في انتخابات السبت الماضي، لتكون المرأة الوحيدة في المجلس الذي يضم 49 نائبا غيرها.
كادت تغريدة على تويتر تطيح بالسيدة التي عرفت بقسوتها في الاستجوابات وأسئلتها التي لا ترحم في المجلس المنحل. فقد غردت تنتقد بشدة أحد زملائها في المجلس، وحكم القضاء بأن التغريدة سبا وقذفا، وحكمت عليها بغرامة 150 دينارا. وبناء على هذا الحكم، استبعدتها لجنة فحص المرشحين بوزارة الداخلية من الترشح لانتخابات 2016. غير أن محكمة التمييز (النقض) أعادتها، قبل يومين فقط من التصويت، يوم السبت.
تقول الهاشم، 52 عاما، إنها استقالت من المجلس السابق بسبب يأسها من جدوى المجلس، وتجاهل استجواباتها وعدم تمكنها من أداء دورها البرلماني الرقابي. وقبل استقالتها، كانت ثانية سيدتين فقط بالمجلس، هي والدكتورة معصومة المبارك أول وزيرة في الحكومة الكويتية (2005) وأول عضوة في مجلس الأمة (2009).
"ضوء في نهاية النفق"
قبل ساعات من صدور الحكم بعودتها إلى المعركة الانتخابية، سألتُ الهاشم، في إحدى ندواتها الدعائية الحاشدة، عن سبب إصرارها على العودة إلى البرلمان طالما أنه لم يعد الجهاز الرقابي الذي تتمناه. أجابتني "هذا بلدي، وسوف أظل أقاتل من أجله، ومهما تكن العراقيل، هناك ضوء في نهاية النفق".
بحكم الدراسة والتجربة، اكتسبت الهاشم مهارات الخطابة والمواجهة التي منحتها كاريزما وقدرة على التأثير لا تخفى عن المستمع إليها.
درست الأدب الإنجليزي في جامعة الكويت لتحصل على الليسانس، ثم الماجستير من جامعة بنسلفانيا في إدارة الأعمال، وأتبعته بدبلوم الدراسات العليا في الأعمال من جامعة هارفارد الأمريكية.
في آخر ندواتها الدعائية، وقفت الهاشم أمام آلاف المؤيدين من دائرتها وخارجها لأكثر من ساعتين متصلتين تتجول على مسرح أعد بعناية لمخاطبة الناس في القضايا التي توجعهم.
وذكرت النائبة العائدة مؤيديها بمعاركها وأقوالها الشهيرة في مجلس الأمة، ومواجهاتها مع وزراء الحكومة ورئيسها.
ظهرت روح التحدي لدى الهاشم في عام 2012, لتشتهر بأنها المرأة التي حلت مجلس الأمة دستوريا لأول مرة في تاريخه.
ففي شهر فبراير من ذاك العام خسرت الانتخابات. غير أنها أصرت، ومعها زميل لها، على رفع دعوى قضائية أمام المحكمة الدستورية طعنا في المرسوم الأميري بحل المجلس المنتخب عام 2009 والدعوة لانتخابات جديدة. وقبلت المحكمة الدعوى وقضت بحل المجلس المنتخب وإعادة المجلس المنحل.
وفي انتخابات أجريت في شهر ديسمبر من العام نفسه، دخلت الهاشم المجلس، تسبقها سمعتها وتمسكها بالقضايا التي تؤمن بها وربطتها بالناس.
في إحدى معاركها البرلمانية، وصفت بعض مواقف الداخلية الشيخ محمد الخالد الحمد الصباح، أحد أفراد أسرة الصباح الحاكمة على أسئلة برلمانية بأنها "سمجة"، وقالت له "أينما تقع السلطة تقع المسؤولية.. أنا أحاسبك على مسؤوليتك التي ليست مجرد مراسم... لا يعنيني شخصك ، تعنيني وظيفتك كوزير داخلية... إذا لم تكن على قدر المنصب، اتركها لشخص لواحد أحسن منك" . كما حملت بشدة على الدكتورة رولا دشتي، وزير الدولة للتخطيط واتهمتها بإهانة الكويتيين وطالبتها بالاستقالة .
في الدورة نفسها، رآها الكويتيون كأول امرأة ترأس جلسة لمجلس الأمة، في تاريخه، بوصفها مراقبا للمجلس بسبب غياب رئيسه. وحصلت الهاشم على وظيفة المراقب بعد تصويت فازت فيه بأغلبية كبيرة، لتصبح أول سيدة تشغل هذه الوظيفة.
"خادمة وليست مندوبة"
قبل الانتخابات الأخيرة، كان لدى الهاشم ثقة في أنها سوف تفوز. فلم توقف حملتها رغم قرار الاستبعاد. ولما قضت المحكمة بإعادتها غردت منتقدة الحكومة بشدة قائلة "أنا نجحت قبل يوم الانتخابات. أنت تظنين يا حكومة أنكم ربحتوا جولة... وأنا ربحت كل الجولات.. انتم انتصرتم في مكان، وأنا في كل الامكنة". وختمت قائلة "أنا نجحت قبل يوم الانتخابات". وقد فعلتها في يوم الانتخابات، فكانت السيدة الوحيدة بين 14 سيدة شاركت فيها.
وبفضل هذا الأداء، ترأست لجنة المرأة في اتحاد البرلمانيين العرب. ودخلت سجل أفضل الشخصيات النسائية، وفق تصنيف اللجنة البرلمانية لشؤون المرأة بمجلس الأمة الكويتي.
يصف المحلل السياسي جابر باقر الهاشم بأنها "ذكية قادرة على مخاطبة الناس، وتتمتع بكاريزما واضحة".
أحد الشعارات التي اشتهرت بها "أنا خادمة الشعب وليست مندوبة" خدمات.
وهذا ما متعها بشعبية كبيرة خاصة عندما تبنت قضايا مكافحة الفساد ورعاية الناس الأٌقل دخلا ومواجهة الرأسماليين والشركات الكبرى. وهي تحمل الحكومة المسؤولية الأكبر يليها البرلمان الذي تقول إنه لا يؤدي دوره في الرقابة والدفاع عن الناس. وشنت حربا أينما ذهبت وتحدثت على "الوثيقة الاقتصادية" ، التي مررها البرلمان السابق، وبمقتضاها رفعت الحكومة أسعار البنزين والكهرباء والمياه. ومنطق الهاشم هو أنه "بدلا من أن تأتي الدولة على جيوب الغلابة الذين يعانون مشكلات في السكن والرعاية والبطالة، يجب عليها أن تفرض ضرائب على الشركات الكبرى وتصر على تطبيق القانون بتحصيل الغرامات المستحقة على هذه الشركات" وتفعيل مهام صندوق المشروعات الصغيرة" الذي تبلغ ميزانيته ملياري دينار كويتي.
وذات مرة تحدت وزير المالية بأن يدخل معها في مناظرة بشأن "المليارات المهدرة" والمساواة بين الشركات الكبيرة والصغيرة في الضرائب.
ولعل سجلها الأكاديمي والعملي يعطيها مصداقية عندما تتحدث عن الطرق الناجحة في إدارة "البزنيس" وفق معايير دولية نزيهة فعالة. فبعد أن عملت 1994 في وزارة التعليم العالي لسنوات قليلة، تخلت عن الوظيفة لتؤسس شركة للاستشارات الإدارية والاقتصادية وكانت رئيس مجلس إدارتها، وذاع صيتها في مجال تحديث وتطوير المؤسسات. وتتمتع الآن بحوالي ثلاثة عقود من الخبرة عملت خلالها أيضا مع عدد من الشركات الخاصة والقابضة في الكويت، كما كانت الامين العام لمجلس الأعمال الفرنسي في الكويت، ولاتزال عضوا بجمعية الصداقة الكويتية البريطانية. وشغلت أيضا منصب مقرر لجنتي الشؤون المالية وشؤون المرأة والأسرية في مجلس الأمة الذي كانت عضوا في لجنة الشؤون الخارجية به.
ويذيع صيت الهاشم خارج منطقة الخليج، وفازت بعدة جوائز ومنها جائزة "المرأة الديناميكية لعام 2011 في الشرق الأوسط"، من كلية إدارة الأعمال في جامعة جورج واشنطن.
وأدرجتها مجلة "أربيان بينزنس" ضمن قائمة أفضل 100 مسؤول تنفيذي في المنطقة العربية. وبداية من عام 2006 ولمدة أربع سنوات على التوالي، اختيرت أفضل سيدة أعمال في منطقة مجلس التعاون الخليجي.
شبح الفساد في "وطن النهار"
في ندوتها قبيل الانتخابات الأخيرة، بدت الهاشم واثقة من العودة إلى مجلس الأمة "لاستكمال مشوارها لخدمة أهلها"، كما قالت لي. فبعد أن استعرضت تقارير ديوان المحاسبة بشأن ما قالت إنه "هدر المال العام في ملفات العلاج بالخارج وتحصيل الغرامات ومحاباة أصحاب المصالح والأعمال والمسؤولين والوزراء"، تعهدت بأنها لن تسمح بأن يكون برلمان 2016 "مجلسا بصاما"، يقر ما تريده الحكومة دون مساءلة.
تعود الهاشم، وهي من أسرة عريقة ولا تتمتع بثروات ضخمة في الكويت، إلى البرلمان رافعة شعار "ستعود كما عهدناك يا وطن النهار".
وهذا الوطن لن يعود إلا بأن تعمل الحكومة، حسب تصورها، على استغلال ثروة النفط في بناء الكويت التي "لا تفتقد إلى أي شئ مما هو موجود في السعودية ودبي وقطر". فهي تنتقد بشدة "افتقاد الحكومة إلى رؤية اقتصادية"، وتصر على "علاج السلبيات التي اعترت قانون الخصخصة." ولا تكف عن الدفاع عن قضايا المرأة وحقوقها، وخاصة الكويتية المتزوجة من غير كويتي، والشباب وتوفير السكن للمحتاجين.
ويظل شبح الفساد الذي يتحدث عنه الناس، ووسائل الإعلام، والبرلمانيين والمسؤولين في الكويت عن همها الأكبر، وتستنكر بشدة تجاهل البرلمان لتقارير ديوان المحاسبة التي عرضتها على مؤيديها في ندوتها قبل الانتخابات، مؤكدة إنها لاتروج لادعاءات بل هي "تقارير ديوان المحاسبة".
وتتبى الهاشم مشروع "وضع منظومة تشريعات مكافحة الفساد بما في ذلك إنشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد والرقابة الإدارية وقوانين كشف الذمة المالية وحماية المبلغ (عن الفساد) وتعارض المصالح". ومثل كثيرين غيرها في البرلمان، تعتبر أنه هذه المنظومة "أساس لتعزيز مقومات البيئة السياسية والاقتصادية والرقابية السليمة".
لا تخرج الهاشم عن الإجماع الواسع في الكويت على الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح. لكنها تحمل، في كل لقاءاتها ومقابلاتها الإعلامية على "البطانة الفاسدة" التي تحيط بمؤسسة الحكم، وتراها سببا "في صدع سياسي واجتماعي" وفي "بطء حركة" و"تراكم السموم على جسد الدولة."
ورغم تفاؤلها الحذر بأن البرلمان الجديد لن يكون كسابقة بفضل التركيبة الجديدة التي أفرزتها الانتخابات، فإنها لا ترى أن هناك بصيص أمل "للخروج من الأزمة السياسية" في الكويت إلا بأن "يدعو الأمير الذي يستطيع وحده تحقيق الاستقرار السياسي إلى مؤتمر للحوار الوطني".
عين النائبة الشرسة، التي ستلفت النظر كسيدة وحيدة في مجلس كله رجال، على تشكيل الحكومة المقبلة، غير أنها تقول إن على نواب الشعب أن يضمنوا ألا "يكون المجلس في جيب (هذه) الحكومة."
ماذا لو لم يتحقق هذا الهدف ورأت الهاشم نفسها في برلمان كسابقه"، الذي تصفه بمجلس النحس؟ تجيب "سوف أجلس على باب المجلس لأدافع عن مبادئي".
فيديو قد يعجبك: