لماذا يختار كثيرون إقامة جنازات لأنفسهم وهم أحياء؟
لندن – (بي بي سي):
قد يساعدك لعب دور البطولة بجنازتك "الوهمية" في تكوين رؤية جديدة للحياة، ومواجهة لحظة الموت الحتمية.
وفي الحالات التي يعاني فيها الأشخاص من مرض عضال، قد تمنحهم الجنازة الوهمية فرصة لوداع أحبائهم، وليس هذا فقط، بل سيستمع الشخص إلى كل الكلمات اللطيفة التي قد تقال عنه بعد رحيله أيضاً.
ويقول الأشخاص الذين أقاموا جنازات لأنفسهم إن هذه الممارسة تكتسب شعبية كبيرة في المملكة المتحدة .
وبدأ تقليد إقامة جنازة لشخص على قيد الحياة فعلياً في كوريا الجنوبية واليابان، وقد يكون لها أثر إيجابي على الصحة العقلية.
فقد كشفت دراسة أجريت عام 2009 أن التفكير في الموت لخمس دقائق يومياً، ولمدة أسبوع واحد فقط، قد قلل من الأفكار الكئيبة التي تنتاب الإنسان.
وتعد إقامة جنازات للأحياء تغييراً كبيراً في ثقافة الحداد. ويبدو أن الناس يميلون إلى الابتعاد عن مراسم التأبين الدينية التقليدية، وينظرون في مراسم بديلة أكثر موائمة للبيئة، كالتوابيت القابلة للتحلل مثلاً.
وفي وقت سابق من هذا العام، دُفن نجم هوليوود، لوك بيري، وهو يرتدي بدلة صُنعت من الفطر (بدلة خاصة صُنعت من القطن الطبيعي والفطر).
ويقول صانعو البدلة، إنه يمكن لهذه البدلة أن تقلل من المواد الضارة التي تنتجها الجثة عند حرقها أو تحللها.
ويمكنك أيضاً، استئجار "مخرِّب الجنازة"، وهو شخص يدفع له مقابل القيام بتوجيه رسائل بالنيابة عن الموتى.
وقد تكون الرسائل انتقامية أو مضحكة أو لطيفة، مثل الطلب من الناس مغادرة المقبرة فوراً أو أي رسائل يوجهها الموتى إلى الأحياء.
لا حرج
وهذا يتناقض بشكل صارخ مع القواعد الصارمة حول الموت التي كانت سائدة في العصر الفيكتوري،
ففي ذلك الوقت كانت الطقوس تتطلب ضرورة ارتداء المشيعين الملابس السوداء لفترة طويلة من الزمن، ويتوقف ذلك على درجة القرب من الفرد.
فعلى سبيل المثال، كان على الأرامل ارتداء الأسود طوال عامين، ثم مع تقدم الزمن، تقلصت المدة لتصبح عاماً واحداً.
وغالباً ما كان المشيعون يحتفظون بقصاصة من شعر المتوفى أو يرتدون مجوهرات حداد محددة.
ويخطط ديفيد ويليامسون، مسؤول كنيسة ليونارد هوسبيك في يورك، ترتيب جنازات وهمية خلال هذا العام للمرضى الذين يواجهون الموت المحتم بسبب المرض.
ويقول: "أعمل في كنيسة إنجلترا، وأقمت الجنازات لمدة 30 عاماً، كنت دائماً معجباً بالإشادات وكلمات المديح من جانب أصدقاء وأقارب الشخص المتوفى، وكنت أسألهم إن كانوا قد قالوا شيئاً كهذا للشخص عندما كان على قيد الحياة، وغالباً كانت إجاباتهم النفي".
ويضيف: "لذلك تساءلت، فيما لو كانت هناك طريقة أفضل للتعبير عما نفكر فيه ونشعر به تجاه الأصدقاء عندما يكونون أحياء".
ووجد ديفيد أن بإمكانه دفع الناس في بريطانيا التي تسيطر عليها ثقافة كبت العواطف والمشاعر، إلى الإفصاح عن عواطفهم ومشاعرهم تجاه من يحبون دون حرج وإحراج.
جورجيا مارتن
بدأت جورجيا مارتن (28 عاماً) في تنظيم الجنازات الوهمية بشكل طوعي بعد مرورها بلحظة عاطفية خلال جنازة جدها.
وتقول: "أتذكر شعور أصدقائه بالحزن، عندها قلت في نفسي، كان جدي يحب رؤية كل هؤلاء، لماذا لم نرتب ذلك عندما كان حياً؟".
وبعد مرور عام على ذلك، رتبت جورجيا ست جنازات لأحياء، وتقول إنه رغم اختلاف كل جنازة، إلا أنها تعتقد أن ذلك يُساعد الميت وعائلته تقبّل الأمر في المستقبل.
وتضيف: "عندما يأتي الجميع إلى جنازتك بعد وفاتك، فأنت لست هناك فعلياً لسماع كل الأشياء اللطيفة التي يقولونها عنك، إنه يمنحك أيضاً فرصة لإخبار الأشخاص بأنه لا بأس من المضي قدماً في الحياة بعد الرحيل".
بالنسبة للبعض، يمكن أن يكون ترتيب الجنازة الوهمية لشخص يعاني من مرض عضال فرصةً للشعور بحال أفضل في لحظات صعبة.
توم هونيويل، 24 عاماً
في عام 2016، أقام توم جنازة وهمية لجده بعد أن قيل له إن لديه شهراً واحداً للعيش. حينها، أصبح جده أكثر إصراراً على ترتيب جنازته ليتسنى له فرصة توديع أصدقائه.
وحضر جنازته الوهمية 80 شخصاً في بلدته بجنوب انجلترا. وحضر مصور وثق بالصور كل اللحظات، وكل من رثاه في جو من المرح.
يقول توم: "أعتقد أن الأمر يحتاج إلى شخص قوي الارادة لترتيب جنازته وهو لا يزال على قيد الحياة. فالشخص يعلم أن هذا الاحتفال هو احتفال بموته".
وعلى الرغم من أن جنازة كهذه قد تساعد الشخص الذي سيتوفى على رؤية أصدقائه للمرة الأخيرة، إلا أنه قد يكون مؤلماً أيضاً مواجهة حقيقة أن وجوده بين هؤلاء الأشخاص مؤقت".
ويصف توم ذلك اليوم قائلاً: "كان يوماً سريالياً مليئاً بالمشاعر، احتفل بموته وهو لا يزال حياً، وذلك يظهر حقيقة أن الموت أمر واقع".
لكن كانت تلك رغبته الأخيرة، وأستطيع القول بأنه "استمتع بذلك كانت ذكرى سعيدة".
مايكل هيب، 40 عاماً
وبينما يقوم غالبية الناس بترتيب جنازات لأنفسهم بسبب معاناتهم من الأمراض، إلا أن البعض يقوم بذلك لأسباب غريبة.
قام مايكل هيب الذي يبلغ من العمر 40 عاماً وهو (مؤسس جمعية غير ربحية تشجع الناس على التحدث عن الموت والاحتضار) بترتيب جنازة وهمية لنفسه عندما كان في الأربعين من عمره، بعد أسبوعين من انفصاله عن صديقته الحميمة التي عاشت معه لفترة طويلة، في عيد ميلاده.
لم يشأ مايكل أن يكون وحيداً، فقام بتوجيه دعوة لخمسين من أصدقائه، أبدى أربعون منهم استعدادهم للحضور، ملقبين صديقهم بمحبة وإعجاب "السيد الميت".
مواقف مؤثرة
بدا الأمر طبيعياً في بداية الأمر، لكن سرعان ما أخذت الفكرة طابعاً جدياً. وبعيداً عن الاحتفال المبهج الذي أقامه، وجد مايكل نفسه مرتدياً ملابس بيضاء، وهو في تابوت مُصمم خصيصاً له وبدون غطاء، مستلقيا فيه لمدة ثلاث ساعات.
تم رفعه من قبل حاملي النعش، ونُقل إلى غرفة مظلمة، مضاءة بشمعة واحدة.
يقول مايكل عن حاملي النعش: "كانت تفوح منهم رائحة الويسكي، لقد اضطروا إلى شرب الكحول لأنهم شعروا بالخوف فعلاً".
ورغم معرفة أصدقاء مايكل بزيف الجنازة، إلا أن أحد أصدقائه بكى بالقرب من نعشه، وقال آخر: "أخشى أنك لم تكن تعرف كم كنت أحبك".
أما ابنته ذات الـ 15 عاماً، فوضعت يدها عليه ورثته بأقوى كلمات الحب، أبكت جميع الحاضرين.
لا شعور بالوحدة بعد الآن
يقول مايكل إنه كان دائماً يواجه صعوبة في التواصل مع الآخرين، وعانى أحياناً من الشعور بالعزلة في حياته. ولكن بعد تجربة الجنازة الوهمية، وبعد سماعه ما قاله أصدقاؤه عنه، تشكلت لديه رؤية جديدة .
ويشعر الآن بأنه مُنح "فرصة ثانية" لتحسين علاقاته وإصلاح بعض الأخطاء التي ارتكبها خلال السنوات الأربعين الماضية.
الموت الرحيم
تقول لورا غرين، التي تدرس في جامعة مانشستر، الرعاية الرحيمة، "إن الأمر يرجع إلى مزيج من ثقافتنا الأكثر تحرراً وانفتاحنا حول مسألة نهاية الحياة".
وتقوم العديد من البلدان حالياً بإعداد تشريعات تسمح بـ "الموت الرحيم"، حيث يمكن للناس اختيار إنهاء حياتهم بأنفسهم بمساعدة طبية، (المملكة المتحدة ليست من بينها).
وبذلك، يصبح الحديث حول خطط نهاية الحياة من قبل الشخص المعني بدلاً من أن تكون من قبل الأسرة حسب قولها.
وسواء كنت تفكر في حضور جنازتك الوهمية أم لا، ربما يشعر البعض بالارتياح لمجرد توفر إمكانية إقامتها.
تقول لورا: "هناك اعتقاد شائع وغريب، مفاده أن الجنازة يجب أن تكون هادئة وسط الشموع المعطرة والظلام، ولكن إذا كنت من محبي الحفلات، فقد ترغب بواحدة كتلك التي كنت تحضرها عند اقامة جنازتك".
فيديو قد يعجبك: