مصراوي في "كرديدة".. رحلة البحث عن جثة ضائعة (فيديو وصور)
كتب - سامح غيث:
قبل 10 أيام، انهارت حفرة على شاب أثناء قيامه وآخرين بالتنقيب عن الآثار أسفل منزل بقرية كرديدة التابعة لمركز منيا القمح، ما أسفر عن مصرعه، وبعد فشل كافة محاولات الأجهزة المعنية بمحافظة الشرقية في استخراج الجثة باستخدام المعدات الثقيلة، نظرا لسوء حالة المباني المجاورة للمنزل المشار إليه، قررت النيابة العامة الحفر يدويا وانتشال الجثة.
محمد. ر، لم يكمل عامه الثلاثين، تزوج بفتاة من مدينة الزقازيق، غادر منزل والده بحلوان رفقة زوجته وطفلته متجها إلى منزل والد زوجته، يوم الجمعة الماضي، وبمجرد وصلولهم ترك الزوجة وسارع لاستكمال أعمال الحفر أسفل منزل أحد أصدقائه، بحثا عن الآثار، إلا أن القدر لم يمهله لتحقيق حلمه في الثراء السريع.
مصراوي في "كرديدة"
مصراوي انتقل إلى قرية كرديدة، ليرصد أسباب الانهيار ويستمع إلى روايات أسرة المجني عليه وأهالي القرية حول ملابسات الواقعة، بمجرد وصولنا، استقبلنا الأهالي "أيوة هنا البيت اللي وقع بسبب الآثار"، واصطحبنا أحدهم إلى شارع العوامرة حيث المنزل المنهار.
شارع لا يتعدى عرضه 6 أمتار، على جانبيه منازل قديمة وأخرى متهالكة من الطوب اللبن والطين، سيارتان إسعاف وأخرى للإطفاء تصطف خلف بعضها البعض تتقدمهم سيارتان للشرطة وثالثة خاصة برئيس مجلس مدينة منيا القمح، ينتشر رجال الحماية المدنية وأفراد من الشرطة ومجلس المدينة، يقتصر دورهم على إبعاد الأهالي عن المنطقة بعدما رفعوا الحواجز الخشبية الموضوعة لمنع دخولهم مكان الحفر، بينما يتناوب بعض العمال -المستأجرين من قبل والد المجني عليه- التنقيب باستخدام وسائل بدائية محاولين استخراج الجثة.
"يا ناس حرام عليكم.. إكرام الميت دفنه.. أنا لو أعرف مين السبب في تأخير خروج جثة ابني هموته وأدخل فيه السجن" كلمات مصحوبة بالدموع قالتها والدة الشاب التي جاءت من مدينة حلوان حيث مقر إقامتها، بحثا عن جثة ابنها.
وأضافت الأم، أثناء انتظارها انتشال جثة ابنها من تحت الأنقاض، ابني خرج يوم الجمعة قبل الماضي بصحبة زوجته وطفلتهما متوجهين لمنزل والد زوجته بمدينة الزقازيق، وبعد مرور ٣ أيام فوجئت باتصال زوجته "تعالي ابنك مات"، تُكمل الأم، حاولت السؤال عن كيفية وفاته ومتى حدث ذلك لكنها ادعت عدم علمها بشيء، وهنا قاطعتها ابنتها الطالبة بكلية الحقوق الحديث، قائلة "إحنا مش عايزين حاجة غير جثة أخويا عشان ندفنه ونرتاح".
مشاعر ومحاولات
عقارب الساعة تشير إلى العاشرة صباح أمس الأحد، بدأت أعمال الحفر، والد المجنى عليه يتوسّل للمسؤولين بالإسراع لاستخراج الجثة ودفنها، إلا أن عصام جاد، رئيس مجلس مدينة من القمح، عنفه بشدة قائلا "ابنك جه يرمي نفسه في التهلكة.. سيبنا نعمل الصح.. في إجراءات لازم نتبعها"، ما أغضب والد الضحية وأحزنه، ملأت الدموع عينيه، قبل أن يصطحبه أحد ضباط الحماية المدنية محاولا تهدئته وتطيب خاطره.
"الحمد لله وصلنا للجثة" قالها أحد الشباب المتواجدين رفقة العمال، فور ذلك انبعثت رائحة كريهة من الحفرة، وسادت حالة من الهرج والمرج، استعداد لانتشال الجثة، والدة المجنى عليه تهرول تجاه الحفرة صارخة" ابني .. ابني"، إلا أن العمال أحبطوها مخبرين إياها بأنهم لم يتوصلوا بعد للجثة، لتسقط الأم أرضا بعدما أغمى عليها، وأخذ بعض الجيران يحاولون إفاقتها وإبعادها عن موقع الحفر.
دقائق ويعاود العمال أعمال الحفر مرة أخرى، بعد حصولهم على قسط من الراحة، بينما يمد بعض الشباب يد العون لهم، بعمل حاجز من الخشب على جانبي الحفرة خشية انهيارها، ومع تجمع عشرات الأهالي حول الحفرة، صرخ فيهم أحد الضباط بضرورة الابتعاد ومع تجاهلهم لطلبه، قرر عدم استكمال الحفر.
"إحنا مش فرجة، سيبوا الناس تشتغل، عايزين نروح ندفن ابننا" قالها عم المجني عليه في محاولة لإبعاد الجموع عن الحفرة وإعادة أعمال الحفر من جديد.. عاود العمال الحفر، استخرجوا الأدوات التي استخدمها المجني عليه في التنقيب "فأس صغيرة وشاكوش وبعض الأخشاب".. الجميع استبشروا خيرا، والد الضحية جلس بجوار الحفرة شارد الذهن وكأنه يسترجع ذكريات 30 عاما، عمر الضحية.
وقف الحفر
عقارب الساعة تشير إلى الثالثة عصرا، وصل عمق الحفرة إلى 5 أمتار، ظهرت المياه الجوفية، بدأت التشققات تُرى بجانب الحفرة، طالب أحد الضباط المتواجدين، العمال، بوقف أعمال الحفر نظرا لخطورته عليهم، وأبلغ نائب رئيس مجلس المدينة الذي قرر التوقف عن الحفر وإعداد تقرير للنيابة العامة.
"حرام عليكم.. دا ميرضيش ربنا" قالتها والدة المجني عليه بمجرد علمها بقرار وقف العمل والانتظار لحين صدور قرار جديد من النيابة العامة، ثم غادرت موقع الحفر مرددة "حسبي الله ونعم الوكيل، إيه ذنبك يابني عشان يحصل فيك كل دا".
أحد شباب القرية قال إن المجنى عليه حضر من حلوان وأبلغ نجل صاحب العقار بوجود "مقبرة أثرية" أسفل منزلهم، وأن لديه قدرة على توصيلهم لها، لافتا إلى انبعاث رائحة كريهة من المنزل، يوم الإثنين الماضي، ما دفع إحدى السيدات لدخول المنزل، حتى اكتشفت وجود حفرة كبيرة بوسط المنزل، فأبلغت الجيران، فتوجه نجل صاحب العقار لمركز شرطة منيا القمح للإبلاغ وتسليم نفسه.
"البلد دي عايمة على آثار، بس الرصد بيطلب حاجات غريبة" أضاف أحمد. ج، أحد شباب القرية المتواجدين في منطقة الحفر، مؤكدا أن ظاهرة التنقيب عن الآثار انتشرت بصورة كبيرة في القرية، وأن عددا كبيرا من الشباب يضيعون أعمارهم من أجل الوصول لأي قطع أثرية.
رواية الأمن
من جانبه، أعلن مصدر أمنى، أن المجني عليه كان يقوم بدور "الشيخ "الدجال"، محاولا إرشاد من يعملون معه بأسلوب الحفر ويدلهم على الأماكن الواجب الحفر فيها، مرجحا أنه ظن باقترابه من الوصول لباب المقبرة الأثرية، ما دفعه للقيام بأعمال الحفر بنفسه، فانهارت عليه الحفرة وتركه أصدقاؤه يموت بداخلها.
وأوضح المصدر أن نجل صاحب العقار، أكد خلال التحقيقات أنه استأجر المنزل للمجني عليه، وقدّم صورة من عقد الإيجار.
وقال مجدي سرور، نائب رئيس مجلس مدينة منيا القمح، إنه بمجرد إخطار المجلس بالواقعة انتقل مع قوات الحماية المدنية وأزالوا المنزل بالكامل باستخدام "لودر" مجلس المدينة، للتمكن من انتشال الجثة.
وتابع سرور، نظرا لسوء حالة العقارات المجاورة، لم يتم استخدام المعدات الثقيلة في استخراج الجثة، مشيرا الى أن اللجنة المشكلة من المجلس أعدت تقريرا مفصلا، بحالة العقارات المجاورة للمنزل، وبإرسالها للنيابة العامة قررت الحفر يدويا خشية انهيار أي عقار آخر.
كان الرائد أحمد حسن، رئيس مباحث مركز شرطة منيا القمح، تلقى إخطارا بمصرع أحد الأشخاص، إثر انهيار جزء من منزل بقرية "كرديدة" التابعة لدائرة مركز منيا القمح، وأوضحت التحريات قيام "محمد.ر.ع"، 30 عامًا، مبيض محارة، ومقيم في حلوان، برفقة مجموعة من الأشخاص، بالتنقيب عن الآثار أسفل منزل "محمد.ن.ع"، بقرية "كرديدة"، فانهارت الحفرة عليه ما أدى لمقتله.
فيديو قد يعجبك: