إعلان

كم ينفق المصريون على رحلات الحج (٤)

كم ينفق المصريون على رحلات الحج (٤)

د. عبد الخالق فاروق
09:00 م الخميس 22 مارس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أثيرت في الأسابيع القليلة الماضية مسألة زيادة وزارة السياحة الرسوم المقررة على المسافرين لقضاء شعيرة العمرة للأراضي المقدسة.. والسؤال:

كم ينفق المصريون على رحـلات "الحـج"؟ (٤)

أدت العوامل التي سبق أن أشرنا إليها (العمالة المتحركة- التحويلات- الصحوة الإسلامية) إلى تدافع مئات الآلاف من المصريين المسلمين لأداء الفريضة المقدسة "الحج"، والسنة النبوية المحمودة "العمرة"، مصحوبين بقوة شرائية هائلة ومشاعر شتى، ومثلهم الملايين من المسلمين في كل أرجاء العالم الإسلامي.

وبطبيعة الأشياء، فإذا كانت السوق حاضرة في مواسم "الحج" منذ مئات السنين- حتى قبل انبعاث الدعوة المحمدية- فإنها الآن منادية وجاذبة، ولها رجالها والمتربحون منها من كل صوب وحدب.

وأغرى هذا السيل المتدفق- بلا توقف- الكثيرين بالمشاركة فيها، حتى لو كانت أدوارهم لا تستلزم ذلك، سواء أكان هذا على الجانب السعودي (وزارة الحج- هيئة مخاع- الغرف التجارية والسياحية)، أو على الجانب المصري (وزارة الداخلية- الشركات- السماسرة- الجمعيات الأهلية- وزارة السياحة... إلخ).

ففي البداية لم يكن هناك سوى الرسوم المقررة المتواضعة لإصدار وثيقة السفر، والباقي يتحمله المسافر من تذاكر الطائرة، أو الباخرة وتكاليف الإقامة والتنقلات في المملكة وغيرها، سواء تحملها بصورة مباشرة وشخصية أم من خلال وسيط كشركات السياحة أم الوكلاء أم الجمعيات الأهلية... إلخ.

وهكذا بدأ تحميل "الحاج" أو "المعتمر" عشرات الرسوم والمصاريف المبالغ فيها حتى وصل سعر "الحج" السريع الخمس نجوم إلى 100 ألف جنيه (لأحد عشر يوماً)، وفقا لأسعار عام 2008 فقط.

على أية حال، لقد تمثلت عناصر تكاليف أداء فريضة "الحج" للمسافر، في العناصر السبعة التي سبقت الإشارة إليها في المقال السابق.

وتتفاوت أسعار تكاليف السفر والتنقلات والإقامة داخل الأماكن المقدسة بالأراضي الحجازية والمزارات الدينية الأساسية تفاوتاً كبيراً لعدة اعتبارات:

الأول: طبيعة وسيلة السفر ودرجاتها (طائرات- سفناً- براً).

الثاني: وسيلة الانتقالات داخل الأراضي الحجازية (مكيفة- غير مكيفة).

الثالث: حجم مجموعات الأفواج ودرجة فاعلية الشركات السياحية المصرية المنظمة أو الجهة الحكومية مع الوكلاء السعوديين ومقدمي الخدمات داخل المملكة.

الرابع: فنادق الإقامة داخل "مكة" و "المدينة"، من حيث مدى قربها من "الحرم المكي" و"الحرم النبوي"، وكذلك مدى فخامتها وتوفيرها لكل مستلزمات الراحة من طعام وشراب (خدمة الخمسة نجوم).

على أية حال سوف نتناول بعض هذه العناصر بشيء من التفصيل لشرح آليات هذه السوق الضخمة التي تضاعفت نفقاتها وتكاليفها بأكثر من الضعفين، منذ عام 2008 حتى العام 2018:

أولاً: تجارة "التأشيرة"

من الناحية القانونية- والشكلية- مازالت تأشيرة السفر لأداء فريضة "الحج" التي تصدرها القنصليات السعودية مذيلة بتعبير "مجانية"، أي دون مقابل، لكن منذ مطلع التسعينات بدأت السلطتان السعودية والمصرية تتسابقان في فرض رسوم على إصدار هذه التأشيرات، حتى قاربت مبلغ الألف جنيه في عام 2008، وتجاوزت في عام 2016 أربعة آلاف جنيه.

ففي عام 1993 وضعت السلطات السعودية نظاماً جديداً قائماً على فكرة الحصص لكل دولة من الدول الإسلامية (واحد لكل ألف من السكان) خاصة بعد تزايد التظاهرات التي كان يقوم بها الحجاج الإيرانيون، وأدت إلى مقتل المئات منهم في العام السابق (1992م)، وقد لاقى هذا الإجراء ترحيباً من السلطات المصرية لأسبابٍ، بعضها سياسي والبعض الآخر اقتصادي:

- سياسياً: اعتبرت السلطات المصرية أن تقليص أعداد المعتمرين والحجاج يصب في صالح تقليص الأرضية والبيئة الثقافية والفكرية المؤيدة، أو المحتضنة لتيارات الإسلام السياسي، خصوصاً جماعة الإخوان المسلمين التي تشكل خطراً سياسياً وربما انتخابياً للنظام والحكم في مصر.

- واقتصادياً: فإن ما تتحمله خزينة البنك المركزي المصري والنظام المصرفي من أعباء مالية بسبب توفير العملات الأجنبية (الريال السعودي أو الدولار الأمريكي) لهذه الأعداد الهائلة سنوياً، يؤثر بلا شك على حصيلة النقد الأجنبي والاحتياط النقدي المتاح لدى الاقتصاد المصري.

ومن ثم فقد جاءت إجراءات المملكة السعودية لفرض رسوم على إصدار تأشيرة "الحج" متوافقة مع الرغبة المصرية، كما شجعت الحكومة المصرية وأجهزتها الأمنية على فرض رسوم مماثلة.

ففي عام 1996م، وضعت المملكة السعودية نظام التأشيرة "الإلكترونية"

مقابل 30 ريالًا سعوديًّا (ما يعادل 10 دولارات أمريكية)، وفي العام 1997، زادت المملكة رسم تأشيرة "الحج" عن طريق "الإنترنت" إلى 60 ريالاً، وتقرر في ذات الوقت تحصيل مبلغ إضافي لصالح هيئة "مخاع" السعودية بواقع 15 ريالاً أخرى.

وفي العام نفسه 1997، فرضت السلطات المصرية رسوماً مقدارها 50 جنيهاً مصرياً على تأشيرة "الحج" وإصدار وثيقة السفر، وتوجه حصيلة هذا الرسم إلى مصلحة الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية المصرية، وإلى وزارة السياحة.

لكن في العام التالي 1998م زادت السلطات السعودية رسوم إصدار تأشيرات "الحج" إلى 120 ريالاً، توزع مناصفة بين وزارة "الحج والعمرة" وهيئة "مخاع" بالمملكة السعودية، وبالمقابل قامت السلطات المصرية بزيادة الرسوم المفروضة على كل تأشيرة "الحج" إلى 350 جنيهاً موزعة بين مصلحة الأمن العام (100 جنيه) ووزارة السياحة (250 جنيهاً).

وأخذت هذه الرسوم في الزيادة عاماً بعد آخر، حتى عام 2008، وفي هذا العام الأخير توزعت مصاريف ورسوم الحصول على تأشيرة السفر لأداء فريضة "الحج" على النحو التالي:

- الجانب السعودي البيان القيمة ما يعادلها بالدولار الأمريكي

1- رسم الإنترنت 120 ريالا سعودياً 32.5 دولار

2- رسم بركود (لصالح هيئة مخاع) 38.9 ريال سعودياً 10.5 دولار

_______________________________________________

-الجانب المصري 1- رسوم إصدار الوثيقة 250 جنيها مصريا 45 دولارا

2- رسوم لصالح الأمن العام 100 جنيه مصري 18 دولارًا

أي أن الحاج المصري عليه سداد ما يقارب 593.6 جنيه مصري، أو (393 ريالًا سعودياً) مقابل الحصول فقط على تأشيرة "الحج"، وفقاً لأسعار عام 2008، التي تضاعفت بحلول عام 2018.

وقد نشر الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية السعودية عام 2009 (1430هـ) تكاليف إصدار تأشيرة "الحج"، عبر الإنترنت، وبعض خدمات النقل، وكانت كالتالي:

1- أجور خدمات قيمتها 444 ريالًا سعودياً (120 دولاراً) بشيك مقبول الدفع.

2- أجور النقل المكيف 435 ريالاً سعودياً (118 دولاراً).

3- أو النقل غير المكيف وقيمتها 345 ريالاً سعودياً (93 دولاراً).

فإذا قدرنا عدد من أدوا فريضة "الحج" ذلك العام بنحو 3 ملايين مسلم من جميع أنحاء العالم الإسلامي- بخلاف التأشيرات الخاصة ورعايا دول مجلس التعاون الخليجي- فإن هذا الرسم فقط قد حقق للمملكة السعودية ما يعادل 360 مليون دولار (ما يعادل 1332 مليون ريال سعودي، وفقاً لأسعار الصرف وقتئذٍ).

على أية حال، إذا عدنا للحالة المصرية، فإن متوسط ما ينفقه الراغب في أداء فريضة "الحج" للحصول على التأشيرة ووثيقة السفر يقارب الـ1000 جنيه مصري (ما يعادل 180 دولاراً وفقاً لسعر الصرف السائد وقتئذٍ)، توزع بين الأطراف السعودية والمصرية مناصفة تقريباً.

وتجري فيما بين الشركات السياحية الصغرى والكبرى عمليات بيع وتجارة واسعة النطاق في هذه التأشيرات، بحيث تصل قيمتها من 10 آلاف جنيه إلى 14 ألف جنيه، كما يجرى تسريب أعداد من تأشيرات "الحج" من حصة وزارة التضامن، أو وزارة الداخلية، مقابل مبالغ تتراوح بين خمسة آلاف وستة آلاف جنيه للتأشيرة الواحدة، خاصة أن سعر الحج السريع (11 يوماً) لدى بعض الشركات المتوسطة يتراوح بين 36.5 ألف جنيه و46.5 ألف جنيه، إلى 100 ألف جنيه للشركات الخمس نجوم.

فإذا قدرنا ما دفعه المصريون للحصول على تأشيرة السفر وحدها لأداء فريضة "الحج" في عام 2008م (1429هـ) نجده يتراوح بين:

50 مليونًا و70 مليون جنيه تقريباً *.(1)

بينما تحتسب تكلفة التأشيرة بنحو خمسة عشر ألف حاج آخرين ضمن تكلفة الحج السريع الذى تنظمه الشركات السياحية الكبرى (100 ألف جنيه لأحد عشر يوماً)، أو الشركات السياحية المتوسطة (36.5 ألف جنيه إلى 46.5 ألف جنيه لذات المدة) في حين يتسرب نحو 5 آلاف تأشيرة أخرى، إلى جهات سيادية وأمنية كما سبق أن أشرنا.

■■■

ثانياً: تكاليف حجاج الشركات السياحية المصرية

كما سبق أن ذكرنا فإن الحصة الرسمية لهذه الشركات في عام (1429هـ)، نحو 32 ألف تأشيرة (بنسبة 40% من الإجمالي)، علاوة على عدة آلاف قليلة من التأشيرات تقتنصها هذه الشركات من خلال "السوق السوداء"، وبيع بعض الشركات السياحية الصغرى لحصتها من التأشيرات مقابل مبالغ تتراوح بين 10 آلاف و14 ألف جنيه للتأشيرة الواحدة، وكذلك ما يتسرب من تأشيرات من حصــة وزارتي التضامن الاجتماعي (الجمعيات الأهلية) والداخلية. ومن ثم فإن العدد الفعلي لهذه الشركات يصل إلى نحو 35 ألف تأشيرة، تتوزع بين ثلاثة مستويات اجتماعية واقتصادية من الحجيج المصريين:

المستوى الأول: الشركات السياحية الكبرى، وعددها لا يزيد على عشر شركات مصرية، تصل تكاليف "الحج" فيها إلى 100 ألف جنيه شاملة كل مصاريف الحاج وتنقلاته، عدا هداياه الخاصة لأقربائه والفدو (الضحية)، ويقدر عدد هؤلاء بنحو رُبع حصة هذه الشركات أي نحو 8 آلاف حاج- أي بمتوسط 800 حاج للشركة الواحدة.

المستوى الثاني: الشركات السياحية المتوسطة وعددها لا يزيد على 100 شركة، وتصل تكلفة الرحلة للحاج الواحد (حج سريع) ما بين 36.5 ألف جنيه إلى 46.5 ألف جنيه شاملة كل المصاريف- عدا الفدو (الضحية) والهدايا الخاصة- التي يشتريها الحاج عند عودته لأقربائه ومدة الرحلة أحد عشر يوماً، ويرجع سبب التفاوت في الأسعار إلى الفارق في فنادق الإقامة (ثلاثة نجوم أو أقل)، ومدى قربها أو بعدها من "الحرم المكي" و"الحرم النبوي"، وكذا طبيعة الوجبات الغذائية المقدمة خلال مدة الإقامة، وبرنامج الزيارات للأماكن الدينية فيما بعد مناسك "الحج"، ويصل عدد المتعاملين مع هذه الشركات نحو ربع عدد الحجاج أي نحو ثمانية آلاف حاج.

أما المستوى الثالث: فيضم الشركات السياحية الصغرى، التي تتولى التجمع مع بعضها بعضًا أو تقوم بالاتفاق مع الجمعيات الأهلية لتنظيم أفواج متكاملة، بالتعاون والتنسيق مع وكلائها السعوديين في "مكة" و"المدينة"، وعدد هذه الشركات لا يزيد على ثلاثمائة شركة، ولا تزيد أسعار رحلة "الحج" لديها على 25 ألف جنيه غير شاملة الطعام والشراب والفدو (الضحية)، وبالطبع الهدايا المشتراة من جانب أعضاء أفواجها، ويصل عدد المتعاملين مع هذه الشركات نحو النصف تقريباً أي نحو 19 ألف حاج في هذا العام.

وقد قدم إلينا أحد مديري هذه الشركات الصغرى متوسط تكلفة لبرنامج "الحج" لعام 1429هـ (2008م) وكان كالتالي:

الخدمة النقل الجوي البنقل البحري البري

1- سكن مكة المكرمة (4 ليالٍ) 6500 ريال 5000 ريال 4000 ريال

2- سكن المدينة المنورة (4 ليالٍ) 800 ريال 800 ريال 800 ريال

3- انتقالات داخل المملكة 445 ريالًا 445 ريالًا 445 ريالًا

4- تأشيرة السفر للأراضي المقدسة 8000 ريال 8000 ريال 8000 ريال

5- مشرف 1000 ريال 700 ريال 700 ريال

6- ربح الشركة 6000 ريال 6000 ريال 6000 ريال

مجموع التكاليف 22745 ريالًا 20945 ريالًا 19945 ريالًا

ويلاحظ أن متوسط الربح للشركة قبل عام 1994، تراوح بين ألفي جنيه وأربعة آلاف جنيه.

أي أن التوزيع النسبي هو:

■ 25% للشركات السياحية الكبرى (9 آلاف جنيه).

■ 25% للشركات المتوسطة (9 آلاف جنيه).

■ 50% للشركات الصغرى (أي نحو 17 ألف تأشيرة).

ووفقاً للمعادلة التالية:

حجم ما أنفقه رواد الشركات السياحية من الحجاج = (عدد الحجاج في الشركات الفاخرة × تكلفة الحاج الواحد) + (عدد حجاج الشركات المتوسطة × تكلفة الحاج الواحد) + (عدد الحجاج في الشركات الصغرى× تكلفة الحاج الواحد).

إذن مجموع ما أنفقه الحجاج المصريون المسافرون في أفواج الشركات السياحية عام 2008=

[(9 آلاف حاج × 100 ألف جنيه) + (9 آلاف حاج × 40 ألف جنيه فى المتوسط ) + ( 17 ألف حاج × 25 ألف جنيه)]

= [900.0 مليون جنيه + 360.0 مليون جنيه + 425 مليون جنيه ]

=1685 مليون جنيه مصري.(2)

■■■

ثالثاً: تكاليف حجاج وزارة الداخلية المصرية

قبل عدة سنوات قليلة كان دور وزارة الداخلية المصرية يقتصر فقط على أربعة واجبات:

1- الحصول على تأشيرات السفر بالتنسيق مع السلطات السعودية.

2- إصدار وثائق السفر الخاصة بالحجاج.

3- إجراء "القُرعَة" لاختيار من يقع عليهم الاختيار من بين المتقدمين ويترك لكل منهم السفر بوسائله الخاصة.

4- الحصول على الرسوم التي فرضتها الوزارة على تأشيرة ووثائق السفر التي سبق أن عرضنا إليها من قبل.

بيد أن نداهة السوق كانت أكبر في الغواية من تقاليد وزارة الداخلية المحافظة، فنزلت بدورها إلى سوق "الحج" بتنظيم قوافله من بين المتقدمين الذين وقع عليهم الاختيار وفقاً لحصة الوزارة (40% من إجمالي التأشيرات الممنوحة من المملكة السعودية)، فبدأت إدارة "الحج" و"العمرة" بالوزارة بالتعاقد مباشرة مع بعض الوكلاء السعوديين، ونظمت قوافل السفر بالطائرات أو السفن، ونزلت إلى سوق ضخم، فانزلقت أقدامها، وتاهت بوصلتها في دهاليز الخصخصة الجديدة.

فإذا كانت الحصة الرسمية لوزارة الداخلية لعام 2008م (1429هـ) قد بلغت 32 ألف تأشيرة جرى تجنيب نحو ثلاثة آلاف منها خارج نظام "القُرعَة" العلنية، وذهبت إلى جهات معينة بأسعار تمييزية- أو بدون- محملة على بقية تكاليف قوافل الحجيج من المدنيين. فإن الخلاصة أن لدينا 29 ألف تأشيرة.

وقد رحب كثير من المصريين المتقدمين لـ"الحج" عن طريق الـ"قُرعَة" بوزارة الداخلية في بداية الأمر بالتعاقد مع هذه الوزارة على أمل:

1- أنها جهة رسمية ستوفر بالقطع فرصًا أفضل لأداء "حج" مأمون ومريح.

2- أنها بالقطع سوف تكون أقل سعراً من تلك التي تعرضها الشركات السياحية.

3- أنها ستلقى معاملة تمييزية أو على الأقل أفضل لدى الجهات الرسمية السعودية.

فإذا بالتجربة لم تكن على قدر المأمول والمتصور.

على أية حال، ووفقاً للتعاقد الذي تم بين إدارة "الحج" و"العمرة" التابعة لوزارة الداخلية المصرية، وبين أفواج الحجاج المصريين في موسم "حج" عام 2008م (1429هـ)، فإن متوسط سعر أداء المناسك كان في حدود 25 ألف جنيه شاملة الإقامة والطعام والتنقلات الداخلية داخل المملكة السعودية، علاوة بالطبع على السفر من مصر إلى السعودية والعكس دون أن يشمل بالطبع الهدايا التي اشتراها الحجيج على حسابهم الخاص لذويهم في مصر.

وبالتالي، فإن حجم ما تحمله الحجاج المصريون المتعاقدون مع وزارة الداخلية ذلك العام:

=(29 ألف حاج × 25 ألف جنيه)

= 725 مليون جنيه مصري (3)

■■■

رابعاً: بعثة "حج" وزارة التضامن (الجمعيات الأهلية)

وكما سبق أن ذكرنا، فإن حصة وزارة التضامن من تأشيرات "الحج" عام 2008 بلغت نحو 16 ألف تأشيرة (20% من الإجمالى) تتولى توزيعها على أعضاء الجمعيات الأهلية وفقاً لنظام "القُرعَة" بحيث ينبغى أن يراعى من الناحية النظرية:

1- الكثافة السكانية لكل محافظة ونسبة عدد المتقدمين منها للسفر لأداء فريضة "الحج".

2- بعض الحالات الإنسانية.

3- كمية عددية من هذه الحصة توجه إلى بعض الجهات السيادية.

ووفقاً لتصريحات وزير التضامن الاجتماعى وقتئذٍ (د.علي المصيلحي)، فإن عدد المتقدمين لموسم "حج" عام 2009م (1429هـ) في المحافظات، ومن خلال الجمعيات الأهلية قد بلغ 91 ألف متقدم يجري اختيار 12 ألف منهم فقط، مع استبعاد غير الأعضاء في تلك الجمعيات، بما يؤكد حقيقتين:

الأولى: أن هناك تلاعبًا في هذه الجمعيات والمحافظات يسمح بأن يتقدم من خلالها من هم ليسوا أعضاء في تلك الجمعيات.

الثانية: أن هناك نحو ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف تأشيرة من حصة الوزارة لا توزع على الجمعيات الأهلية والمحافظات، وإنما تحتفظ بها الوزارة إما لتوجيه بعضها إلى بعض الجهات الرئاسية التي أشرنا إليها من قبل، أو بتسريب جزء آخر منها إلى "السوق السوداء" لتأشيرات "الحج" و"العمرة"، مقابل مبالغ تراوحت في ذلك العام (2009م) بين خمسة آلاف و6 آلاف جنيه في التأشيرة الواحدة (أي ما قيمته 12 مليون جنيه أموال فساد).

ويحكم عمل هذه الجمعيات وأفرادها بعد وقوع الاختيار عليهم وفقاً لنظام "القُرعَة" آليتان:

الآلية الأولى: أن تتولى الجمعية والمسئولون عنها الاتفاق مع شركة سياحة مصرية تمارس هذا النشاط لتنظيم رحلة الفوج مع حصول الجمعية والمسئولين عنها على بعض المزايا النقدية أو العينية.

الآلية الثانية: أن تتولى الجمعية ومسئولوها بنفسها عملية الاتصال وتنظيم الفوج بالتعاون مع وكيل سعودي يوفر مكان الإقامة، ووسيلة التنقلات بين الأماكن المقدسة، ووسائل الانتقال الجوية أو البحرية أو البرية من مصر إلى الأراضي الحجازية.

وعادة ما يكون السفر لأداء فريضة "الحج" و"العمرة" عن طريق هذه الجمعيات أرخص الأسعار وأقل الخدمات المتاحة للحاج بسبب أن معظمهم يستخدم وسائل السفر البحرية (العبارات) أو البرية من مصر إلى السعودية، ولمبالغ الدعم الذى تحصل عليه الجمعيات من وزارة التضامن الاجتماعي عن كل حاج، وكذا لتواضع الخبرات التنظيمية للقائمين على هذه الجمعيات، بالإضافة إلى عوامل الفساد والتربح من مثل هذه الرحلات من جانب القائمين عليها ما يضر عادة بالمسافر نفسه.

ويقدر متوسط تكلفة الحاج الواحد في هذه الجمعيات بما بين 15 ألف جنيه و20 ألف جنيه تدفع عادة على دفعات قبل السفر.

وبالتالي فإن متوسط ما تحمله الحجيج المصريون أعضاء هذه الجمعيات عام 2008 يتراوح بين:

= (12 ألف تأشيرة × 15 ألف جنيه) = 180 مليون جنيه مصري

أو = (12ألف تأشيرة × 20 ألف جنيه) = 240 مليون جنيه مصري(4).

وإذا أخذنا ما أعلنته وزارة التضامن الاجتماعي عام 2018 (موسم عام 1439هجرية) عن متوسط أسعار الحج لهذا العام التي تنقسم إلى ثلاثة مستويات، هي: مستوى أول بقيمة 84 ألف جنيه، ومستوى ثانٍ بقيمة 70 ألف جنيه، ومستوى ثالث بقيمة 51.5 ألف جنيه، فنحن نستطيع أن نحدد تكاليف حجاج الجمعيات الأهلية لعام 2018 بأكثر من 1050.0 مليون جنيه، أي بأكثر من خمسة أضعاف تكاليف عام 2008.

■■■

خامساً: تكاليف الهدايا بصحبة الحاج العائد

إذا استثنينا عمليات التجارة المصاحبة لرحلات بعض المسافرين المصريين لأداء فريضة "الحج" و"العمرة" (تجار الشنطة)، والمرتبطة باستخدام هذه الرحلة المقدسة للتغطية على عمليات تهرب جمركي والاستفادة من فروق الأسعار في بعض السلع بين مصر والمملكة السعودية. فإن المؤكد أن جميع الحجيج تقريباً يستحضرون معهم أثناء العودة بعض المشتريات والهدايا، أما لإهدائها لأقربائهم وأبنائهم وأحبائهم في مصر، أو تبركاً بها من الأماكن المقدسة.

وعلى قدر استطاعة الحاج المصري، فإن هناك حدودًا دنيا للإنفاق على هذه الهدايا لم يقل عن ألف ريال سعودي عام 2008 بمتوسط (1500 جنيه مصري بأسعار الصرف وقتئذٍ)، ويتدرج صعوداً إلى ما يقارب الـ20 ألف ريال سعودي (30 ألف جنيه مصري)، فإذا كان عدد المسافرين المصريين لأداء فريضة "الحج" ذلك العام (2008م) قد بلغ نحو 80 ألف شخص تتفاوت قدراتهم المالية والشرائية، فإننا نستطيع عبر استخدام توزيعات الأعداد المسافرة على المستويات الثلاثة السابقة الإشارة إليها أن نقدر الآتي:

1- أن نحو 25% من الحجاج المصريين (أي 20 ألف حاج) هم من القادرين على شراء هدايا في حدود 20 ألف ريال سعودي لكل حاج (أي نحو 30 ألف جنيه).

2- وأن هناك 25% من الحجاج المصريين (أي 20 ألف آخرين) هم من متوسطي الحال الذين لن تتجاوز مشترياتهم عشرة آلاف ريال سعودي للحاج الواحد (أي نحو 15 ألف جنيه مصري).

3- وأن هناك 50% من الحجاج المصريين (أي نحو 40 ألف حاج) لن يستطيعوا أن يستصحبوا معهم سوى هدايا في حدود ألف ريال سعودي فقط لكل حاج (أي 1500 جنيه مصري).

وبالتالي وفقاً للمعادلة:

تكاليف الهدايا بصحبة الحجاج المصريين = أعداد الحجاج وفقاً لمستوياتهم الاجتماعية الثلاثة × في قيمة المشتريات لكل حاج عائد

إذن التكاليف = [(20 ألف حاج) (30 ألف جنيه) + (20 ألف حاج) (20 ألف جنيه) + (40 ألف حاج) (1500 جنيه)]

= 1060 مليون جنيه مصري(5).

■■■

وبالتالي فإن مجموع ما أنفقه الحجاج المصريون في موسم "حج" عام (1429هـ) الموافق عام 2008م = مج (1 + 2 + 3 + 4 + 5)

= [ 70 + 1685 + 725 + 180 + 1060 ] = 3488 مليون جنيه مصري إلى 3548 مليون جنيه مصري

أي ما يعادل = 622.9 مليون دولار أمريكي إلى = 633.6 مليون دولار أمريكي

أو بالعملة السعودية = 2325.3 مليون ريال سعودي إلى 2365.3 مليون ريال سعودي

ذهب ثلثاها تقريباً إلى الاقتصاد السعودي، وذهب الثلث الآخر إلى قطاعات في الاقتصاد المصري (السياحة- وزارة الداخلية- شركات الطيران والعبارات البحرية ووسائل النقل المصري). وفقاً لأسعار عام 2008 وأسعار صرف العملات لذات العام

ولا شك أن هذه الأسعار التي تضاعفت بنحو أربعة أضعاف منذ عام 2008 حتى العام 2018 تعني أن تكاليف الحجيج المصريين تتجاوز 14.2 مليار جنيه بما يقارب 811.0 مليون دولار أمريكي وفقا لأسعار الصرف الجديدة (17.5 جنيه للدولار الواحد).

***********

وإذا حاولنا تقدير الصورة الإجمالية لمصروفات الحجيج من كل بقاع العالم الإسلامي والمقدر بنحو 4 ملايين حاج لذلك العام (2008م) تتفاوت قدراتهم المالية والاجتماعية (حجاج بنجلاديش والهند والباكستان واليمن مقابل حجاج تركيا ومصر ودول الخليج العربي.. إلخ)، وإذا قدرنا أن متوسط التكلفة لفقراء الحجاج المسلمين في الدول المشار إليها هو ألف دولار للحاج الواحد، وأن متوسط إنفاق حجاج بقية الدول الإسلامية يتراوح بين ثلاثة آلاف دولار وعشرة آلاف دولار أمريكى.

وأن نصف الحجيج من البلاد الإسلامية الفقيرة (باكستان- بنجلاديش- الهند- نيجيريا- اليمن..إلخ)، بينما الربع من الدول متوسطة الإنفاق، والربع الأخير من الدول ذات القدرات المالية الكبيرة.

فإن حجم الإيرادات التي تحققت للمملكة السعودية في ذلك العام تعادل 13.0 مليار دولار وفقاً للمعادلة التالية:

= [(2 مليون حاج × ألف دولار)] + [(1 مليون حاج × 3 آلاف دولار)] + [(مليون حاج × 10 آلاف دولار)]

= [(2 مليار دولار) + (مليار دولار) + (10 مليارات دولار)]

■■■

أي ما يعادل 48.1 مليار ريال سعودي، وهو مبلغ مهم في الاقتصاد السعودي يكاد يعادل ما جرى تحويله من أموال سعودية لصالح العمالة الأجنبية والعربية العاملة على أراضيها، التي قدرتها دراسات بعض الخبراء السعوديين بأنها بلغت 16.4 مليار دولار سنوياً خلال العشر سنوات الممتدة من عام1998م حتى عام 2008م (21).

والآن ماذا عن تكاليف المعتمرين المصريين، الذين يزيدون على 1.5 مليون معتمر مصري سنوياً؟

إعلان

إعلان

إعلان